Ibn Hisham's Biography of the Prophet
السيرة النبوية لابن هشام
ایډیټر
طه عبد الرؤوف سعد
خپرندوی
شركة الطباعة الفنية المتحدة
ژانرونه
سيرت
أَمْرَهُمْ. فَلَمَّا رَأَتْ بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وغُبشان مِنْ خُزاعة ذَلِكَ، أَجَمَعُوا لِحَرْبِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ مَكَّةَ؛ فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ فَاقْتَتَلُوا، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو بَكْرٍ وغُبْشان، فنفَوْهم مِنْ مَكَّةَ. وَكَانَتْ مَكَّةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُقر فِيهَا ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا، وَلَا يَبْغِي فِيهَا أحدٌ إلَّا أَخَرَجَتْهُ، فَكَانَتْ تُسَمَّى: الناسَّة، وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلُّ حرمتَها إلَّا هَلَكَ مكانَه، فقال: إنَّهَا مَا سُمِّيَتْ بِبَكَّةِ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَبُكُّ١ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذَا أَحْدَثُوا فِيهَا شَيْئًا.
معنى بكة: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ بكَّة اسْمٌ لِبَطْنِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا، أَيْ: يَزْدَحِمُونَ، وَأَنْشَدَنِي:
إذَا الشَّريبُ أخذتُه أكَّه ... فَخَلِّه حَتَّى يبكَّ بكَّه
أَيْ: فَدَعْهُ حَتَّى يَبُكَّ إبلَه، أَيْ يُخَلِّيهَا إلَى الْمَاءِ، فَتَزْدَحِمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ، وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِعَامَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيد مَناة بْنِ تَمِيمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ عَمرو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضاض الجرهمي بغزالي الكعبة وبحجر الركن، فدفنهما فِي زَمْزَمَ وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرهم إلَى الْيَمَنِ، فَحَزِنُوا عَلَى مَا فَارَقُوا مِنْ أَمْرِ مَكَّةَ وَمُلْكِهَا حُزْنًا شَدِيدًا فَقَالَ عَمرو بن الحارث بْنِ مُضاض فِي ذَلِكَ٢، وَلَيْسَ بمُضاض الْأَكْبَرِ:
١ أي تكسرهم وتقعدهم، وقيل: من التباك، وهو: الازدحام، ومكة من تمككت العظم، إذا اجتذبت ما فيه من المخ، وتمكك الفصيل ما في ضرع الناقة، فكأنها تجتذب إلى نفسها ما في البلاد من الناس والأقوات التي تأتيها في المواسم.
وقيل: لما كانت في بطن واد، فهى تمكك الماء من جبالها وأخاشبها عند نزول المطر وتنجذب إليها السيول. ومن أسماء مكة أيضًا: الرأس، وصلاح، وأم رحم، وكُوثي.
٢ وكان الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هيّ بن نبت بن جرهم الجرهمي قد نزل بقنوني من أرض الحجاز، فضلت له إبل، فبغاها حتى أتى الحرم، فأراد دخوله، ليأخذ إبله، فنادى عمرو بن لحي: من وجد جرهميا، فلم يقتله، قطعت يده. فسمع بذلك الحارث، وأشرف على جبل من جبال مكة، فرأى إبله تنحر، ويتوزع لحمها، فانصرف بائسًا خائفًا ذليلا، وأبعد في الأرض، وهي غربة الحارث بن مضاض التي تضرب بها المثل.
1 / 105