Al-Akhlaq Al-Zakiyya fi Adab Al-Talib Al-Mardiya
الأخلاق الزكية في آداب الطالب المرضية
خپرندوی
بدون ناشر فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية
د ایډیشن شمېره
الثالثة
د چاپ کال
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
[كلمة الغلاف]
قال الله تعالى في حَقِ نبينا ﵌:
(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). [القلم: ٤].
وقال ﵌: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا». رواه الترمذي
وقال ﵌: «إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ». رواه أبو داود
اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ ... لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ
وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا ... لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ
1 / 5
قال بعض الأدباء:
بقدر الكدِّ تكتسب المعالي ... ومن طلب العُلا سهر الليالي
ومن رام العُلا من غير كدٍّ ... اضاع العمر في طلب المحال
تركت النوم ربي في الليالي ... لأجل رضاك يا مولى الموالي
فوفقني إلى تحصيل علمٍ ... وبلغني إلى أقصى المعالي
اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وأكرمني بالتقوى، وجمِّلني بالعافية.
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريظ فضيلة الدكتور هاشم محمد علي مهدي
المستشار بإدارة الدراسات برابطة العالم الإسلامي
-مكة المكرمة-
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد: لقد اطلعت على كتاب: "الأخلاَق الزَّكِيَّة في آدْاب الطَّالِب المرضِيَّة ". لمؤلفه السيد أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل خريج المدرسة الصولتية وأحد طلبة العلم بالمسجد الحرام، فوجدته قد حوى الزبدة وجمع الخلاصة لكل راغب في تذوق العلم من خلال الأدب النبوي الرفيع الذي لا يماثله مماثل على وجه البسيطة. ويكفي أن أجمل ﵊ معنى رسالته بقوله ﵌: " بُعثْتُ لأتمِّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ ". وهذه القولة قد جعلت الأخلاق بمنزلة الروح للجسد بالنسبة للعلم. وصدق شوقي الشاعر إذ يقول:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وبالله التوفيق ..؛
د. هاشم محمد علي مهدي
المستشار بإدارة الدراسات برابطة العالم الإسلامي
بمكة المكرمة
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريظ
فضيلة العلامة الشيخ طه عبد الواسع البركاتي
مدير إدارة الوعظ والإرشاد ورقابة التدريس
والمدرس بالمسجد الحرام سابقًا-رحمه الله تعالى-
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه وبعد:
فقد اطلعت على رسالة: «الأخلاَق الزَّكِيَّة في آدْاب الطَّالِب المرضِيَّة». لمؤلفها السيد أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل فوجدتها مفيدة لمن يقرأها ولمن يقتنيها - وجزى الله مؤلفها خيرا.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ..؛
طه عبد الواسع البركاتي
المدرس بالمسجد الحرام
٢٧/ ٨/١٤١٨هـ
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريظ
فضيلة العلامة الشيخ أحمد جابر جبران
المدرس بمعهد إعداد الإئمة والدعاة التابع لرابطة العالم الإسلامي سابقًا
-رحمه الله تعالى-
الحمد لله رافع أهل العلم درجات والموفق من شاء للسلوك والأخلاق والآداب المرضيات، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا المبعوث بمكارم الأخلاق والآداب الزكيات وعلى آله وأصحابه الذين بلغوا في الآداب والسلوك ذروة الكمالات.
أما بعد: فلا شك أن الأخذ بالآداب الشرعية والسلوك المرضية من أفضل المهمات إذ بهما يترقى المريد في أعلى الكمالات ويعيش عيشة مرضية في كل المجتمعات لذا قال الإمام مالك: (الأدب قبل العلم). هذا وقد اطلعت على الرسالة التي جمعها السيد الفاضل أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل الموسومة: «بالأخلاَق الزَّكِيَّة في آدْاب الطَّالِب
1 / 9
