Al-Ahadith Allati A'alla al-Imam al-Bukhari Mutunaha bi-al-Tanaqud
الأحاديث التي أعل الإمام البخاري متونها بالتناقض
خپرندوی
بحث ضمن العدد ٣٤ من مجلة الحكمة الصادر في محرم ١٤٢٨ [وهي مجلة علمية شرعية محكمة نصف سنوية تعنى بالبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق المخطوطات]
ژانرونه
الأحاديث
التي أعل الإمام البخاري متونها بالتناقض
للدكتور
بسام بن عبد الله بن صالح الغانم العطاوي (معاصر)
رئيس قسم الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين في الدمام
بحث ضمن العدد ٣٤ من مجلة الحكمة (*)
الصادر في محرم ١٤٢٨
[الترقيم موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
أعده للشاملة مع المقابلة على أصله المطبوع مرتين:
//محمود الجيزي - عفا الله عنه//
_________
(*) مجلة علمية شرعية محكمة نصف سنوية تعنى بالبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق المخطوطات.
ناپیژندل شوی مخ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان علي رسوله الأمين وعلي آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلي يوم الدين.
أما بعد:
فإنّ الله تعالي وعد بحفظ هذا الدين فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾ [الحجر: ٩]، وقد صدق الله وعده،
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١١١]، فحفظ لنا دينه، وأتمّ علينا نعمته.
وإن مما حفظ الله به الدين أولئك العلماء الحفاظ الذين أفنوا أعمارهم، وبذلوا مُهجهم وأموالهم لحفظ الدين وصيانة الشريعة.
وإن من أعظم أولئك الأعلام الإمام أبا عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، المتوفي ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين، صاحب «الصحيح» الذي هو أصحّ مصنّف في الحديث.
وثناء الأئمة علي الإمام البخاري في دينه وفضله، وشهادتهم
1 / 165
برسوخه في العلم عموما وفي الحديث خصوصا كثير جدًا، وهو مذكور في مظانّه المعروفة.
قال النووي ﵀ في أول شرحه علي «صحيح البخاري»: واعلم أن وصف البخاري رضي الله تعالي عنه بارتفاع المحل والتقدم في هذا العلم علي الأماثل والأقران متفق عليه فيما تأخر وتقدم من الأزمان، ويكفي في فضله أن معظم من أثني عليه ونشر مناقبه شيوخه الأعلام المبرزون والحذاق المتقنون ... إلي أن قال: ويوضح لك ذلك ما أشرت إليه من أقوال أعلام أئمة المسلمين أولي الورع والدين، والحفاظ النقاد المتقنين، الذين لا يجازفون في العبارات بل يتأملونها، ويحررونها، ويحافظون علي صيانتها أشد المحافظات (١).
وقال ابن حجر ﵀ بعد أن ذكر جملة من أقوال الأئمة المتقدمين في الثناء علي الإمام البخاري: ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليه ممن تأخر عن عصره لفني القرطاس، ونفدت الأنفاس؛ فذاك بحر لا ساحل له (٢).
وهذا كله يبين ما لأحكام البخاري علي الأحاديث من المنزلة الرفيعة والشأن العظيم والنصيب الأوفي من الصواب.
قال ابن حجر: لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم علي أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل (٣).
وقد أردت في هذا البحث أن أبرز أحد الأسس التي يقوم عليها منهج الإمام البخاري ﵀ في نقد متن الحديث، وهو التحقق من سلامة معني المتن من مناقضة الأمور الثابتة في الكتاب أو السنة ومخالفة الحقائق التاريخية والعقلية؛ إذ لا يمكن أن يكون الحديث صحيحًا مع وجود تلك المناقضة أو المخالفة في متنه.
وقد جمعت من كتب الإمام البخاري
_________
(١) شروح البخاري: ٥.
(٢) هدي الساري: ٤٨٥.
(٣) المصدر السابق: ٣٤٦.
1 / 166
الأحاديث والآثار التي أعلّها مصرحا بعلة في متنها من جهة المعني، تمنع من الحكم عليها بالصحة، لمناقضتها ما ثبت في موضوع ذلك المتن.
وذكرت تلك الأحاديث في هذا البحث دون الأحاديث التي أعلّها بعلة في متنها، أشار إليها دون تصريح بها. فقد يعلّ البخاري حديثا بعبارة مجملة يفهم منها أهل هذا العلم - بحكم الخبرة والممارسة - أن البخاري يشير إلي علة في المتن. وغالب الأحاديث التي أعلّها البخاري من جهة متنها أعلّها أيضا من جهة سندها، وهذا يدل علي ما بين صحة المتن وصحة السند من ملازمة، بمعني أن وجود علة في المتن يقتضي وجود علة في السند، وقد تكون واضحة، وقد تكون خفية لا يفطن لها إلا الراسخون في هذا العلم. وذلك أن العلة في المتن لا بد لها من مصدر، ومصدرها لا بد أن يكون من رواة هذا المتن، ورواة المتن هم السند.
