وقد قاد البحث في هذه المسألة البعض إلى الخروج بنتائج لا تصمد أمام النقد المعتمد على وقائع الكتاب. فقد ربط البعض بين مريم المجدلية والمرأة الخاطئة في رواية لوقا وقالوا إنها المرأة نفسها، كما ربط البعض الآخر بين مريم المجدلية ومريم من بيت عنيا أخت مرثا ولعازر، وهنالك من ربط المجدلية بكل من المرأة الخاطئة ومريم من بيت عنيا، وقالوا إن الثلاثة هم شخصية واحدة. وبذلك فإن مريم بيت عنيا لم تكن غائبة عن الأحداث الأخيرة في حياة يسوع، بل حاضرة تحت اسم المجدلية.
1
إن الربط بين المرأة الخاطئة في إنجيل لوقا ومريم المجدلية، لا يجد سندا له لا من إنجيل لوقا نفسه ولا من بقية الأناجيل. فلوقا نفسه يقول لنا منذ البداية بأن المجدلية كانت من التلاميذ الأوائل ليسوع مع أخريات يذكر من أسمائهن حنة امرأة خوزي وكيل هيرودوس ملك الجليل، وسوسنة، ويقول إنهن كن يخدمن يسوع من أموالهن. ولا شك أن اقتران اسم المجدلية باسم حنة وهي زوجة شخصية بارزة في الجليل يدل على أن الاثنتين تتمتعان بالمكانة الاجتماعية ذاتها. والشيء نفسه يقال عن استحالة الربط بين المجدلية ومريم بيت عنيا استنادا إلى معطيات الكتاب. فالمجدلية جليلية وتنتمي إلى بلدة مجدل الواقعة على بحر الجليل، وقد تبعت يسوع من الجليل إلى أورشليم، أما مريم بيت عنيا فأورشليمية تقيم في قرية قريبة من العاصمة، ولم تكن ترتحل مع يسوع بل كان يسوع نفسه يقصد بيتها للإقامة والاستراحة.
إن كل ما يمكننا قوله بخصوص مريم المجدلية استنادا إلى معطيات الكتاب، هو أنها كانت امرأة ثرية من الجليل تبعت يسوع بعد أن شفاها من مرض عصبي معين لعله الصرع، وهو ما عبر مرقس عنه بقوله: إن يسوع أخرج منها سبعة شياطين (مرقس، 16: 9). ويبدو أنها كانت التلميذة المفضلة عند يسوع بدليل ورود اسمها على الدوام في قوائم أسماء التلميذات عند جميع الإنجيليين، وشهادتها إما منفردة أو مع أخريات على قيامته من بين الأموات. ويبدو أن دورها في بطانة يسوع كان يشبه دور بطرس؛ فقد كان بطرس مترئسا على التلاميذ الذكور وكانت المجدلية مترئسة على التلميذات.
هذا الدور المميز للمجدلية يؤكده لنا مؤلفو الأناجيل الغنوصية المتحررون من الشوفينية الذكورية، ومنهم نفهم أن المجدلية كانت تنتمي إلى الحلقة الضيقة من التلاميذ الذين خصهم يسوع بتعاليمه السرية التي حجبها عن الآخرين. نقرأ في إنجيل فيليب ما يلي: «كانت مريم المجدلية رفيقة يسوع على الدوام، وقد أحبها أكثر من جميع التلاميذ، وغالبا ما كان يقبلها. وهذا ما أزعج بقية التلاميذ، حتى إنهم قالوا له في إحدى المرات: لماذا تحبها أكثر منا جميعا؟» فأجابهم المخلص، وقال: «لماذا لا أحبكم مثلما أحبها.» وفي نص مسيحي غنوصي معروف بعنوان
، نجد في أحد المشاهد أن بطرس يتذمر من احتكار مريم الحوار مع يسوع في تجاهل لأسبقيته ويطلب منه إسكاتها، ولكن يسوع يعنفه على موقفه هذا. وبعد ذلك تقول مريم ليسوع بأنها لا تستطيع التحدث معه بحرية خوفا من بطرس الذي يكره جنس النساء، فيقول لها يسوع: إن من يلهمه الروح هو المخول بالكلام رجلا كان أم امرأة. وفي النص المعروف بعنوان إنجيل المجدلية، نجد التلاميذ الذين اجتمعوا بعد صلب يسوع من أجل استعادة وتذاكر أقواله، يطلبون من المجدلية أن تطلعهم على بعض تعاليم يسوع السرية التي تعرفها. وعندما شرعت في الكلام تدخل بطرس قائلا: هل تحدث المعلم سرا مع امرأة بما لم يتحدث به علنا معنا؟ فقال له التلميذ لاوي: إذا كان المعلم قد وجدها مستحقة لذلك فمن أنت حتى ترفضها؟ لقد عرفها المعلم جيدا؛ ولذلك فقد أحبها أكثر منا. بعد ذلك تتابع المجدلية بموافقة الجميع إطلاعهم على ما سمعته من يسوع ولم يكونوا يعرفون عنه شيئا.
2
أما لماذا غابت الأختان مرثا ومريم عن الأحداث الحاسمة الأخيرة في حياة يسوع، فلا أجد له تفسيرا إلا في عدم اهتمام مؤلفي الأناجيل بتتبع أخبار النساء وتغطيتها بما يتناسب ودورهن البارز في الدعوة اليسوعية المبكرة.
ألغاز ميلاد يسوع
بعد مضي ألفين من السنين على ميلاد يسوع، ما زلنا لا نملك أي وثيقة تاريخية عن حياة هذه الشخصية الاستثنائية في التاريخ الروحي للإنسانية. وما زالت الأناجيل الأربعة التي اعتمدتها الكنيسة تقف شاهدا وحيدا على ميلاده ومسيرة حياته التبشيرية وصلبه.
ناپیژندل شوی مخ