المرضِيَّة». فوجدتها من أحسن ما ألف في هذا الفن نقل فيها من الكتب المعتمدة ما فيه الكفاية في هذا الزمن الذي فقد فيه الطالب الآداب المطلوبة منه. ومع اختصارها فهي وافية بالمطلوب سيما في هذه الظروف الصعبة التي اندرس فيها هذا الفن وعفت عليه الآثار .. فنسأل الله تعالى أن ينفع بها طلاب العلم وغيرهم، وأن يوفق الجميع لما يحب ويرضى. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قاله بفمه ورقمه بقلمه
الفقير إلى عفو الرحمن أحمد جابر جبران
- عفا الله عنه - رجب ٢/ ٧/١٤١٨هجرية
1 / 10
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريظ
فضيلة العلامة الدكتور حسن محمد الأهدل
نائب رئيس جامعة صنعاء
-عافاه الله تعالى-
الحمد لله الذي جعل العلم نورا، وهدى للسالكين سبيله، نحمده أن جعل اتباع رسوله دليلًا على محبته وأوضح طُرق الهداية لمن شاء من عباده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. علم الإنسان مالم يعلم، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرشد أمته إلى الخير وحذرهم من الشر وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا. وبعد:
لقد اطلعت على ما كتبه الأخ السيد أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل وذلك ما قدمه من البحث المرضي في الآداب والسلوك المسمى: «بالأخلاَق
1 / 11
الزَّكِيَّة في آدْاب الطَّالِب المرضِيَّة». وجدته مرضيًا كإسمه وزكيًا طيبًا لمن تحلى به، ولقد أجاد الكاتب فيما جمعه في هذا الباب وعرضه بأسلوب سهل ومبسط ومفيد لطالبه فأجاد وأفاد، وما أحوجنا لمثل هذه الآداب والصفات. فكم من طالب علمٍ يطلب العلم ولا يعرف حقه. فنرجو أن يكون هذا الكتاب مفيدًا لمثل هؤلاء ولمن أراد السير على نهج العلماء والسلف الصالح. ولا شك أن هذه الرسالة مفيدة ونافعة في بابها ..؛
فنسأل الله أن يأجُر الكاتب على ذلك خيرًا، وأن ينفع بها المسلمين. ونسأله التوفيق للجميع لما يحبه ويرضاه.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ..؛
كتبه
د. حسن محمد الأهدل
٩/ ٩/١٤١٨هـ
1 / 12
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريظ فضيلة العلامةالشيخ ماجد سعيد مسعود رحمت الله
مدير المدرسة الصولتية
-عافاه الله تعالى-
فقد عرض علي الأخ العزيز الفاضل الشيخ السيد أحمد يوسف محمد الأهدل مؤلفه الجديد الذي سماه «الأخلاَق الزَّكِيَّة في آدْاب الطَّالِب المرضِيَّة» فقرأته باستيعاب حيث أجاد المؤلف وأفاد بأسلوب مختصر جذاب وبترتيب حسن بديع حسب حاجة العصر الذي نعيشه وقد وجدته مفيدًا نافعًا وحمدت له صنيعه المشكور وعمله المبرور لأن العلم من أفضل وأكرم الغايات التي تصرف لها الهمم وتبذل له المساعي وفقدان كتب الآداب وانعدامها تتطلبان نشرها وإذاعتها خاصة في الوقت الحاضر وخصوصًا لطلاب العلم ليطلعوا على الآداب والمحاسن والفضائل والمناقب والصفات والأخلاق التي يتحتم وجودها في الطلاب
فأسأل الله تعالى للمؤلف والمؤلف القبول التام والنفع العام وأن يأخذ به مسلك الصلاح والرشاد والإستقامه والسداد آمين- إنه جواد كريم والحمد لله أولًا وآخرًا ..،،
خادم العلم والعلماء بالبلد الحرام
ماجد سعيد بن مسعود رحمت الله
مدير المدرسة الصولتيه بمكة المكرمة
1 / 13
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريظ فضيلة العلامة الشيخ أيوب أبكر الأهدل
المدرس بالمدرسة الصولتية بمكة المكرمة
-عافاه الله تعالى-
الحمد لله الذي جعل مأدبته القرآن وأنزله على خير ولد عدنان. وأشهد أن لا إله إلا الله الذي خلق فسوى وقدَّرَ فهدى. خلق الإنسان في أحسن تقويم. ووعد عباده الصالحين العاملين بأنَّ لهم أجرًا غير ممنون- أحمده ﷿ حمدًا يرضى عنه ليكون بسبه بقاء رضاه عنا إلى يوم الدين.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المجبول على الخُلق العظيم القائل: أدبني ربي فأحسن تأديبي. فأعظم به من تكريم. اللهم صل وسلم على رسولك محمد رحمة العالمين وعلى آله وصحبه الهداة المهتدين.
أما بعد: فإن التوفيق عزيز كما قيل لذلك لم يذكر في القرآن سوى مرة واحدة. والتوفيق خلق القدرة في العبد على فعل الطاعات والقربات،
1 / 14
وإنَّ من أفضل الطاعات بعد الواجبات توصيل الخير إلى الغير أيًا كان لأنه فعل وعمل متعدي بخلاف العمل الصالح اللازم. خاصة إذا كان هذا العمل من باب تعليم الناس الخير - وفي الحديث - إن الملائكة لتصلي على مُعَلِّمِي النَّاسِ الخير. الحديث.
