Al-Bahr Al-Muhit Al-Thajaj fi Sharh Sahih Al-Imam Muslim bin Al-Hajjaj
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
خپرندوی
دار ابن الجوزي
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
(١٤٢٦ - ١٤٣٦ هـ)
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
المخبر، بل عرفه صدقه، لكن قلبه مشغول بأمور أخرى عن تصوّر ما أُخبر به، فهذا لا يتحرّك للهرب، ولا للطلب.
وفي الكلام المعروف عن الحسن البصريّ، ويُروى مرسلًا عن النبيّ ﷺ: "العلم علمان: فعلم في القلب، وعلم على اللسان، فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان حجة الله على عباده". وقد أخرجا في "الصحيحين" عن أبي موسى الأشعريّ ﷺ عن النبيّ ﷺ أنه قال: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة طعمها طيّب وريحها طيّبٌ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، طعمها طيّبٌ ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيّبٌ وطعمها مرّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة، طعمها مرّ ولا ريح لها". وهذا المنافق الذي يقرأ القرآن، يحفظه، ويتصوّر معانيه، وقد يصدّق أنه كلام الله، وأن الرسول حقّ، ولا يكون مؤمنًا، كما أن اليهود يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وليسوا مؤمنين، وكذلك إبليس، وفرعون، وغيرهما، لكن من كان كذلك، لم يكن حصل له من العلم التامّ، والمعرفة التامّة، فإن ذلك يستلزم العمل بموجبه، لا محالة، ولهذا صار يقال لمن لم يعمل بعلمه: إنه جاهل، كما تقدّم.
وكذلك لفظ "العقل"، وإن كان في الأصل مصدر عقل يعقل عقلًا - من باب ضرب - وكثير من النظّار جعله من جنس العلوم، فلا بدّ أن يُعتبر مع ذلك أنه علم يُعمل بموجبه، فلا يسمّى عاقلًا إلا من عرف الخير فطلبه، والشرّ فتركه، ولهذا قال أصحاب النار: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١٠]، وقال عن المنافقين: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر: ١٤]، ومن فعل ما يعلم أنه يضرّه، فمثل هذا ما له عقلٌ، فكما أن الخوف من الله يستلزم العلم به، فالعلم به يستلزم خشيته، وخشيته تستلزم طاعته، فالخائف من الله ممتثلٌ لأوامره، مجتنب لنواهيه، وهذا هو الذي قصدنا بيانه أوّلًا.
ويدلّ على ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢)﴾ [الأعلى: ٩ - ١٢]، فأخبر أن من يخشاه يتذكّر، والتذكّر هنا مستلزم لعبادته، قال الله تعالى: ﴿هُوَ
1 / 46