14

Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

پوهندوی

علي معوض وعادل عبد الموجود

خپرندوی

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

۱۴۱۸ ه.ق

د خپرونکي ځای

بيروت

ژانرونه

فقه شافعي

الجُوَيْنِيَّ ، وكان حينئذٍ أستاذاً للمدرسة النِّظَامِيَّةِ؛ حيث عهد نِظَامُ المُلْكِ له بالإشْرَاف عليها. وعلى يد امام الحرمَيْنِ جَدَّ الغَزَّالِيُّ، واجتهدَ، وبَرَعَ في المذهب، والخلاف، والجَدَلِ، والأَصْلَيْنِ، والمنطِقِ، وقرأ الحِكْمَةَ، والفَلْسَفَةَ، وأحكمَ كُلَّ ذلك، حتَّى مات إمامُ الحرمَيْنِ في الحادي عَشَرَ من شهر ربيعِ الآخر، عام ثمانية وسبعين، وأربعِمِائَةٍ هجريةً.

وممَّا يُذْكَر أنَّ الغزّاليَّ الَّضَحَتْ مكانّتُهُ في ((نيسابور)؛ حيث لمع من بين أقرانِهِ، بل كان ينوبُ كثيراً عن أستاذه في التعليمِ، يقرأ علَى رفاقِهِ وإخوانِهِ. يقولُ إمام الحرمين يصفُ تلميذَهُ النَّجِيبَ الغزَّالِيَّ، ويصور مكانته العِلْمِيَّة: ((الغَزَّالِيُّ بَحْرٌ مُغْدِقٌ)).

بل كان يوازِنُ بين تلاميذِهِ، ويقارِنُ بينهم، فيقول: ((التحقيق لعلها الخُوارَزْمِيِّ، والجزئيّاتُ للغَّالِيِّ، والبَيَانُ لِلْكِيَا)) ولمَّا مات إمامُ الحَرَمَيْن، تغيّرت الحالُ بالنسبة للغَزَّالي، فخرج من ((نيسابور)) ميمِّماً وجْهَهُ نحْوَ مُعسْكِرٍ نظَامِ المُلْك؛ حيث كان نِظَامُ المُلْك وزيراً، وكان مجلسُهُ مَجْمَعَ أهْلِ العلْم، وملاذَهُم، ومَحَطَّ رجال السَّلاَطين السَّلْجُوفِيِّينَ، وتمتع الغزّاليُّ في كنف الوزير نظَامِ المُلْك بالرعاية والاهتمام، فناظر الأئمّة الأعلامَ في مجْلِسِه، وقهر الخصوم، وظهر كلامه عليهم، واعترفوا بفضله، وتلقَّاه نظامُ المُلْكِ بالقَبُول.

طَلَبُهُ الْعِلْمَ في «بَغْدَاد»:

لما ذاع صيتُ الغَزَّاليِّ، ولمع اسمه على الرءُوسِ والأسْمَاء، تلقَّاه نظامُ المُلْك بالتعظيم، وولاً، التدريسَ بَمْدَرَسَتِهِ بـ (بَغْدَاد))، وكان ذلك في سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وكانت بغداد في ذلك الوقْتِ عاصِمةَ العَالَمِ الإسلاميِّ في الشرق.

وأقام الغزّاليُ على التدريس، ونشْرِ العلمِ، والفُتْيًا، والتصنيف، وكانت ((بَغْدَاد)) نقطة انطلاقِهِ نحو عالَمِ الشهرة في شتَّى الآفاق والأنْحَاء.

وفي ((بَغْداد)» أُعْجِبَ الناسُ بِحُسْنِ كلامه، وكَمَالِ فضله، وفصاحةٍ لسانه، وضُرِبَتْ بِهِ الأمثالُ، وشُدَّت إليه الرحالُ من كلِّ صوْب وحَدَبٍ يتحلَّقُونَ حوله، ويستمعُونَ إلى علْمِه الغزير، وموْجِهِ المتلاطمِ.

وتحدِّثنا كتُبُ التراجِمِ، أنه في أثناء هذا النُُّوعِ والنجاحِ الباهر - مَرِضَ الإِمامُ الغزّاليُّ، حتى يئسَ الأطبّاء من شفائِهِ، وذلك لأنَّه أصيبَ بمَرَضٍ غريبٍ، حتى اعتقلَ لسَانُهُ، وجافَى الطعامَ، وبَطَلَتْ قوَّته؛ وذلك بسبب إجهادِ ذهْنِهِ، وإرهاقِ نَفْسِهِ في تحصيلِ المسَائِلِ العلميّة والفقهيّة من جانب، وموالاة التدريس لطلّبِ العلمِ من جانبٍ آخَرَ.

ولما شَفَاه اللَّه، وقام مِنْ مرضه، أدْرَكَ أنَّ هذه الحياة التي يعيشها لا تروقه، وأدْرَكَ أنَّ الجاه العريضَ، والمصِبَ الرفيعَ الذي يتمتعُ به لا يتلاءَمُ مع طبيعته السلوكيَّة الزاهرة.

14