وقد وفق الله أخانا السيد الجليل الشيخ أحمد بن السيد يوسف محمد الأهدل. نفع الله به أمين في تأليف هذا الكتاب الموسوم «بالأخلاَق الزَّكِيَّة في آدْاب الطَّالِب المرضِيَّة». وهو كتاب بحق يحتاج إليه الناشئة وطلاب العصر خاصة وأن الكتب القديمة المؤلفة في هذا الموضوع - أعني أدب المتعلم - كادت تختفي من المكتبات التجارية ولم تعد في متناول الأيدي نظرًا لعدم توجيه المعلمين المعاصرين الطلاب إليها واقتنائها اللهم إلا ما ندر، وإن وجدت فالنفع بها يكون قليلًا جدًا للمعاصرين لسرد أحاديثها وقصصها بلأسانيد الطويلة على طريقة السلف.
لذا فقد جاء هذا الكتاب خاليًا من تلك الموانع
1 / 15
غايةً في بابه موفقًا في اختياراته دقيقًا في نقله سالكًا مسلك التسهيل والتيسير متفننًا في موضوعاته مجانبًا التطويل الممل والاختصار المخل.
ولقد سُعدت غاية السعادة عندما ناولني إياه مؤلفه حيث وافق مجيؤه إليَّ وأنا أشرح للطلاب الجانب الروحي والسلوك الأدبي الذي ينبغي أن يكون عليه طالب العلم وما ورد في ذلك من الأدب النبوي خاصة جانب التطبيق والعمل بالعلم والفرق بين طالب العلم وغيره مع ذكر بعض الكتب المؤلفة في هذا الشأن التي أشار إليها المؤلف في هذا الكتاب المصدر له هنا. وقد تمنيت لو يصنف فيما ذكرت مصنفًا مناسبًا يستفيد منه طلاب العلم. وقد جاء هذا الكتاب مواكبًا لتلك الأمنية على يد هذا الشاب النجيب فلله الحمد والمنة.
جزى الله السيد الجليل أحسن الجزاء، ووفقه لما يصبو إليه من خير الدنيا والآخرة. آمين.
كاتبه
أيوب أبكر أسد بن علي الأهدل
٢٩/ ٧/١٤١٨هـ
1 / 16
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الْحَمْدُ لله القَائل في حَقِ نَبِيه ﵌: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (١)
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، الَّذِي أَكْمَلَ خَلْقَهُ، وَعَظَّمَ خُلُقَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَأَدَّبَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُ، فَكَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.
القائل ﵌:" إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا " (٢).
والقائل ﵌: " إِنَّ
_________
(١) سورة القلم، الآية: ٤.
(٢) رواه الترمذي - كتاب البر والصلة - باب ما جاء في معالي الأخلاق - حديث جابر ﵁ ط مصطفى البابي الحلبي (ج ٤/ص ٣٧٠ رقم الحديث (٢٠١٨).
1 / 17
المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ " (١).
وَعَلَى آلِهِ وَصْحَبِهِ، المُتَخَلِّقِينَ بِخُلُقِهِ، وَالمُتَأَدِّبِينَ بِآدَابِهِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلى يوم الدين، وعَلينا مَعَهم بِرَحمَتِك يا أرحم الراحِمين.
(أَمَّا بَعْدُ)، فَإِنَّ الاِشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ القُرَب وأجَل الطَّاعَاتِ، وَأَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الأوْقَاتِ.
ومدخَل العِلم " الأدب " فلا عِلم بِلا أدب .. وقد سَألنِي بَعضُ المُحِبِين أن أجمَعَ مُختَصَرًا في آدَابِ طَلِبِ العِلِم، وقَد اعتذرت لَهُ كَثِرًا، وَلَكِن لمّا رَأيتُ كَثِرًا مِن طُّلابِ العِلم في زماننا يَجِدُّونَ إلى العِلم ولا يَصِلُونَ، وَمِن مَنَافِعه وَثَمَرَاتِه يُحرَمُون، وسَبَبُ ذَلِكَ أنَهُم أخطَئُوا طَرَائِقه وَتَرَكُوا شَرَائِطه وَلَم يَلتَزِموا بِآدا بِهِ:
" وَكُلُ مَن أخطأ الطرِيقَ ضَل "
استخَرتُ الله تَعَالَى في جَمعِ نُبذةٍ مُختَصَرَةٍ مِن
_________
(١) رواه أبو داود - كتاب الأدب - باب حسن الخلق - حديث عائشة ﵂ ط مصطفى البابي الحلبي - (ج ٢ / ص ٦٠٤).
1 / 18
الآداب لِكَى يكُون نِبراسًا وَمِنهَاجًا لِي وَلِكُلِ طَالبِ عِلم - وَأسميتُه: «الأخلاق الزكية في آداب الطالب المرضية»
وَقَد بدأتُهُ بِبَابِ إخلاص النية لله تَعَالى ثُمَ فضل العِلم والعُلّماء، وَفضل طالب العِلم وَالحَث عَلى طَلب العِلم، ثُمَ شَرَعتُ في الآدابِ، وَقَسَّمتُهُ إلى خمسَةِ أقسام:
القسم الأول: آداب الطالب مع نفسه.
