سراج منور
السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
خپرندوی
مطبعة بولاق (الأميرية)
د ایډیشن شمېره
الأولى
د خپرونکي ځای
القاهرة
ژانرونه
بالترهيب تنشيطًا لاكتساب ما ينجي وتثبيطًا عن اقتراف ما يردي بقوله تعالى: ﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي: الطاعات ﴿أن لهم جنات﴾ أي: حدائق ذات شجر ومساكن، وإنما أمر الله ﷾ الرسول ﷺ أو عالم كل عصر، أو كل أحد يقدر على البشارة أن يبشر الذين آمنوا ولم يخاطبهم بالبشارة كما خاطب الكفرة تفخيمًا لشأنهم وإيذانًا بأنهم أحقاء بأن يبشروا ويهنؤوا بما أعد لهم، والبشارة: الخبر الصدق السار أوّلًا فإنه يظهر أثر السرور في البشرة لأن النفس إذا سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجرة ولذلك قال الفقهاء: البشارة هو الخبر الأوّل حتى لو قال الرجل لعبيده: من يبشرني بقدوم ولدي فهو حرّ فأخبروه فرادى عتق أوّلهم ولو قال: من أخبرني عتقوا جميعًا.
فإن قيل: ما الجواب عن قوله تعالى: ﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾؟ أجيب: بأنّ ذلك ورد على سبيل التهكم كقوله تعالى: ﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان، ٤٩) وعطف ﷾ العمل على الإيمان مرتبًا للحكم عليهما إشعارًا بأنّ السبب في استحقاق هذه البشارة مجموع الأمرين والجمع بين الوصفين، فإنّ الإيمان الذي هو عبارة عن التيقن والتصديق أس، والعمل الصالح كالبناء عليه، ولا نفع تام بأس لا بناء عليه، ولذلك قلما ذكرا مفردين وفي عطف العمل على الإيمان دليل على أنّ الصالحات خارجة عن مسمى الإيمان إذ الأصل أنّ الشيء لا يعطف على نفسه ولا على ما هو داخل فيه، وجمع ﷾ الجنة لأنّ الجنان على ما ذكره ابن عباس سبع: جنة الفردوس، وجنة عدن، وجنة النعيم، ودار الخلد، وجنة المأوى، ودار السلام، وعلييون، وفي كل واحدة من هذه السبع مراتب ودرجات متفاوتة على حسب تفاوت الأعمال والعمال.l
واللام في الصالحات للجنس لا للاستغراق إذ لا يكاد المؤمن أن يعمل جميع الصالحات، واللام في لهم تدل على استحقاقهم إياها لأجل ما ترتب عليه من الإيمان والعمل الصالح لا لذاته فإنه لا يكافىء النعم السابقة فضلًا عن أن يقتضي ثوابًا وجزاءً فيما يستقبل بل بجعل الشارع ومقتضى وعده ولا على الإطلاق بل بشرط أن يستمرّ عليه حتى يموت وهو يؤمن لقوله تعالى: ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم﴾ (البقرة، ٢١٧) ولعله ﷾ لم يقيدها هنا استغناء بهذه الآية وأشباهها ﴿تجري من تحتها﴾ أي: من تحت أشجارها ومساكنها ﴿الأنهار﴾ كما تراها جارية تحت الأشجار الثابتة على شواطئها، وعن مسروق: أنهار الجنة تجري في غير أخدود، قال الجوهري: الأخدود شق مستطيل في الأرض واللام في الأنهار للجنس كما في قولك لفلان بستان فيه الماء الجاري، قال البيضاوي: أو للعهد والمعهود هي الأنهار المذكورة في قوله تعالى: ﴿أنهار من ماء غير آسن﴾ (محمد، ١٥) الآية. اه.
قال التفتازاني: إنما يصح هذا لو ثبت سبق قوله تعالى: ﴿أنهار من ماء غير آسن﴾ في الذكر. اه. والنهر بالفتح والسكون: المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر كالنيل والفرات، والمراد بالأنهار ماؤها على حذف مضاف أو تسمية للماء باسم مجراه مجازًا وإسناد الجري إليها مجاز كما في قوله تعالى: ﴿وأخرجت الأرض أثقالها﴾ (الزلزلة، ٢) ﴿كلما رزقوا منها من ثمرة رزقًا﴾ أي: أطعموا من تلك الجنات ثمرة، ومن صلة ﴿قالوا هذا الذي رزقناكم﴾ أي: أطعمنا ﴿من قبل﴾ أي: من قبل هذا في الدنيا جعل الله تعالى ثمر الجنة من جنس ثمر الدنيا لتميل النفس إليه
1 / 37