Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
ژانرونه
ثبات الصديق أمام فتنة ترك الديار والأوطان
وفتنة أخرى من الفتن التي تعرض لها الصديق ﵁ وأرضاه كانت فتنة ترك الديار والأوطان، وترك الوطن فتنة عظيمة، فكم من الذكريات وكم من الأهل وكم من الأصحاب وكم من الأحباب؟ فترك الوطن فعلًا فتنة عظيمة ولاسيما إذا كان الرجل صاحب مكانة وكثير مال كـ الصديق ﵁ وأرضاه؛ فـ الصديق كان تاجرًا وأوضاعه مستقرة وتجارته رابحة، وها هو يترك الاستقرار والراحة وينطلق مهاجرًا إلى أرض مجهولة وأقوام غريبين، ثم أي البلاد يترك؟ إنه يترك مكة المكرمة التي زادها الله تكريمًا وتعظيمًا وتشريفًا، يترك البلد الحرام ويترك البيت الحرام ويترك أشرف بقعة في الأرض، روى الترمذي أن رسول الله ﷺ وقف عند خروجه من مكة مهاجرًا إلى المدينة يقول: (والله! إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت).
نحن نرى كيف أن الواحد يكون صعبًا عليه أنه ينتقل من عمله إلى بلد آخر، بل يعده نوعًا من العقاب أن ينقل من المكان الذي يعمل فيه إلى مكان بعيد، كأن ينقل من جنوب البلد الذي هو ساكن فيه إلى شمالها بعيدًا عن المكان الذي هو فيه.
والصديق ﵁ وأرضاه مع عظم تجارته واستقراره هاجر مرتين من هذه البقعة المشرفة إلى غيرها من بقاع الأرض، الهجرة الأولى كانت إلى الحبشة، وقد تحدثنا عنها في موقف سابق، وذكرنا أن ابن الدغنة سيد قبيلة القارة أجاره وأعاده إلى مكة، وقد كان الصديق في هذه الهجرة متجهًا إلى بلاد بعيدة عبر الصحراء والبحار إلى قوم لا يتكلمون العربية وإلى بلد لم يألف العادات المكية.
الهجرة الثانية كانت إلى يثرب والتي سميت بعد ذلك بالمدينة المنورة لأنه نورها رسول الله ﷺ بالهجرة إليها، وقد تحدثت سابقًا عن فقرات من هذه الهجرة المباركة، وفيها برز الدور العظيم للصديق سواء في الإعداد قبل الهجرة أو أثناء الهجرة، وسواء في المساعدة المادية أو المعنوية وسواء في التضحية بالنفس أو بالمال أو بالجهد أو بالوقت، وقد كان الصديق ﵁ وأرضاه في الهجرة ثاني اثنين، وهذا يكفيه أن يكون ثانيًا بعد رسول الله ﷺ.
إذًا: الديار والأوطان والأملاك والأعمال مهما تعاظمت ما وقفت أبدًا أمام إيمان الصديق ﵁ وأرضاه على ثقلها، إنها فتنة عارضة ثبت فيها الصديق ثباته المعهود.
5 / 6