110

Ibn Hisham's Biography of the Prophet

السيرة النبوية لابن هشام

ایډیټر

طه عبد الرؤوف سعد

خپرندوی

شركة الطباعة الفنية المتحدة

ژانرونه

سيرت
وَلَا عُضْلَة فِي قَضَاءٍ إلَّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ، ثُمَّ رَضُوا بِمَا قَضَى فِيهِ، فَاخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي بَعْضِ مَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فِي رَجُلٍ خُنْثى، لَهُ مَا لِلرَّجُلِ، وَلَهُ مَا لِلْمَرْأَةِ، فَقَالُوا: أَتَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً؟ وَلَمْ يَأْتُوهُ بِأَمْرِ كَانَ أَعْضَلَ مِنْهُ. فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمْ، فَوَاَللَّهِ مَا نَزَلَ بِي مِثْلُ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ! فَاسْتَأْخَرُوا عَنْهُ؛ فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا يقلِّب أَمْرَهُ، وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ، لَا يَتَوَجَّهُ لَهُ مِنْهُ وَجْهٌ وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: سُخَيْلة تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ، وَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذَا سَرَحَتْ فَيَقُولُ: صبَّحت وَاَللَّهِ يَا سُخَيل! وَإِذَا أَرَاحَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: مَسَّيْتِ وَاَللَّهِ يَا سُخَيل! وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ السَّرْحَ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ الناس، وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس. فلما رأت سهره وقلقه، وَقِلَّةَ قَرَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ قَالَتْ: مَا لَكَ، لَا أَبَا لَكَ! مَا عَرَاكَ فِي لَيْلَتِكَ هَذِهِ! قَالَ: وَيْلَكَ! دَعِينِي، أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِكَ، ثُمَّ عَادَتْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: عَسَى أَنْ تأتيَ مِمَّا أَنَا فِيهِ بِفَرَجٍ، فَقَالَ: ويحَكِ! اختُصم إليَّ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى، أَأَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً؟ فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، وَمَا يتوجَّه لِي فِيهِ وَجْهٌ، قَالَ: فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَا أَبَا لَكَ! أَتْبِعْ القضاءَ المَبالَ، أقعدْه، فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ؛ فَهِيَ امْرَأَةٌ. قَالَ: مسِّي سُخَيْلُ بَعْدَهَا أَوْ صَبِّحي، فرّجْتِها وَاَللَّهِ! ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ حِينَ أَصْبَحَ، فَقَضَى بِاَلَّذِي أَشَارَتْ عَلَيْهِ بِهِ١.
غَلَبُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ عَلَى أَمْرِ مَكَّةَ وَجَمْعُهُ أمر قريش ومعونة قضاعة له
قصي يتغلب على صُوفَةَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ، فَعَلَتْ صُوفَةُ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ، وَقَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهَا الْعَرَبُ وَهُوَ دِين فِي أَنْفُسِهِمْ فِي عَهْدِ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ وَوِلَايَتِهِمْ. فَأَتَاهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَقَالَ: لنحن

١ وذكر عامر بن الظرب وحكمه في الخنثى، وما أفتته به جاريته سُخَيلة، وهو حكم معمول في الشرع، وهو من باب الاستدلال بالأمارات والعلامات، وله أصل في الشريعة، قال الله سبحانه: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ [يوسف: ١٨] وجه الدلالة على كذب في الدم أن القميص المُدَمَّى لم يكن فيه خرق ولا أثر لأنياب الذئب، وكذلك قوله: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾ [يوسف: ٢٦] الآية، وقول النبي ﷺ في المولود: "إن جاءت به أورق جعدًا جُمَالِيًا فهو للذي رُميت به".

1 / 114