وانطلقت تئن وتتوجع، ثم سكتت طويلا حتى خيل إليه أنها نامت، ولكنها قالت فجأة: أبو سمير. - ما لك؟ - تروح تجيب لها أولادها.
فأجاب الرجل في غيظ: إنت عايزة الولد يموت؟ ثم أجيبهم ازاي دلوقتي؟
وحل سكون آخر ختمته الزوجة بمفاجأة؛ إذ راحت تنهنه وتبكي. وأصبحت القطة تئن في الخارج وتعوي، وهي تبكي وتستجيب وتعدد. •••
وفي الصباح كان العواء قد خبا، ووجدوها ملفوفة على نفسها في الصالة نائمة على البلاط الرطب. وقدموا لها الطعام فلم تتحرك لها شعرة، واشتروا لها نصف رطل من اللبن لأول مرة فلم تعره أنيسة أي التفات. بقيت مغلقة عينيها لا ترى ولا تحس، تزوم وتئز وتحيا في سكوت ذاهل آخر.
ومضت أيام.
تحركت أنيسة وطلبت الطعام بنفسها، وعادت تصطاد الصراصير وتغتالهم، ثم بدأت صداقة غريبة بينها وبين الرضيع. لا يدري أحد كيف اكتشفته؛ فقط لاحظت الأم أنها تفضل النوم بجواره في الليل، فإذا أصبح الصباح داعبته. أحيانا تضع بوزها فوق قدمه، وأحيانا تفتح فمها وتكاد تقضم إصبعه الكبير (كده وكده)، ثم تقوس ظهرها، وتلعب ذيلها، وتحك شعرها في وجهه. وكان الرضيع يصرخ أول الأمر ويستغيث، وكانت الأم تصرخ هي الأخرى مخافة أن يقتل هذا العبث (بطريقة ما) ابنها، ولكن الرضيع وأمه أدركا أخيرا أن الأمر لا يتعدى حدود المداعبات البريئة.
ولم يستمر الوضع هكذا؛ فقد مرض الطفل، وحاولت الداية علاجه. والداية لا تكتفي بتوليد الأطفال، وإنما هي تعالجهم بعد مولدهم وترعاهم، وتطاهرهم حين يكبرون، ثم تخطب لهم وتزوجهم إذا شبوا، وأحيانا هي التي «تلتمهم»، وتغلق عيونهم إذا واتاهم الأجل المحتوم. حاولت الداية علاجه، ولم ينفع علاجها، وزادت شدة المرض. وفي طابور الأمهات المنتظرات أمام شباك التذاكر في مستشفى «رعاية الطفل» مات الطفل.
وانقلبت الشقة إلى مأتم، وجاء المعزون أقارب وأصدقاء وعمات وخالات وأشكالا وألوانا، ولبست الأم السواد وتعصبت بمنديل.
وجلس الأب بعد أن فرت من عينيه بعض الدموع، جلس في وقار يتلقى التعازي ويحكي قصة المرض والوفاة ألف مرة، ويستمع إلى: الدنيا على دي الحال، وشد حيلك، وقالوا يا جحا عد موج البحر، قال الجيات أكثر من الرايحات، ويا أخي أنت شباب شم نفسك وهات لنا عشرة.
وخرب المرض بيت الرجل، وجاء المعزون فقضوا على ما تبقى فيه من بن وسكر وملاليم.
ناپیژندل شوی مخ