Major Jurisprudential Rules and Their Derivatives

القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها

خپرندوی

دار بلنسية للنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

۱۴۱۹ ه.ق

د خپرونکي ځای

الرياض

ژانرونه

فقهي قواعد

القواعد الفقهية الكبرى

وما تفرع عنها

تأليف

الدكتور صالح بن غانم السدلان

أستاذ الدراسات العليا

بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض

دار بلنسية

1

دار بلنسية للنشر والتوزيع، ١٤١٧هـ

فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر

السدلان، صالح بن غانم

القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها. - الرياض.

٥٥٧ص؛ ١٧ × ٢٤ سم

ردمك ٣ - ٥٤ - ٧٤٣ - ٩٩٦٠

١ - القواعد الفقهية ٢ - اصول الفقه أ- العنوان

دیوي ٦، ٢٥١ ١٧/٢٨٠٣

رقم الإيداع ٢٨٠٣/ ١٧

ردمك : ٣-٥٤ - ٧٤٣ - ٩٩٦٠

2

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

القَوَاعِدُ الفِقْهِيَّةُ الكُبْرَى

وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهَا

5

الحقوق جميعها محفوظة للمؤلف - الطبعة الأولى ١٤١٧هـ

الصف والإخراج بقسم الصف بدار بلنسية

دار بلنسية للنشر والتوزيع - المملكة العربية السعودية - الرياض

ص. ب ٥٧٢٤٢ - الرمز البريدي ١١٥٧٤ - هاتف وفاكس: ٤٨٢١٧٧٦ (٠١).

4

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعدُ:

فإنَّ ثَمَّة قضيةٌ هامةٌ جديرةٌ بالتحليل والتأصيل ألا وهي:

معاناة القاعدة الفقهية وعجزها عن سد الثغرات التي تترى هنا وهناك على العالم الإسلامي ... فما هو السبب في عجزها وقصورها وما هي الحلول المطروحة؟

وللإجابة على هذا التساؤل نقول:

لقد أرجع بعض العلماء ذلك إلى أسباب منها: أزمة وجود قوانين أجنبية ((وضعية)) بجانب الفقه الإسلامي يمنع تطبيقُها في العالم تطبيقَه الكلي؛ فيوم أن اقتصر القانونيون على تقليد المدارس الأجنبية بدت ظاهرة الاستلاب والاغتراب! ولضمان إقصاء أحكام الشريعة الإسلامية وإحلال القوانين الوضعية محلها تقلص اختصاص المحاكم الشرعية في كثير من البلدان الإسلامية بل وإلغاؤها بالكلية واستبدلت بها محاكم مدنية تحكم بالقوانين الوضعية مما جعل الدراسات الحديثة في هذا المجال في معظمها وصفية أو تكتسي طابع التبرير الإنشائي للقاعدة الفقهية دون تحليل دقيق للسياسة الشرعية ومقاصدها، ودون مواجهة لمعضلات العصر وما يجدُّ من المسائل المستحدثة السريعة في علاقات الأفراد والجماعات والدول.

5

نعم :

لقد بلغت الحضارةُ الإنسانيةُ أَوَجَهَا وطفقت الاكتشافاتُ العلمية الحديثة تُحْدِثُ تغيرات في سلوك الإنسان ونمط حياته وجَدَّت مسائلُ لم تكن معروفةً وطرأت نوازل جديدةٍ !! وهنا:

تأتي الحاجة ماسة إلى إخراج الشريعة الإسلامية لتعمل في حياة المسلمين ويُستنبط من أصولها وقواعدها وأسسها العامة وذخائرها ما تحتاج إليه المجتمعات المعاصرة على اختلاف أحوالها وبيئاتها.

ولمَّا قُدِّر لي الكتابة في القواعد الفقهية - بعون من الله تعالى - مع قِصَرِ باعي وقلة بضاعتي في هذا العلم الجليل - استعنت بالله تعالى - وقدَّمت طاقات من أزهاره (عبر إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية حيناً من الزمن على هيئة حلقات أسبوعية مما جعلني أعيش بين أدواح كتب القواعد الفقهية).

