المبحث الثالث: كتبه في مصر :

كانت حياة الإمام رضي الله عنه في مصر ختام رحلات هذا العالم الكبير العلمي الطريقة الذي لا يتوقف إلا لينطلق فقهه وحديثه، يفتيّ نفسه في كل أبواب الدين والعلم واللغة والتجربة والتطبيقات والاختبارات .. وكل أبواب الاجتهاد.

لذلك لا عجب أن يغير بعض أرائه في الفروع إذ يجيء إلى مصر. وكان الكرابيسي والزعفراني قد دونا كتبه ببغداد حيث صنف كتابه الحجة وفيه علمه الذي انتجته السنون وحلقات الدرس في مكة وبغداد كما دون تلاميذه في مصر كتبه التي تلقوها بمصر، وقد آل إلينا أكثرها في كتاب الأم بروايات الربيع رحمه الله، وبهذا وجد في فقهه قديم وجديد أو عراقي ومصري.

وهكذا أصبحت كتب الشافعي هي الكتب المصرية وحدها منذ القرن الرابع الهجري ومما يدلك على ذلك أن ما تضمنه الحجة أو المبسوط تضمنه كتاب الأم وهو كتابة مصرية وكذلك يدل على أن الكتب المصرية هي المعتمدة في منتصف القرن الثالث الهجري قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لمحمد بن وادة إذ قدم بغداد من مصر: "هل كتبت كتب الشافعي؟ قال: لا، قال الإمام أحمد رحمه الله: فرطت. فرجع إلى مصرفنسخ الكتب".

وقد روى عن الإمام أحمد أنه قال لإبن وارة: "عليك بالكتب التي وضعها في مصر فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها ثم رجع إلى مصر فأحكم تلك الكتب".