(1) ثم برزت هذه الأمة العربية، التي كانت قد أنكرتها الأمم، وتخطفهم الناس من حولهم، إلى ميادين الحياة، تؤدى رسالتها في هداية البشر، وتقيم القسطاس بين الناس، وتضرب المثل الأعلى في علو الهمة، والبطولة، والإيثار، ونصرة الحق، والتعاون على البر والتقوى، والاستمساك بمكارم الأخلاق.
هذا مجمل ما تتضمنه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول من صحابته، الذين تابعوه على الهدى ودين الحق، وسبقوا إلى تدوين صحف المجد والفخار العربى بما خلدوا من أعمالهم على وجه الزمان.
ثم دب إلى بعض من خلف بعدهم من الزعماء التحاسد والتباغض، وقلة التناصر والتعاون، فتشعبت بالأمة السبل، وتفرقت بهم النواحي، فكان لهم إلى جانب ذلك التاريخ تاريخ، وانقسم هذا التاريخ بانقسام الأمة دولا، كان لكل دولة تاريخها الخاص في موقعها الجديد، واتصالها بغيرها من الدول.
(التاريخ عند العرب) :
ولم يكن للعرب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم من مادة التاريخ إلا ما توارثوه بالرواية، مما كان شائعا بينهم من أخبار الجاهلية الأولى، كحديثهم عن آبائهم وأجدادهم، وأنسابهم، وما في حياة الآباء والأجداد من قصص، فيها البطولة، وفيها الكرم، وفيها الوفاء، ثم حديثهم عن البيت وزمزم وجرهم، وما كان من أمرها، ثم ما كان من خبر البيوتات التي تناوبت الإمرة على قريش، وما جرى لسد مأرب، وما تبعه من تفرق الناس في البلاد، إلى أمثال هذا مما قامت فيه الذاكرة مقام الكتاب، واللسان مقام القلم، يعى الناس عنه، ويحفظون، ثم يؤدون.
ثم ظهر مورد جديد بظهور النبي صلى الله عليه وسلم وظهور دعوته، هي أحاديث الصحابة والتابعين عن ولادته صلى الله عليه وسلم وحياته، وما ملئت به هذه الحياة من جهاد في سبيل الله، واصطدام مع المشركين، ومن ليس على دينه، ودعوة إلى التوحيد، وما كان فيها من أثر للألسنة والسيوف. فهذا وذاك كان مادة للتاريخ أولا، ثم للسيرة ثانيا.
مخ ۴