وقد توطدت بيني وبينها علاقة قوية جعلتني أنظر لهذا العلم الثَّر نظرة إجلالٍ وإكبارٍ وتشوقت أن تُهيأ ليَ الفرصة فأدون ما أذيع في تلك الحلقات فأعانني الله على شرح وتفصيل أربع وستين قاعدةً فقهيةً خمس منها كليات كبرى وكل واحدة منهن تحتها من الفروع قواعد قائمة برأسها وبمجموعها يتألف هذا السّفر المتواضع.

6

والله أسأل أن ينفع به وأن يدّخر لي منه ذخراً أجده أمامي يوم يقوم الناس لرب العالمين. ولا أدَّعي الكمال فالكمال لله وحده:

فإن تجد عيباً فَسُد الخَلَلا جَلَّ من لا عَيْب فيه وَعَلا

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

راجي عفو ربه المنان

د. صالح بن غانم السدلان

تحريراً في غرة رمضان المبارك من عام ١٤١٣ هـ

7

-

ناپیژندل شوی مخ

منهجي في ترتيب هذا المؤلّف

سلكت في هذا المؤلف من حيث الترتيب مسلكين :

أولاً: الترتيب الهجائي:

فرتبت القواعد ترتيباً ألفبائياً مراعياً في ذلك الحرف الأول من كل قاعدة فقاعدة ((الأمور بمقاصدها)) وضعتها في حرف الألف ... وهكذا وقد أعددت فهرساً لجميع القواعد التي تناولها مؤلفي رتبتها فيه على حروف المعجم أب ت ث ... وهكذا.

ثانياً الترتيب الموضوعي:

وفيه قسّمت القواعد إلى:

  1. القواعد الكلية الكبرى التي ترجع إليها أغلب مسائل الفقه.

    ويندرج تحت كل منها عدد من القواعد الفرعية وهي:

    القواعد الخمس :

    1. الأمور بمقاصدها.

    2. الضرر يزال.

    3. العادة مُحَكَّمة.

    4. المشقة تجلب التيسير.

    5. اليقين لا يزول بالشك.

وهذه القواعد الخمس متفق عليها بين المذاهب الفقهية، وهي أشمل وأعم مما سواها بكثرة ما يندرج تحتها من الفروع والمسائل الفقهية.

9

٢ - القواعد الكلية غير الكبرى وهي القواعد المتفرعة عن هذه القواعد الكبرى والمندرجة تحتها فذكرت القاعدة ((الأم)) وأَرْدَفْتُها بما يتفرَّع عنها من القواعد بما يسهل على القاريء جمعها وربطها تحت موضوع واحد.

٣ - وَرَدَتْ قاعدة واحدة خلافية وجاءت بصيغة الاستفهام وانبنى على الخلاف فيها خلاف في مسائل فرعية وهي قاعدة:

((هل العبرة بصيغ العقود أم بمعانيها)).

٤ - قاعدة لا ينسب لساكت قول المتفرعة عن قاعدة ((الضرر يزال)) قاعدة أصولية ذكرها علماء الأصول.

٥ - أجملت فقرات كل قاعدة سواء أكانت كبرى أم متفرعة عنها عقب عنوانها لتتكون لدى القاريء الملكة التامة والتصور الشامل لكل جزئياتها ويكون على ذكر مما تشمله هذه القاعدة وما يفضَّل تحتها ..

٦ - أعددت شرحاً وافياً لكل قاعدة شمل: تفسير مفرداتها في اللغة والاصطلاح ومعناها وأهميتها من حيث التفريع عن القاعدة ((الأم)) ووجه إدراجها تحتها ثم أعقبت ذلك بمصدر القاعدة وأدلة ثبوتها - إن وجد - من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.

هذا: ولما كانت القواعد الفقهية موضوعة لتجمع الأحكام المتشابهة والمسائل المتناظرة المنثورة في كتب الفقه وأبوابه لهذا بذلت وسعي - ما استطعت - جاهداً في لَمَّ شتات هذه المسائل والأمثلة التطبيقية الفقهية لكل قاعدة على حدة.

