فإن قيل: كان زيدٌ حافظَ القرآنِ، وكاتبَ وحيِ الفرقانِ، فما وجهُ تَتَبُّعِهِ في هذا الشأن، وكيف يحصل التواتر في شيء يوجد عند واحد من الأقران (^١)؟.
قلت: لما كان المكتوبُ المتفرقُ كلُّه أو أكثرُه كتب بين يدي رسول ﷺ (^٢) أراد الاستظهار، ليكون أثبتَ في مقام الاستقرار، وليضع الخط على وَفْقِ الرسم الأصلي (^٣) والعلم الحاصل من موضعين أتم مما يحصل من موضع واحد.
ومعنى "فقدتُ": لم أرها مكتوبةً، ومعنى"لم أجدها إلا عند رجل" أي: مثبوتة، وهذا لا ينافي التواتر لأن مداره على كثرة الحفاظ من النقلة، لا على الكتابة المنقولة، وعليه يحمل قوله أيضًا: "فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة" بمعنى: الصحيفة التي فيها الآية فإنها إذا كانت مما كتب بين يدي رسول الله ﷺ فلا بد من النظر فيها وإن كان حافظًا ليتذكرها بذلك، ويستظهرها بما هنالك، وليعلم هل فيها قراءة غير قراءته أم لا؟ وكذلك إذا كانت الصحف مما لا يُعْلَمُ أَمْرُها وتَوَقُّفُ كتابتِها، بأن لم تكن كتبت بين يدي رسول الله ﷺ (^٤)، ومما يدل على أنهم كانوا يكتبون لرسول الله ﷺ من نحو ذلك ما رُوِيَ أن النبي ﷺ لما أنزل الله عليه ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ٩٥] قال عبدالله (^٥) بن جحش (^٦) وابن أم مكتوم: (إنا أعميان