وقد جعلت الأحاديث التي أعلّها البخاري خمسة أقسام، وهي:-
القسم الأول: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة متونها السنة الصحيحة.
القسم الثاني: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة متونها ما صح من رواية أصحابها أنفسهم.
القسم الثالث: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة متونها عمل الصحابة.
القسم الرابع: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة متونها رأي من رواها ومذهبه.
القسم الخامس: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة متونها الواقع.
وخصصت القسم السادس للآثار التي أعلّها البخاري بمناقضة متونها ما ثبت عن أصحابها.
1 / 167
وقد خرّجت الأحاديث، وبيّنت وجه إعلال البخاري إياها، وذكرت علل أسانيدها، ونقلت من كلام الأئمة في ذلك كله ما رأيت الحاجة داعية إلي نقله لبيان مقصود البحث.
وأسأل الله تعالي بأسمائه وصفاته أن يجعل هذا البحث خالصا لوجه نافعا لخلقة.
1 / 168
القسم الأول: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة متونها السنة الصحيحة
من المقاييس التي استعملها المحدثون في نقد المتن عرض المتن علي السنة الصحيحة (١)، فكانوا يستدلّون علي ضعف الخبر بمناقضة متنه السنة الصحيحة؛ لاستحالة وقوع التناقض في أخبار الله تعالي وأخبار رسوله صلي الله عليه وسلم كما قال تعالي: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)﴾ [النساء: ٨٢].
قال الخطيب البغدادي: وكل خبرين عُلم أن النبي صلي الله عليه وسلم تكلّم بهما فلا يصح دخول التعارض فيهما علي وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين؛ لأن معني التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك أن يكون موجب أحدهما منافيا لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كانا أمرًا ونهيًا وإباحة وحظرًا، أو يوجب كون أحدهما صدقًا والآخر كذبًا إن كانا خبرين، والنبي صلي الله عليه وسلم منزّه عن ذلك أجمع معصوم منه باتفاق الأمة (٢).
وقال أيضا: "وكل خبر واحد دل العقل أو نص الكتاب أو الثابت من الأخبار أو الإجماع أو الأدلة الثابتة المعلومة علي صحته وجد خبر آخر يعارضه فإنه يجب اطراح ذلك المعارض، والعمل بالثابت الصحيح اللازم؛ لأن العمل بالمعلوم واجب علي كل حال (٣).
_________
(١) انظر مقاييس نقد متون السنة للدميني: ١٦٣.
(٢) الكفاية في علم الرواية: ٤٣٣.
(٣) المصدر السابق: ٤٣٤.
1 / 169
وقد أعلّ البخاري ﵀ تعالي أحاديث كثيرة بهذه العلة، وإن كان أكثرها ضعيفا من جهة الإسناد أيضا:
١ - فقد ذكر البخاري في كتابه «الضعفاء الصغير» (١) في ترجمة حشرج بن نباتة أنه سمع سعيد بن جمهان عن سفينة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر وعثمان: «هؤلاء الخلفاء بعدي»، ثم قال البخاري: وهذا حديث لم يتابع عليه؛ لأن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب قالا: لم يستخلف النبي صلي الله عليه وسلم.
وذكر البخاري هذا أيضا في «تاريخه الكبير» (٢)، وفي «تاريخه الأوسط» (٣).
فقد أعلّ البخاري الحديث بمناقضته الأحاديث الصحيحة التي تنفي أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم نص علي تعيين أحد للخلافة بعده.
فقد روى الشيخان في صحيحيهما (٤) عن عبد الله بن عمر ﵄ أنه قال: قيل لعمر: ألا تستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني: أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني: رسول الله صلي الله عليه وسلم.
وروى البخاري (٥) عن عبد الله بن عباس ﵄ أن علي بن أبي طالب ﵁ خرج من عند رسول الله صلي الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا حسن، كيف أصبح رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا. فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا (٦)، وإني والله لأري رسول الله صلي الله عليه وسلم سوف يتوفي من وجعه هذا؛ إني
_________
(١) ص ٧٩ برقم ٩٩.
(٢) (٣/ ١١٧).
(٣) (١/ ٣٣٦).