10

٧ - ختمت الكلام على القاعدة بذكر ما يستثنى منها ويخرج عنها؛ إذ قد يعارض بعض فروع تلك القاعدة أثَر أو ضرورة أو قيد أو علة مؤثرة أو إجماع أو عُرْفٌ يُخْرِجُها من الاطِّراد فتكون مستثناةً من تلك القاعدة مراعاةً لمقاصد الشريعة من حيث السهولة واليسر ورفع الحرج وجلب المصالح ودرء المفاسد. ويرى الفقهاء أن تلك الفروع المستثناة من القاعدة هي أليق بالتخريج على قاعدة أخرى أو أنها تستدعي أحكاماً استحسانية خاصة. على أن كون هذه القاعدة كثيرة المستثنيات لا يغض من أهميتها ولا يقدح في قيمتها العلمية، جاء في ((جملة الأفكار))(١):

(( ... ثم إن بعض هذه القواعد وإن كان بحيث إذا انفرد بواحد من مشتملاته بعض المستثنيات لكن لا تختل كليتها وعمومها من حيث المجموع لما أن بعضها يخصص ويفيد بعضاً)).

(١) درر الحكام: لعلي حيدر جـ١ ص ١٥.

11

معنى القاعدة في اللغة ومدلولها اصطلاحاً

القاعدة في اللغة: ((الأساس وكل ما يرتكز عليه الشيء فهو قاعدة وتجمع على قواعد وهي أسس الشيء وأصوله حسياً كان ذلك الشيء كقواعد البيت. أو معنوياً كقواعد الدين ودعائمه))(١).

مدلول القاعدة اصطلاحاً: عرف الفقهاء القاعدة بتعريفات اصطلاحية تعطي صورة واضحة للقاريء ويدرك من خلالها دقة أنظارهم وسعة أفقهم في التدقيق والتفريق بين هذه القواعد وما قد يلتبس بها من الاصطلاحات الأخرى كالضابط والنظرية الفقهية ونحو ذلك.

فعرَّفها بعضهم بأنها : ((قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها)).

وعرَّفها بعضهم بأنها : ((قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزيئات موضوعها)).

وقال التهانوي في ((كشاف اصطلاحات الفنون))(٢): ((هي في اصطلاح العلماء تطلق على معانٍ ترادف الأصل و((القانون))(٣)

(١) المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص ٤٠٩.

(٢) جـ١١٧٦/٥-١١٧٧.

(٣) القانون: كلمة سريانية بمعنى المسطرة ثم نقل إلى القضية الكلية من حيث يستخرج بها أحكام جزئيات المحكوم عليه فيها. ولا يُسلّم كون القواعد الفقهية في ظل التشريع الإسلامي ترادف القانون الوضعي؛ ذلك لأن القواعد الفقهية يستحيل أن تلغي أو تعدل نصاً من الكتاب أو السنة أو قاعدة تشريعية مجمعاً عليها ولكن القواعد الفقهية في ظل القانون الوضعي قد تتعارض تعارضاً صريحاً مع نص في القانون الوضعي بل ومع الدستور وهو أعلى القوانين الوضعية ويعتبر =

177

والمسألة والضابط والمقصد)).

وعُرِّفت القاعدة الفقهية بأنها: حُكْمٌ كُليٌّ ينطبق على جزيئاته ليتعرف على أحكامها منه(١).

وعرفها الزرقاء في المدخل الفقهي بأنها: أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها(٢).

يقول النَّدْويُّ في ((القواعد الفقهية))(٣) بعد أن ذكر التعريفات الإصطلاحية للقاعدة ... قال:

((وفي ضوء تلك التعريفات والملاحظات حولها يمكن أن نعرف القاعدة الفقهية بأنها: حكم شرعي في قضية أغلبية يتعرف منها أحكام مادخل تحتها ذلك أن القواعد الفقهية هي قواعد تحتوي على زمرة من الأحكام الشرعية من أبواب مختلفة ويربطها جانب فقهي مشترك فالقيد المذكور في التعريف ((شرعي)) يُخرج القواعد غير الشرعية والقيد الثاني أغلبية يفيد بأن هذه القواعد متسمة بصفة الأغلبية وقد يَنِدُّ عن معظم القواعد بعض الفروع وإن كان خروج تلك الفروع لا يغير صفة العموم للقواعد ولا يحط من قيمتها)).

ولعل هذا التعريف الذي أورده الندوي وعلله هو التعريف الاصطلاحي المختار للقاعدة الفقهية والله أعلم.