والقسم الثاني: آداب الطالب مع شيخه.
والقسم الثالث: آداب الطالب مع دروسه.
والقسم الرابع: آداب الطالب مع الكتاب.
والقسم الخامس: آداب المعاشرة مع الخلق.
وَكُلُ قِسمٍ يندَرِجُ تحتهُ فُرُع وأنواع مِن نفَائِس ومُهِمات الفوائِد مِن أقوال العُلّماء الإجلاء، وختمتُهُ بِذِكرِ نُبذةٍ مُختصرةٍ مِن أخلاق رسُول الله صلى الله عليه
1 / 19
وآله وسلم، جعلنا الله مِن المُتأسين بِأخلاق رسُوله الكرِيم ﵌، وَأسألُ الله أن ينفعني بِه وَجميع المُسلِمين وَأن يرزُقنا الإخلاص في العَمل بِوجهِهِ الكَرِيم ..،
وكتبه: الفقير إلى عفو الله ﷿
أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل
أحد خريجي المدرسة الصولتية وطالب العلم بالمسجد الحرام
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه والمسلمين أجمعين
آمين
1 / 20
باب الإخلاص لله تعالى
قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ) (البينة:٥)
وقال رَسُولُ الله ﵌: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (١)
وعن أبي هُرَيْرَةَ-﵁ قال: سمعت رَسُولَ الله ﵌ يقول: «إِنَّ أَوَّلَ الناس يُقْضَى يوم الْقِيَامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فما عَمِلْتَ فيها، قال: قَاتَلْتُ فِيكَ حتى اسْتُشْهِدْتُ، قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ على وَجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فما عَمِلْتَ فيها، قال: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ
_________
(١) رواه البخاري - كتاب بدء الوحي - باب كيف كان بدء الوحي (ج ١/ص ٣) حديث سيدنا عمربن الخطاب ﵁، رقم (١)
1 / 21
فِيكَ الْقُرْآنَ، قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هو قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ على وَجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ الله عليه وَأَعْطَاهُ من أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فما عَمِلْتَ فيها، قال: ما تَرَكْتُ من سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فيها إلا أَنْفَقْتُ فيها لك، قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هو جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ على وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ» (١).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: َ قَالَ رَسُولُ الله ﵌: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ الله لا يَتَعَلَّمُهُ إِلاّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (٢) يَعْنِي رِيحَهَا.
_________
(١) رواه مسلم - كتاب الأمارة - باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار (وهو جزء من حديث مطول) (٦/ ٤٧)
(٢) رواه ابن ماجه في المقدمة - باب الإنتفاع بالعلم والعمل به، حديث سيدنا أبي هريرة ﵁، (١/ ٩٣).
1 / 22
وعن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَال: َ سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﵌ يَقُولُ: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ الله النَّارَ» (١)
وما أحسن قول الإمام الغزالي-رحمه الله تعالى- في كتابه بداية الهداية حيث قال: اعلم أن الناس في طلب العلم على ثلاثة أحوال:
١ - رجل طلب العلم ليتخذهُ زادهُ إلى المعاد، ولم يقصد إلا وجه الله والدار الآخرة، فهذا من الفائزين.
٢ - ورجل طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به العِز والجاه والمال، وهو عالم بذلك، مُستشعِرٌ في قلبه ركاكة حاله، وخِسّة مقصده، فهذا من المخاطرين، فإن عاجله أجله قبل التوبة خيف عليه من سوء
_________
(١) رواه ابن ماجه في المقدمة - باب الانتفاع بالعلم والعمل به - حديث أبي هريرة ﵁، (١/ ٩٣).
1 / 23
الخاتمة، وبقي أمره في خطر المشيئة، وإن وفق للتوبة قبل حلول الأجل وأضاف إلى العلم العمل، وتدارك ما فرّط فيه من الخلل، التحق بالفائزين، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
٣ - ورجل ثالث استحوذ عليه الشيطان، فا تخذ علمه ذريعة إلى التكاثر بالمال، والتفاخر بالجاه، التعزز بكثرة الأتباع، يدخل بعلمه كل مدخل، رجاء أن يقضي من الدنيا وطرهُ، وهو مع ذلك يضمر في نفسه أنه عند الله بمكانة لاتِّسامه بسمة العلماء، وترّسمه برسومهم في الزي والمنطق، مع تكالبه على الدنيا ظاهرًا وباطنًا، فهذا من الهالكين ومن الحمقى المغرورين، إذ الرجاء منقطع عن توبته (١) لظنه أنه من المحسنين، وهو غافل
_________
(١) هذه العبارة جرت مجرى التنفير من الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى- وإلّا فرجاء الله تعالى شامل له ولغيره ما زال ينطق بكلمة التوحيد. فلا ينبغي له أن يياس من رحمة الله.
1 / 24