(٤) صحيح البخاري - كتاب الأحكام - باب الاستخلاف: ٦٠٢ ح ٧٢١٨، وصحيح مسلم، كتاب الإمارة - باب الاستخلاف وتركه: ١٠٠٥ ح ١٨٢٣.
(٥) في كتاب المغازي - باب مرض النبي صلي الله عليه وسلم ووفاته: ٣٦٥ ح ٤٤٤٧.
(٦) هو كناية عمن يصير تابعا لغيره، والمعني أنه يموت بعد ثلاث، وتصير أنت مأمورًا عليك. وهذا من قوة فراسة العباس ﵁. فتح الباري (٨/ ١٤٣).
1 / 170
لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت. اذهب بنا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصي بنا. فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلي الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلي الله عليه وسلم.
قال البيهقي في سننه (١): وفي هذا دلالة علي أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يستخلف أحدًا بالنص عليه.
وروى أحمد في مسنده (٢) حديثا عن عبد الله بن سُبع عن علي ﵁، وفيه أنهم قالوا له: فاستخلف علينا. قال: لا، ولكن أترككم إلي ما ترككم إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم.
وروى ابن أبي عاصم في «السنة» (٣) عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: قيل لعلي ﵁: استخلف علينا. فقال: ما استخلف رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا سيجمعهم علي خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم صلي الله عليه وسلم علي خيرهم.
وروى أحمد (٤) بسنده عن رجل عن علي ﵁ أنه قال يوم الجمل: «إن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يعهد إلينا عهدًا نأخذ به في الإمارة، ولكنه شيء رأيناه من قبل أنفسنا ...» الحديث (٥).
_________
(١) (٨/ ١٤٩).
(٢) (٢/ ٣٢٥) ح ١٠٧٨.
(٣) (٢/ ٥٥١) ح ١١٨٥.
(٤) المسند (٢/ ٢٤٤) ح ٩٢١.
(٥) هذه الروايات الثلاث، وكذلك الروايات الأخرى التي في معناها لا تخلو من ضعف في أسانيدها لكنها تتقوي ببعضها، وهي تفيد نفي علي ﵁ أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم نص علي تعيين أحد للخلافة بعده.
انظر الكلام علي هذه الروايات وأسانيدها في تعليق الألباني علي كتاب «السنة» لابن أبي عاصم (٢/ ٥٥١)، و«المطالب العالية» مع حاشية تحقيقه (٩/ ٥٦٩).
1 / 171
وحديث سفينة الذي أعلّه البخاري هنا رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (١)، وأبو يعلي الموصلي في مسنده (٢)، والحارث بن أبي أسامة في مسنده (٣)، وابن حبان في «المجروحين» (٤)، وابن عدي في «الكامل» (٥) كلهم من طريق حشرج بن نباتة عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: بني رسول الله صلي الله عليه وسلم مسجدًا، فقال لأبي بكر: «ضع حجرًا إلي جنب حجري»، ثم قال لعمر: «ضع حجرًا إلي جنب حجر أبي بكر»، ثم قال لعثمان: «ضع حجرك إلي جنب حجر عمر»، ثم قال: «هؤلاء الخلفاء من بعدي».
وقد تفرد حشرج بن نباتة بهذا الحديث. وحشرج قال فيه ابن حجر: صدوق يهم (٦).
وهذا الحديث من أوهامه التي أنكرت عليه (٧). فهذا الحديث يناقض الأحاديث الصحيحة التي تنفي أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم نص علي تعيين أحد للخلافة بعده، ويناقض عمل الصحابة في اختيارهم أبا بكر وعمر وعثمان ﵃ للخلافة؛ إذ لم يذكر أحد منهم وقت الاختيار أن النبي صلي الله عليه وسلم نص علي أحد.
وقد سئلت عائشة ﵂: من كان رسول الله صلي الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلفه؟ قالت: أبو بكر. فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟. قالت: عمر.
_________
(١) (٢/ ٥٥٠) ح ١١٥٧.
(٢) (٨/ ٢٩٥) ح ٤٨٨٤.
(٣) كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للهيثمي: ١٨٥ ح ٥٩١.
(٤) (١/ ٢٧٧).
(٥) (٢/ ٤٣٩).
(٦) تقريب التهذيب: ٢٥٢.
(٧) انظر الضعفاء للبخاري: ٧٩، الضعفاء الكبير للعقيلي (١/ ٢٩٧)، كتاب المجروحين لا بن حبان (١/ ٢٧٧). العلل المتناهية لا بن الجوزي (١/ ٢١٠)، ميزان الاعتدال للذهبي (٢/ ٣١٠).
