ونوقش هذا الاستدلال:
بعدم التسليم فليس في الآية دلالةٌ ظاهرةٌ بَلْهَ كونِها نصًّا في المسألة؛ لأن الرجس عند أهل اللغة: القذر (^١)، ولا يلزم من ذلك النجاسة (^٢)، ثم إن في الآية ما يمنع من حملها على أن المراد بالرجس النجس؛ لاقتران الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام، وهي طاهرة بالإجماع (^٣).
وأجيب عن ذلك:
- بأنَّ المرادَ الحقيقةُ الشرعيةُ وليستِ اللغويةَ (^٤)؛ فالله تعالى سمَّى الخمر رجسًا كما سمّى النجاساتِ من الميتةِ، والدم المسفوحِ، ولحمِ الخنزيرِ رجسًا (^٥)، ولايضر قرن الخمر بالأشياء الطاهرة؛ لأن دلالة الاقتران ضعيفة (^٦)، فيخرج الطاهر منها بدلالة الإجماع، ويبقى الخمر على مقتضى الكلام (^٧).
- وأيًّا ماكان فقد قال ابن حجر: (والتمسك بعموم الأمر باجتنابها
(^١) قال في اللسان (٦/ ٩٤): (الرجس: القذر).
(^٢) انظر: المجموع (٢/ ٥٦٤).
(^٣) انظر: السيل الجرار ص (٢٥)، هكذا قال الشوكاني: (بالإجماع) مع أن ابن حزم يرى نجاستها وبطلان صلاة من حمل شيئًا منها.
(^٤) انظر: البناية شرح الهداية (١/ ٧٢٧)
(^٥) كما في قوله تعالى في سورة الأنعام آية (١٤٥): ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا﴾، انظر: المقدمات الممهدات (١/ ٤٤٢).
(^٦) المقصود أن من منع نجاسة الخمر، علل ذلك بقرنها بأشياء طاهرة فدل على طهارة الجميع، ودلالة الاقترانِ ضعيفة عند الجمهور، فهي لا تقوى على إثباتِ الأحكامِ وحدها، وإن كان لا بأس من التَّقَوِّيَ بها إذا قامت القرائنُ الدالةُ على ذلك. انظر: "دلالة الاقتران ووجه الاحتجاج بها عند الأصوليين" ص (٦٩).
(^٧) انظر: المجموع (٢/ ٥٦٤).