144

Al-Manṣūrī fī al-Ṭibb

المنصوري في الطب

ژانرونه

طبیعیاتو

ينبغي أن ينظر في ماذا أفنى الطبيب أيام زمانه وما همته إذا انفرد وخلا. فإن كان أفنى دهره بتصفح كتب الأطباء والطبيعيين، وكانت همته إذا خلا، النظر فيها فليحسن به الظن. وإن كان إنما أفنى ما مضى من عمره في شيء غير ما ذكرنا وكانت همته إذا خلا الاشتغال باللهو والشراب ونحوه فليساء به الظن. ومن كان يدمن النظر في الكتب فينبغي أيضا أن ينظر في مقدار عقله وفطنته وهل جالس المتكلمين والمناظرين أو أخذ منهم. وهل له نظر في كتب المتفلسفين وهل له قوة في البحث والنظر أم لا؟ فإن كانت قد طالت صحبته لهؤلاء القوم واكتسب منهم حظا من القوة على البحث والنظر. فينبغي أن ينظر هل هو ممن يفهم ما يقرأ أو بالضد. فإذا كان ممن يقرأ الكتب ويفهمها فينبغي أن ينظر هل شاهد المرضى وقلبهم. وهل كان ذلك منه في المواضع المشهورة بكثرة الأطباء والمرضى أم لا؟ فمن اجتمعت له هاتان الخلتان فهو فاضل. وأما من نقصته إحداهما فلئن يكون النقصان في المشاهدة خير بعد أن لا يكون عديما لها البتة بل معه منها قدر صالح من أن يكون في تعلم ما في كتب الأوائل من العلم. لأن قليل المشاهدة والنظر يبلغ من قد عرف ما في الكتب وتصورها. فأما من كان يتعاطى هذه الصناعة وكان أميا وعاميا لا يفهم الكلام ولم يجالس أهله فلا ينبغي أن يوثق بمعرفته بل لا ينبغي أن يظن أن عنده خيرا بتة. لأن هذه الصناعة لا يمكن للإنسان الواحد أن يتخذ فيها أثر تقدمه. وأن يلحق منها شيئا حتى ولو أفنى فيها جميع عمره. لأن مقدارها أطول من مقدار عمر الإنسان بكثير. وليست هذه الصناعة فقط بل جل الصناعات كذلك فإنما أدرك ما أدرك من هذه الصناعة إلى هذه الغاية في ألوف السنين ألوف من الرجال. فإذا اقتفى المقتفي أثرهم صار ما أدركهم كلهم في زمان قصير وصار كمن عمر تلك السنين وعني بتلك العنايات وإن لم يكن ينظر في كتبهم. فكم عسى تراه يمكن أن يشاهد في عمره وكم مقدار ما يبلغ تجربته واستخراجه ولو كان من أعقل الناس وأذكاهم على أن من لم ينظر في الكتب ولم يفهم صورة العلل في نفسه قبل مشاهدتها. فهو وإن شاهدها مرات كثيرة أغفلها ومر بها صفحا ولم يعرفها البتة. تمت المقالة الرابعة والحمد لله رب العالمين.

مخ ۲۳۶