1 / 172
ثم قيل لها: من بعد عمر؟. قالت: أبو عبيدة بن الجراح. ثم انتهت إلي هذا (١).
قال النووي: وفيه دلالة لأهل السنة أن خلافة أبي بكر ليست بنص من النبي صلي الله عليه وسلم علي خلافته صريحا، بل أجمعت الصحابة علي عقد الخلافة له وتقديمه؛ لفضيلته. ولو كان هناك نص عليه أو علي غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولا، ولذكر حافظ النص ما معه، ولرجعوا إليه؛ لكن تنازعوا أولا ولم يكن هناك نص، ثم اتفقوا علي أبي بكر واستقرّ الأمر (٢).
٢ - وروى البخاري في «التاريخ الأوسط» (٣) قال: حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة عن الحكم قلت لمقسم: إني أوتر بثلاث؟ فقال: لا إلا بخمس أو سبع. فقلت: عمن؟ قال: عن الثقة عن عائشة وميمونة عن النبي صلي الله عليه وسلم.
وقال سفيان: عن منصور عن الحكم عن مقسم عن أم سلمة عن النبي صلي الله عليه وسلم.
ثم قال البخاري مضعفا هذا الحديث: ولا يعرف لمقسم سماع من أم سلمة، ولا ميمونة، ولا عائشة. وقال ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثني مثني، والوتر ركعة من آخر الليل». وحديث ابن عمر أثبت، وقول النبي صلي الله عليه وسلم ألزم. حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال: «مثني مثني، فإذا خشي أحدكم الصبح صلّي ركعة توتر له ما قد صلّي».
فقد أعلّ البخاري حديث مقسم الذي يمنع من الوتر بثلاث بانقطاع سنده، وبمخالفة متنه السنة الصحيحة التي تصرح بجواز ذلك.
وحديث مقسم رواه أحمد في مسنده (٤) قال: حدثنا يحيى عن شعبة
_________
(١) رواه مسلم في فضائل الصحابة - باب من فضائل أبي بكر الصديق: ١٠٩٨ ح ٢٣٨٥.
(٢) شرح النووي علي صحيح مسلم (١٥/ ١٥٤).
(٣) (١/ ٤٣٨) برقم ٩٨٤.
(٤) (٤٢/ ٣٩٤) ح ٢٥٦١٦.
1 / 173
قال: حدثني الحكم قال: قلت لمقسم: أوتر بثلاث، ثم أخرج إلي الصلاة؛ مخافة أن تفوتني؟ قال: لا وتر إلا بخمس أو سبع. قال: فذكرت ذلك ليحيى بن الجزار ومجاهد، فقالا لي: سله عمن؟ فقلت له، فقال: عن الثقة عن عائشة وميمونة عن النبي صلي الله عليه وسلم.
وأخرجه النسائي (١) من طريق سفيان بن الحسين عن الحكم عن مقسم قال: الوتر سبع فلا أقل من خمس. فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: عمن ذكره؟ قلت: لا أدري. قال الحكم: فحججت فلقيت مقسما، فقلت له: عمن؟ قال: عن الثقة عن عائشة وعن ميمونة.
وهذا سند ضعيف، بسبب الرجل المبهم الذي وصفه الحكم بأنه ثقة. وحديث المبهم لا يقبل ولو أبهم بلفظ التعديل كما هو موضح في كتب علوم الحديث (٢).
٣ - وذكر البخاري في «التاريخ الأوسط» (٣) حديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس: وقف النبي صلي الله عليه وسلم، وردفه الفضل بعرفة، ثم أفاض فلم أرها (٤) رافعة يدها عادية حتي أتي جمعا (٥)، قال أسامة: ثم أردفني، ووقف جمعا وردفه أسامة، ثم أفاض يبادر طلوع الشمس فلم أرها رافعة يدها حتي أتي مني، قال: ونحن علي حُمرات لنا، فجعل يضرب أفخاذنا، ويقول: «بني، أفيضوا، ولا ترموا الجمرة حتي تطلع الشمس».
وهذا الحديث رواه أحمد في مسنده (٦) عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس به بنحوه.
_________
(١) في كتاب قيام الليل - باب كيف الوتر بخمس: ٢٢٠١ ح ١٧١٧.
(٢) انظر معرفة أنواع علم الحديث لا بن الصلاح: ٢٢٠، نزهة النظر لا بن حجر: ١٢٥.
(٣) (١/ ٤٣٩).
(٤) في رواية أحمد (٤/ ٢٤٩) ح ٢٤٢٧: فما رأيت ناقة رافعة يدها.
(٥) يعني مزدلفة.
