Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i
الوجيز في فقه الإمام الشافعي
پوهندوی
علي معوض وعادل عبد الموجود
خپرندوی
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
۱۴۱۸ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
فسافَرَ سَعْياً وراءَ الحقيقَةِ إِلَى نَيْسَابور، ثم إلى بَغْدَاد، وغير ذلك من البلدانِ التي ذكرناها عنْدَ الحديثِ عن طَلَبِهِ للعلْمِ ورِحْلَاتِهِ.
ولقد كان واضحاً وجلّيا منذُ أوَّل لحظة الهَدَفُ الرئيسيُّ لرحلاتِ الغزّاليِّ كلها، وهو العثورُ على الحقيقةِ التي ليْسَ وراءَها باطلٌ، واليقينِ الذي لا يشوِبُهُ شَكٍّ ومن أجل تحقيق هذا المَطْلَب الأسنَى، والهدف الأعلَى، درسَ الغَزَّالِيُّ - منَ جُوعٍ وَظَمَاً - ما عنْدَ الفَيْلَسُوف، والمُلْحِدِ، والزِّنْدِيق، والمُبْتَدِعِ، والسَّنِّيِّ، والبَاطِنِيِّ، والظاهِرِيِّ، والمتكلِّم، والصُّوفِيِّ.
وها هو - رحمه الله - يصوِّر بنَفْسه هذا النَّهَم الشَّديد، والتوقان المتعَطِّش لتحصيل كلِّ ألوانِ المعرفة.
يقولُ الغَزَّالِيُّ في كتابه «المُنْقِذِ من الضَّلال»: لاَ أُغَادِرُ بَاطِنِيّاً إلا وأحبُّ أن أطَّلِعَ عن بِطَانَتِهِ، ولا ظاهريّاً إلا وأريدُ أن أعلَمَ حاصلَ ظِهَارَتِهِ، ولا فلسفيّاً إلا وأقصدُ الوقوفَ على كُنْهِ فلسفتِهِ، ولا متكلِّماً إلا وأجتهُد في الاطّلاع على غاية كَلاَمِهِ ومُجَادلتِهِ، ولا صوفيّاً إلا وأحرصُ على العُثُورِ على صُوفِيَّتِهِ، ولا متعبَّداً إلا وأترصَّدُ ما يرجعُ إِلَيْهِ حاصلُ عِبادَتِهِ، ولا زنديقاً معطِّلاً إِلا وأتجسَّسُ وراءَهُ للتنُّهِ لأسباب جرأتِهِ، في تعطيلِهِ وزندقتِهِ، وقد كان التعُّشُ إلَى دَرْكِ حقائقِ الأمور دَأَبِي ودَيْدَنِي، من أول أمري، وريعانِ عُمْرِي غريزةً وفطرةً من الله وُضِعَتا في جبلَّتى لا بأختياري وحيلَتي)).
وليس أبلَغ منْ هذا التعبير الّذي يبيِّنُ بوضُوحِ مدى ما بذَلَهُ الغَزَّاليُّ في الكشْفِ عن حقائِقِ الأمورِ، ودَرْك أسْرارها عند جميع الفِرِقِ والطَّوائِفِ، وَما اقتضاهُ ذلك من الاطّلاعِ علَى كُتُبِ عَصْرِه، والمذاهب التي كانَتْ موجودَةً آنذاك، والفلْسفَات، والأديان التي كانتْ تشغلُ أَذْهَانَ النَّاسِ.
الشَّكُّ عِنْدَ الغَزَّالِيِّ:
وفي سبيل الوصُولِ إلى اليقين المُطْلَقِ، والمعرفَةِ الحقيقيَّة، بدأ الغزّاليُّ رحلتَهُ بالشّكِّ، الذي هدم معَهُ كلَّ شيء؛ وصولاً إلى اليقينِ الَّذي لا يهدمه شيْءٌ.
لقد وقف الغزّاليُّ حائراً أمامَ شتَّى المذاهب، والفِكَرِ، والمَنَاهِجِ المختلفةِ، وقف ينظر إلَيْها، وقلْبُهُ خائفٌ وَجِلٌ، لا يرسُو إلى شاطىءٍ، ولا يَخْتَضِنُه بَرٍّ، فماذا يفعلُ هذا الحائِرُ، والأمواجُ تتقاذَفُهُ مِنْ كُلِّ جانبٍ، والرياحُ تُصَارِعُهُ من كل صَوْبٍ وحَدَب؟
صوَّب نظرهُ نحوَ كُلِّ فِرْقَةٍ، فوجَد أنَّها تدَّعي الحقَّ لنَفْسها، وتعتقدُ أنها أهْلُ النظر والرأي، دون غيرها من الفِرَق.
فها هي الباطنيَّةُ تزعُمُ أنها صاحبة العلْمِ اللدنِّيِّ، والمخصوصةُ بالاقتباسِ من الإمامِ المعصُوم.
وها همُ الفلاسفَةَ يزعُمُون أنَّهم أَصْلُ المِنْطِقِ والبُرْهان.
وها هم الصوفيَّةُ يدَّعُونَ أنَّ أسْلَم الدُّرُوب هو دَربُ المشاهداتِ والمُكاشفات.
41