= هذا التعارض إيذاناً بإلغاء أو تعديل هذا النص من القانون الذي يتعارض والقاعدة الفقهية.

(١) التلويح على التوضيح للتفتازاني جـ٢٠/١ مطابع صبيح/ القاهرة.

(٢) المدخل الفقهي العام جـ٢ /٩٤٦.

(٣) القواعد الفقهية للندوي ص ٤٣، ٤٤، ٤٥ طبع دار القلم/ دمشق ١٤٠٦هـ.

13

الفرق بين القاعدة والضابط

يُفْرَّق بين القاعدة والضابط بأن:

القاعدة تحيط بالفروع والمسائل في أبواب فقهية كقاعدة ((الأمور بمقاصدها)) فإنها تطبق على أبواب العبادات والجنايات والعقود وغيرها من أبواب الفقه.

أما الضابط: فإنه يجمع الفروع والمسائل في باب واحد مثاله: ما رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ أنه قال: ((أيُّما إهاب دُبغَ فقد طَهُر))(١) فهذا الحديث يمثل ضابطاً فقهياً في موضوعه ويغطي باباً مخصوصاً.

فالقواعد أعم وأشمل من الضوابط من حيث جمع الفروع وشمول المعاني.

(١) رواه مسلم ٣٦٦ وأبو داود ٤١٢٣ والترمذي ١٧٢٨ واللفظ له، والنسائي ٧ /١٧٣ ورواه أيضاً مالك في الموطأ ٤٩٨/٢.

14

الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية

لتوضيح الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية ينبغي أولاً: أن نُعرِّفَ النظرية، ثم نقفَ على المقصود بالنظرية الفقهية والفرق بينها وبين القاعدة الفقهية.

فالنظرية: مشتقة من النظر وهو في اللغة تأمل الشيء بالعين. والنظري هو الذي يتوقف حصوله على نظر وكسب كتصور النفس والعقل والتصديق بأن العالم حادث. والنظرية جمعها نظريات.

والنظرية: عبارة عن طائفة من الآراء تفسر بها بعض الوقائع العلمية أو الفنية.

والنظرية الفقهية تعرف بأنها:

موضوعات فقهية أو موضوع يشتمل على مسائل فقهية أو قضايا فقهية حقيقتها أركان وشروط وأحكام تقوم بين كل منها صلة فقهية تجمعها وحدة موضوعية تحكم هذه العناصر جميعاً.

ومثالها:

النظرية العامة للإثبات، ونظرية العقد، ونظرية الملكية، ونظرية الأهلية، وما شاكل ذلك.

ودراسة الفقه الإسلامي في نطاق (النظرية العامة) أمر مستحدث استخلصه العلماء المعاصرون الذين جمعوا بين دراسة الفقه الإسلامي ودراسة القانون الوضعي خلال احتكاكهم وموازنتهم بين الفقه والقانون، وبوَّبوا المباحث الفقهية على هذا النمط الجديد

15

وأفردوا لذلك المؤلفات كمصادر الحق في الفقه الإسلامي لعبدالرزاق السنهوري وبعض دراسات الزرقاء في كتابه ((المدخل الفقهي العام)) وغيرهما كثير.

والخلاصة: أن النظرية غير القاعدة الفقهية فإن هذه الأخيرة بمثابة ضوابط بالنسبة إلى تلك النظريات فقاعدة ((العبرة في العقود بالمقاصد)) - مثلاً - ليست سوى ضابط من ناحية مخصوصة من نظرية العقد وهكذا سواها من القواعد.

16

الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة التشريعية

القواعد التشريعية : هي القواعد التي أنزلها الشارع بيقين وروداً ودلالة ومن ثم فلا محل لاختلاف الفقهاء عليها ويلحق بها ما أجمع عليه فقهاءُ المسلمين أخذاً من نصوص عديدة تضافرت على ما أجمعوا عليه.

وأما القواعد الفقهية : فهي القواعد التي يستنبطها الفقهاء من النصوص التي تحتمل التأويل. أو القواعد التي ترد في نصوص هي أحاديث غير قطعية الورود حتى لو كانت صحيحة؛ ذلك أن أحاديث الآحاد الصحيحة والتي لا تحتمل التأويل تعتبر أضعف من القرآن الكريم؛ لأن نصوصه كلها متواترة ولذلك قد يحدث تعارض بين بعض هذه النصوص عند الفقهاء في بعض الأحيان فلابد في هذه الحالة من تغليب النص القرآني على الحديث على حين أنه لا يحصل تعارض البتة بين نصين متواترين في الكتاب والسنة. وخلاصته أن:

القواعد التشريعية : يستحيل أن يختلف عليها العلماء.