(٦) (٤/ ٣٠٥) ح ٢٥٠٧.
1 / 174
ثم قال البخاري مضعفا هذا الحديث: والمستفيض عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم أردف أسامة من عرفة إلي جمع. وكذلك قال أسامة: أردفني النبي صلي الله عليه وسلم، فقلت: الصلاة. فقال: «الصلاة أمامك»، ثم أردف الفضل من جمع إلي مني (١).
ثم قال البخاري: وحديث الحكم هذا عن مقسم مضطرب؛ لما وصفنا. ولا يدري الحكم سمع هذا من مقسم أم لا؟
ثم ذكر البخاري خمسة أحاديث تثبت أنهم رموا الجمرة قبل طلوع الشمس:
- حديث شعبة مولي ابن عباس عن ابن عباس: بعثني النبي صلي الله عليه وسلم مع أهله إلي مني يوم النحر فرمينا الجمرة مع طلوع الفجر (٢).
- وحديث عائشة بنت طلحة عن خالتها عائشة أم المؤمنين أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر إحدى نسائه، وهي سودة، أن تنفر من جمع ليلة جمع، فتأتي جمرة العقبة، فترميها، فتصبح في منزلها (٣).
- وحديث عبد الله مولي أسماء أنها ارتحلت من جمع حين غاب القمر، فمضينا حتي رمت الجمرة، ثم رجعت، فصلّت الصبح، فقلت لها، فقالت: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم أذن للظعن (٤).
- وحديث سالم عن ابن عمر قال: فمنهم من تقدم مني ليلا ومنهم من
_________
(١) رواه البخاري في كتاب الحج - باب النزول بين عرفة وجمع: ١٣١ ح ١٦٦٩، ومسلم في كتاب الحج - باب الإفاضة من عرفات: ٨٩١ ح ٣١٠٢ من طريق كريب عن أسامة بن زيد به.
(٢) رواه أحمد في مسنده (٥/ ٣٣١) ح ٣٣٠٤.
(٣) رواه النسائي في كتاب المناسك - باب الرخصة في ذلك للنساء (يعني رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس) ص ٢٢٨٤ ح ٣٠٦٨.
(٤) رواه البخاري في كتاب الحج - باب من قدم ضعفة أهله بليل: ١٣٢ ح ١٦٧٩، ومسلم في كتاب الحج - باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن: ٨٩٢ ح ٣١٢٢.
1 / 175
تقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة. وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلي الله عليه وسلم (١).
- وحديث أم سلمة ﵂ أنها فعلت ذلك (٢).
قال البخاري: وحديث هؤلاء أكثر في الرمي قبل طلوع الشمس وأصح.
فقد أعلّ البخاري حديث مقسم بمخالفة متنه الأحاديث الصحيحة التي تثبت أن رديف النبي صلي الله عليه وسلم من عرفة إلي مزدلفة كان أسامة بن زيد وليس الفضل، وأن الذين رخص لهم في الانصراف من مزدلفة بليل قد رموا جمرة العقبة قبل طلوع الشمس.
٤ - وذكر البخاري في «التاريخ الأوسط» (٣) حديث عبد الرحمن بن مغراء عن رشدين بن كريب مولي ابن عباس عن ابن عباس رفعه قال: «لا تصلّوا إلي قبر، ولا علي قبر».
ثم روى حديثا أعلّ به هذا الحديث فقال: حدثنا أبو عاصم عن سفيان عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم صلّي علي قبر (٤).
ثم قال البخاري: وهذا أصح. وروى أبو هريرة (٥) وغير واحد (٦) أن النبي صلي الله عليه وسلم صلّي علي قبر.
_________
(١) رواه البخاري في كتاب الحج - باب من قدم ضعفة أهله بليل: ١٣٢ ح ١٦٧٦، ومسلم في كتاب الحج - باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن: ٨٩٣ ح ٣١٣٠.
(٢) رواه أبو داود في كتاب المناسك - باب التعجيل من جمع: ١٣٦٧ ح ١٩٤٢ من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: أرسل النبي صلي الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلي الله عليه وسلم، تعني عندها.
(٣) (٢/ ٤٦).
(٤) رواه البخاري في كتاب الأذان - باب وضوء الصبيان ٦٨ ح ٨٥٧، ومسلم في كتاب الجنائز - باب الصلاة علي القبر: ٨٢٨ ح ٢٢١١.
(٥) رواه البخاري في كتاب الصلاة - باب كنس المسجد: ٣٩ ح ٤٥٨، ومسلم في كتاب الجنائز - باب الصلاة علي القبر: ٨٢٨ ح ٢٢١٦.
