59

Al-Shafi'i: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

الشافعى حياته وعصره – آراؤه وفقهه

خپرندوی

دار الفكر العربي

شمېره چاپونه

الثانية

د چاپ کال

۱۳۹۸ ه.ق

حتى إذا جاء المأمون جافاها، كما بينا في حياته، ولقد كان لتقريب الرشيد للفقهاء آثار واضحة، فقد كان كثير الاستماع لنصائحهم، ويطلبها إن ضنوا بها، ويستمع إليها وإن خشنت ألفاظها وقست عبارتها، فهو يستمع إلى مالك ناصحاً له مرشداً، ويستمع إلى غيره.

وقد يروى أنه طلب من الشافعي أن يعظه عندما جادله في تهمته العلوية وأثبت براءته بين يديه، ولذلك كان للفقه والفقهاء مكانة في عصر الرشيد، يعتزون بعزة العلم، ويعلون بعلوه، وذلك مما يشجع الفقه، ويجيب أهل الذكاء والنبل في طلبه، ونعم الفقهاء بهذه المكانة في عهد الأمين أيضاً وإن لم يقربهم إليه، كما قربهم أبوه، ولم يستمع إليهم كما كان يستمع أبوه، فلما جاء عهد المأمون لم ينلهم أي أذى في أوله ووسطه، ولكن في آخر عهده نزلت بهم كارثة خلق القرآن التي ابتدعها، فنالهم ما نالهم. فالشافعي إذن منذ عاش في مصر كان للفقه والحديث فيه مكان، وكان للفقهاء والمحدثين فيه درجات عالية عند الخليفة الذي صادف عصره شباب الشافعي وكهولته.

٣٩ - ولقد اشتد الجدل في العصر العباسي الأول، وقوى أمره، حتى صار موضع مباراة العلماء، ومسابقة الأدباء ومنازلة الكتاب، ومناط التقدير لكل عالم مستبحر. وكل نجيب شاد يريد أن يتخذ من العلم طريقاً للمجد، ومن البحث وسيلة للعلو. ولقد زاد حركة المناظرات نمواً تشجيع الخلفاء لها، فعقدت لها المجالس في قصورهم وقصور الأمراء. ومنهم من كان يشترك في المناظرات ويخوض غمارها، وأعظم من اشتهر بذلك المأمون فقد كان له علم وفلسفة.

وكان بجوار ذلك الجدل الذي يبعث حب السبق والعلو - مناظرات دينية تبعث عليها الحمية للدين والمذهب، فكان بين المحدثين والفقهاء، وبين المعتزلة مناقشات يدفع إليها الإخلاص من جانب الفقهاء، وقد يدفع إليها الإخلاص من جانب بعض المعتزلة أيضاً. ثم كان بين الفقهاء أنفسهم مناظرات، ففي الحج وفي البيت الحرام وفي الحرم النبوي تقوم المناظرات بين الفقهاء، وفي مدائن الإسلام في بغداد، والبصرة والكوفة ودمشق ،

59