وأما القواعد الفقهية : فمادامت مستنبطة من النصوص التي تحتمل التأويل فإن اختلاف العلماء عليها وارد.

ومن أمثلة القواعد التشريعية : إجماع العلماء على أن الأصل في العقيدة والعبادات الحظر لا الإباحة فلا يجوز زيادة أو نقصان

17

شيء ولو يسيراً في أمور العقيدة والعبادات.

ومن أمثلة القواعد الفقهية: في مقابل هذه القاعدة التشريعية قول بعض العلماء "إن الأصل في العقود والشروط الإباحة لا الحظر؛ فقد اختلف فيها العلماء لأنه ليس فيها نص محكم: فيرى الظاهرية والشافعية أن الأصل في العقود والشروط هو الحظر لا الإباحة.

ويرى الحنفية ذلك ولكنهم يفتحون باباً للعرف فيجيزون استحداث عقود وشروط جديدة لم يرد معها نص إذا تعارف الناس عليها، ويتوسع المالكية والحنابلة في العقود والشروط، الإباحة لا الحظر وحذا حذوه تلميذه ابن قيم الجوزية وهو ما يراه الشاطبي من المالكية.

وتتفق القواعد التشريعية والقواعد الفقهية في أن كلاً منهما تمثل قاعدة تحتها عدة فروع كما ذكر القرافي رحمه الله.

وتتفق كل منهما أيضاً في أنها تعبر عن الشريعة الإسلامية ولكن القواعد الفقهية راجحة الظن على حين أن القواعد التشريعية يقينية.

والقواعد التشريعية العمل بها واجب على الجميع والقواعد الفقهية يجب على الجميع العمل ببعضها إما اجتهاداً أو اتباعاً أو تقليداً.

كذلك فإن القواعد التشريعية تتمتع بالعمومية والتجريد كالقواعد الفقهية كما أسلفت؛ فهي لا تخص أشخاصاً بذواتهم ولا وقائع معينة؛ فالنصوص القرآنية ونصوص السنة المطهرة، لا

18

تخص أشخاصاً بعينهم، ولا وقائع بعينها، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

فإذا ورد النص بمناسبة واقعة معينة أو شخص بعينه، ولكنَّ ألفاظ النص جاءت عامة؛ فإن العبرة هنا بعموم اللفظ الوارد به النص، ولا عبرة للسبب الذي جاء النص من أجله(١).

(١) ((أصول القانون والقواعد الفقهية)) د. عباس حسني عباس من ص٣٠:٢١ ط١ جامعة الملك سعود بالرياض، وانظر:

  • المحلى جـ ٤١٢/٨، ٤٢٠ وحاشية البجيرمي على منهج الطلاب جـ١٨٨/٢

  • المبسوط جـ١٣٨/١٢

  • الفتاوى الكبرى لابن تيمية جـ٣/ ٤٩٩:٤٧٠

  • إعلام الموقعين جـ٣٦:٣٤/٢

  • الموافقات جـ ١٩٢/١

  • المغني جـ٢٠٢/٤

19

الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية

((القواعد الفقهية تشبه القواعد الأصولية من ناحية وتخالفها في نواح عدة أما جهة المشابهة فهي أن كلاً منهما قواعد تندرج تحتها جزئيات))(١).

وأما ما يفترقان فيه:

فلعل الإمام شهاب الدين القرافي أول من ميز بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية فقد جاء في مقدمة كتابه ((الفروق)) ما يلي:

(( ... فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفاً وعلواً اشتملت على أصول وفروع وأصولها قسمان:

أحدهما: المسمى بأصول الفقه، وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية الخاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك ...

القسم الثاني :

قواعد فقهية كلية كثيرة العدد عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحِكّمه، ولكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى

(١) تخريج الفروع على الأصول الزنجاني (تقديم) د. محمد سلام مدكور تحقيق د. أديب الصالح ط الأولى.

20