(٦) منهم أنس ﵁، وأخرج حديثه مسلم في كتاب الجنائز - باب الصلاة علي القبر: ٨٢٨ ح ٢٢١٤.
1 / 176
فقد أعلّ البخاري حديث رشدين الذي ينهي عن الصلاة علي القبر، بمخالفته السنة الصحيحة التي تثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم صلّي علي قبر.
وحديث رشدين رواه الطبراني (١) قال: حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا عبد الرحمن بن مغراء حدثنا رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «لا يصلى إلي قبر، ولا علي قبر».
وهذا سند ضعيف لأجل رشدين بن كريب فإنه ضعيف، ويروي مناكير (٢).
٥ - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (٣) حديث عبد الواحد بن نافع عن عبد الرحمن بن رافع بن خديج عن أبيه أنه كان يسمع النبي صلي الله عليه وسلم يأمر بتأخير العصر.
قال البخاري: ولا يتابع عليه.
ثم روى حديثا صحيحا يخالف هذا الحديث، وهو حديث أبي النجاشي عن رافع بن خديج أنه قال: كنا نصلّي مع النبي صلي الله عليه وسلم العصر، ثم ننحر الجزور فنقسم عشر قسم، ثم نطبخ، فنأكل لحمًا نضيجا قبل أن تغرب الشمس (٤).
قال البخاري: وهذا أصح.
وقد ذكر البخاري حديث عبد الواحد بن نافع هذا في «التاريخ الأوسط» (٥) أيضا ثم أعلّه بقوله: وعبد الواحد لم يتبين أمره. ويروى عن النبي صلي الله عليه وسلم من وجوه أنه كان يعجل العصر. ثم ذكر حديث أبي النجاشي عن رافع بن خديج السابق، وحديث أنس ﵁ قال: كنا نصلّي مع النبي العصر،
_________
(١) في المعجم الكبير (١١/ ٤١١) ح ١٢١٦٨.
(٢) انظر تهذيب الكمال (٩/ ١٩٧).
(٣) (٥/ ٨٩).
(٤) رواه البخاري في كتاب الشركة - باب الشركة في الطعام: ١٩٦ ح ٢٤٨٥، ومسلم في كتاب المساجد - باب استحباب التبكير بالعصر: ٧٧٥ ح ١٤١٥.
(٥) (٢/ ٤٨).
1 / 177
فيسير الراكب ستة أميال، قبل أن تغيب الشمس (١)، وحديث عائشة ﵂ قالت: كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلّي العصر، والشمس طالعة في حجرتي قبل أن يظهر الفيء (٢).
فقد أعلّ البخاري حديث عبد الواحد بن نافع بمخالفته الأحاديث الصحيحة وما روي في معناها، والتي تثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يعجل صلاة العصر.
وحديث عبد الواحد أخرجه الدارقطني في «سننه» (٣) من طريق أبي سلمة، والطبراني في «معجمه الكبير» (٤) من طريق حرمي بن عمارة، عن عبد الواحد به بنحوه.
وقد تابع البخاري في إعلال هذا الحديث بالعلة نفسها الدارقطني، فقال: وهذا حديث ضعيف الإسناد من جهة عبد الواحد هذا؛ لأنه لم يروه عن ابن رافع بن خديج غيره. وقد اختلف في اسم ابن رافع هذا. ولا يصح هذا الحديث عن رافع ولا عين غيره من الصحابة. والصحيح عن رافع بن خديج وعن غير واحد من الصحابة عن النبي صلي الله عليه وسلم غير هذا، وهو التعجيل بصلاة العصر والتبكير بها (٥).
وعبد الواحد ذكره ابن حبان في المجروحين (٦) فقال: عبد الواحد بن نافع الكلاعي أبو الرماح شيخ يروي عن أهل الحجاز المقلوبات، وعن أهل
_________
(١) رواه الدارقطني في سننه (١/ ٤٧٩) ح ١٠٠٢، وفي سنده عبد الله بن شبيب، قال الذهبي في ميزان الاعتدال (٢/ ٤٣٨): إخباري علامة لكنه واه.
(٢) رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة - باب وقت العصر: ٤٥ ح ٥٤٥، ومسلم في كتاب المساجد - باب أوقات الصلوات الخمس: ٧٧٢ ح ١٣٨٢.
(٣) (١/ ٤٧٢) ح ٩٩٠.
(٤) (٤/ ٢٦٧) ح ٤٣٧٦.
(٥) سنن الدارقطني (١/ ٤٧٢)
(٦) (٢/ ١٥٤).
