مِنْ عبدٍ أو حُرٍّ فقيرٍ أو غنِي ... وأرحمُ الناسِ بكلِّ مؤْمنِ
وطَائفٍ يَعْرُوهُ «١»، حتَّى الهِرهْ ... يُصغي لها الإناءَ غَيرَ مَرَّهْ
كانَ أعَفَّ الناس، ليسَ يُمْسِكُ ... أيديَ مَنْ ليسَ لَهُنَّ يَمْلِكُ
يُبَايِعُ النساءَ لا يُصَافِحُ ... أيدِيَهُنَّ، بل كلام صالح «٢»
أشدُّهُمْ لصَحبِهِ إكرامًا ... ليسَ يَمُدُّ رِجلَهُ احْتِرامًا
بينَهُمُ، ولَمْ يَكنْ يُقَدِّمُ ... رُكبَتَهُ على الجَليسِ يكرم
فمن بديهة رآه هَابَهُ ... طَبعًا، ومَنْ خالطَهُ أحبَّهُ
يَمْشي معَ المِسكينِ والأرْملَةِ ... في حَاجَةٍ مِنْ غيرِ ما أَنَفَةِ «٣»
يَخْصِفُ نَعلَهُ، يَخِيطُ ثَوْبَهُ ... يَحلِبُ شَاتَهُ، ولنْ يَعِيبَهُ
يَخْدِمُ في مَهْنَةِ أهلِهِ كمَا ... يَقطَعُ بالسكينِ لَحْمًا قَدُما
يُردِفُ خَلفَهُ على الحِمَارِ ... على إكافٍ «٤» غير ذي اسْتِكبَارِ
يَمْشي بلا نَعلٍ ولا خُفٍّ إلى ... عِيَادةِ المريضِ حولَهُ المَلا
يُجالسُ الفَقيرَ والمِسْكينا ... ويُكرِمُ الكِرَامَ إذْ يَأْتونا
ليسَ مُوَاجِهًا بشَىءٍ يَكرَهُهْ ... جَليسُهُ، بَلْ بالرضَا يُواجِهُهْ
يَمْزَحُ لا يَقولُ إلا حقّا ... يجلس في الأكل مع الأرقّا
_________
(١) يعروه: يقصده.
(٢) بل كلام صالح: يبايعهن بالكلام الذي يوفي بالغرض بلا مصافحة.
(٣) أنفة: بفتح الهمزة والنون، يقال: أنف من الشيء، إذا شرفت نفسه عنه، وتنزه عنه.
(٤) الإكاف: البرذعة، وهي: ما يوضع على الحمار أو البغل ليركب عليه، كالسرج للفرس.
1 / 83