Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
ژانرونه
إنكار الصديق حظ نفسه في الانتصار بعد الظلم
ثم أين حظ النفس عند الصديق في الانتصار لنفسه بعد الظلم؟ فهذا موقف من أروع مواقف الصديق ﵁ وأرضاه، وكل مواقفه ﵁ رائعة: لما وقع حادث الإفك وتكلم الناس في حق السيدة عائشة أم المؤمنين وزوجة رسول الله ﷺ، وابنة الصديق ﵄، كان ممن تكلم في حقها مسطح بن أثاث ﵁، والحقيقة أن الذين تكلموا كلهم في حقها في كفة، ومسطح ﵁ وأرضاه في كفة لوحده؛ لأنه: أولًا: هو من المهاجرين، ليس منافقًا أو حديث إسلام.
ثانيًا: هو ابن خالة الصديق ومن أعلم الناس بـ عائشة ﵂، الطاهرة المطهرة، البريئة العفيفة الشريفة.
ثالثًا: كان الصديق يعوله وينفق عليه، فـ مسطح كان فقيرًا وجعل الصديق على نفسه أن يعطي له عطاءً ثابتًا يكفله به، وبعد كل هذا طعن في السيدة عائشة ولم يطعن فيها بخطأ بسيط أو هفوة عابرة، لا، بل طعن في شرفها، واتهمها أنها فعلت جريمة الزنا وهي متزوجة، ومتزوجة من رسول الله ﷺ، فأي جريمة تلك التي فعلها مسطح ﵁؟ لكن الصديق فعل أقل رد فعل طبيعي متوقع من رجل طعن في شرف ابنته، ويشعر بالظلم الشديد، فحلف الصديق ألا ينفع مسطحًا بنافعة أبدًا، وننتبه أن الصديق لا يمنع حقًا كان يعطيه لـ مسطح، ولكنه يمنع فضلًا كان يتفضل به عليه.
ثم مر شهر كامل عصيب على رسول الله ﷺ، وعلى الصديق ﵁، وعلى عائشة ﵂، وعلى سائر المؤمنين، ثم نزلت آية البراءة وأقيم على المتكلمين في عرض السيدة عائشة حد القذف ثمانين جلدة، وبعد هذه الآيات نزلت آية خاصة لـ أبي بكر الصديق ﵁ وأرضاه فيها خطاب رقيق من رب العالمين للصديق.
ونحن مهما عملنا لن نقدر قدر الصديق ﵁، يقول الله ﷿: ﴿وَلا يَأْتَلِ﴾ [النور:٢٢]، يعني: ولا يحلف، ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ﴾ [النور:٢٢]، انظر يصف الصديق بأنه ﴿أُوْلُوا الْفَضْلِ﴾ [النور:٢٢]، والعلماء لهم تعليقات كثيرة على هذه الشهادة من رب العالمين للصديق بأنه من أولي الفضل، والفضل هكذا على إطلاقه يعني كل أنواع الفضل.
حتى إن الرازي ﵀ استخرج منها أربعة عشر فضلًا للصديق.
قال ﷿: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور:٢٢]، وانظر رحمة ربنا حتى بالذين وقعوا في عرض زوجة حبيبة محمد ﷺ: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور:٢٢].
ثم جاء نداء رقيق ودود: ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور:٢٢]، وانظر إلى ردة فعل الصديق ﵁ وأرضاه قال: بلى والله! إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا! وندم على قطعه للنفقة، وأقلع فورًا عن إمساكها، فأرجعها إلى مسطح وعزم على ألا يعود إلى قطعها أبدًا، فقال: والله! لا أنزعها أبدًا، كل هذا وليس بذنب بل قطع فضلًا، ولم يقطع حقًا لـ مسطح، ونحن يا ترى كم مرة نسمع نداء المغفرة من الله ﷿ وعندنا ذنوب كبيرة، كم مرة نسمع: ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ﴾ [النور:٢٢]، فنقول: إن شاء الله ربنا يتوب علينا، وما زلنا مصرين على الذنب.
وكم مرة نسمع: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:٣١]، فنقول: إن شاء الله، لكن لما أحج، أو لما أتزوج، أو لما أكبر قليلًا، أو لما ربنا يريد.
وكم مرة نسمع: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ *
4 / 10