1 / 178
الشام الموضوعات، لا يحلّ ذكره في الكتب إلا علي سبيل القدح فيه. وهو الذي روى عن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبيه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير العصر.
٦ - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (١) حديث حرب بن عبيد الله عن خال له عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «ليس علي المسلمين عشور، إنما العشور علي اليهود والنصاري».
ثم قال البخاري معلاّ هذا الحديث: وقد فرض النبي صلي الله عليه وسلم العشر فيما أخرجت الأرض في خمسة أوسق.
فقد رأي البخاري حديث حرب الذي ينفي أن يكون علي المسلمين عشور مخالفا الأحاديث الصحيحة التي توجب إخراج العشر في زكاة الخارج من الأرض من الحبوب والثمار إذا بلغت النصاب، وهو خمسة أوسق، وكان مما يسقي بلا مؤونة.
ومن هذه الأحاديث الصحيحة حديث جابر بن عبد الله ﵄ أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم قال: «فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقي بالسانية نصف العشر». رواه مسلم (٢).
وحديث ابن عمر ﵄ عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر». رواه البخاري (٣).
وأما حديث حرب فأخرجه أبو داود (٤) قال: حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه
_________
(١) (٣/ ٦٠).
(٢) كتاب الزكاة - باب ما فيه العشر أو نصف العشر: ٨٣٢ ح ٢٢٧٢.
(٣) في كتاب الزكاة - باب العشر فيما يسقي من ماء السماء والماء الجاري: ١١٧ ح ١٤٨٣.
(٤) في كتاب الخراج - باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارة: ١٣٥٢ ح ٣٠٤٦.
1 / 179
عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إنما العشور علي اليهود والنصاري، وليس علي المسلمين عشور».
وهذا حديث ضعيف؛ فحرب بن عبيد الله قال فيه ابن حجر: لين الحديث (١). وقد وقع في إسناد هذا الحديث اضطرب كثير (٢).
وذكر الترمذي أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا حديث فيه اضطراب. ولا يصح هذا الحديث (٣).
وقال عبد الحق الإشبيلي: هو حديث في إسناده اختلاف، ولا أعلمه من طريق يحتج به (٤).
٧ - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (٥) حديث الأخنسي عن جدته حكيمة بنت أمية عن أم سلمة أنها سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: «من أهلّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه».
ثم أعلّ البخاري هذا الحديث فقال: ولا يتابع في هذا الحديث؛ لما وقت النبي صلي الله عليه وسلم ذا الحليفة والجحفة، واختار أن أهلّ النبي صلي الله عليه وسلم من ذي الحليفة.
فقد رأي البخاري حديث الأخنسي الذي فيه الترغيب في الإهلال بالحج أو العمرة من المسجد الأقصي يناقض أحاديث المواقيت التي وقتها رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأمر بالإحرام منها، وأحرم هو صلي الله عليه وسلم من ذي الحليفة ميقات أهل المدينة، فلو كان الإحرام من المسجد الأقصي أفضل لفعله النبي صلي الله عليه وسلم.
وقد بوّب البخاري علي ذلك في كتاب الحج من صحيحه فقال: باب
_________
(١) تقريب التهذيب: ٢٢٨.
(٢) انظر أوجه هذا الاضطراب في تهذيب الكمال (٥/ ٥٢٨)، وحاشية تحقيق مسند أحمد طبعة الرسالة (٢٥/ ٢٣٠).
(٣) علل الترمذي: ١٠٣.
(٤) الأحكام الوسطي (٣/ ١١٧).
(٥) (١/ ١٦٠).
1 / 180
ميقات أهل المدينة ولا يهلّون قبل ذي الحليفة. وروى بسنده عن عبد الله بن عمر ﵄ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «يهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهلّ أهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن» (١). ثم روى بعد ذلك في باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة (٢) بسنده عن ابن عمر ﵄ أنه قال: ما أهلّ رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا من عند المسجد، يعني مسجد ذي الحليفة.
أما حديث الأخنسي فرواه أبو داود (٣) قال: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي عن جدته حكيمة عن أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «من أهلّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» أو «وجبت له الجنة» شك عبد الله أيتهما.
ورواه ابن ماجه (٤) من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن أبي سفيان عن أمه أم حكيم بنت أمية عن أم سلمة به بلفظ: «من أهلّ بعمرة من بيت المقدس كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب».
وهذا سند ضعيف. قال ابن حزم: أما هذان الأثران فلا يشتغل بهما من له أدني علم بالحديث؛ لأن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي وجدته حكيمة وأم حكيم بنت أمية لا يدري من هم من الناس. ولا يجوز مخالفة ما صحّ بيقين بمثل هذه المجهولات التي لا تصح قط (٥).
_________
(١) في كتاب الحج - باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة: ١٢٠ ح ١٥٢٥.
(٢) صحيح البخاري: ١٢١ ح ١٥٤١.
(٣) في كتاب المناسك - باب في المواقيت: ١٣٥٢ ح ١٧٤١.
(٤) في كتاب المناسك - باب من أهلّ بعمرة من بيت المقدس: ٢٦٥٨ ح ٣٠٠٢.
(٥) المحلي (٧/ ٧٦).
1 / 181
وقال المنذري: قد اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافا كثيرا (١).
٨ - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (٢) حديث الحارث بن عمرو السهمي قال: شهدت مع النبي صلي الله عليه وسلم حجة الوداع قال: «من شاء عتر، ومن شاء لم يعتر». ثم أشار البخاري إلي ضعفه فقال: وقال أبو هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم: «لا فرع ولا عتيرة»، وهذا أصح.
فقد أعلّ البخاري حديث الحارث الذي يرخص في العتيرة بالحديث الصحيح الذي يمنع من ذلك، وهو حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري (٣)، ومسلم (٤) من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ﵁ عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «لا فرع ولا عتيرة». والفرع أول النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب.
وأما حديث الحارث فقد أخرجه النسائي (٥) قال: أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله يعني ابن المبارك عن يحيى وهو ابن زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو الباهلي قال: سمعت أبي يذكر أنه سمع جده الحارث بن عمرو يحدّث أنه لقي رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو علي ناقته العضباء، فأتيته من أحد شقّيه فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي استغفر لي، فقال: «غفر الله لكم». ثم أتيته من الشق الآخر أرجو أن يخصّني دونهم، فقلت: يا رسول الله استغفر لي، فقال بيده: «غفر الله لكم».فقال رجل من الناس: يا رسول الله، العتائر والفرائع؟ قال: «من شاء عتر، ومن شاء لم يعتر. ومن شاء فرع، ومن شاء لم يفرع. في الغنم أضحيتها» وقبض أصابعه إلا واحدة.
_________
(١) مختصر سنن أبي داود (٢/ ٢٨٥).
(٢) (٢/ ٢٥٩).
(٣) في كتاب العقيقة - باب الفرع: ٤٧١ ح ٥٤٧٣.
(٤) في كتاب الأضاحي - باب الفرع والعتيرة: ١٠٣٠ ح ٥١١٦.
(٥) في كتاب الفرع والعتيرة - باب لا فرع ولا عتيرة: ٢٣٦٤ ح ٤٢٣١.
1 / 182
وهذا سند ضعيف؛ وقد ضعفه عبد الحق الإشبيلي وقال: زرارة هذا لا يحتج بحديثه. قال ابن القطان: يعني بذلك أنه لا تعرف حاله. ثم ذكر ابن القطان أن ابنه يحيى أيضا لا تعرف حاله (١).
٩ - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (٢) حديث زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة الأنصاري في أكل الضب. وهو حديث رواه أبو داود (٣) قال: حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن حصين عن زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضبابا. قال: فشويت منها ضبا، فأتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم، فوضعته بين يديه. قال: فأخذ عودا، فعدّ به أصابعه، ثم قال: «إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض، وإني لا أدري أي الدواب هي». قال: فلم يأكل ولم ينه.
وقد تابع حصين بن عبد الرحمن كل من عدي بن ثابت ويزيد بن أبي زياد عن زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة عن النبي صلي الله عليه وسلم به، وخالفهم الأعمش فرواه عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة عن النبي صلي الله عليه وسلم (٤).
وحديث الأعمش أخرجه أحمد في مسنده (٥) قال: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة قال: كنا مع النبي صلي الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا أرضا كثيرة الضباب. قال: فأصبنا منها وذبحنا. قال: فبينا القدور تغلي بها؛ إذ خرج علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: «إن أمة من بني إسرائيل فقدت، وإني أخاف أن تكون هي فأكفئوها»، فأكفأناها.
_________
(١) بيان الوهم والإيهام (٣/ ٢٦٤).
(٢) (٢/ ١٧٠).
(٣) في كتاب الأطعمة - باب في أكل الضب: ١٥٠٣ ح ٣٧٩٥.
(٤) انظر تفصيل هذا الاختلاف في علل الترمذي: ٢٩٦، وحاشية تحقيق المطالب العالية (١٠/ ٥٤٣).
(٥) (٢٩/ ٢٩٢) ح ١٧٧٥٧.
1 / 183