الأضواء والشعاع على كتاب الإقناع

الأضواء والشعاع على كتاب الإقناع

خپرندوی

دار خضر

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

۱۴۱۹ ه.ق

د خپرونکي ځای

مكة المكرمة

ژانرونه

حنبلي فقه

سلسلة مؤلفات

الشيخ / عبد الله بن محمد بن دهيش

(٢)

الأضواء والشعاع على

كتاب الإقناع

طبع على نفقة ابنه

الدكتور / عبد الملك بن دهيش

مكة المكرمة

١٤١٩هـ / ١٩٩٨م

1

(ح) بن دهيش، عبد الله بن عمر

فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر

الأضواء والشعاع على كتاب الإقناع - مكة المكرمة.

... ص ؛ .. سم

ردمك ٣-٣٥٠-٠٣-٩٩٦٠

١٨/٣٧٤٤

١ - العبادات (فقه إسلامي)

أ- العنوان

دیوي ٢٥٢

رقم الإيداع: ١٨/٣٧٤٤

ردمك: ٣-٣٥٠-٠٣-٩٩٦٠

جميع الحقوق محفوظة

للدكتور عبد الملك بن دهيش

الطبعة الأولى

١٤١٩ هـ / ١٩٩٨م

يطلب مِن

مكتبة ومطبعة النهضة الحَدِيثَّة

مكة المكرمة - تَلْفَاكْس: ٧٤٤٥٥

دار خضر

للطباعة والنشر والتوزيع

ص.ب: ١٢/٦١٤١

بيروت، لبنان

2

الأضواء والشعاع

على

كتاب الإقناع

3

-

4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

5

-

6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، ومن دعا بدعوته وسار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين .

وبعد :

فإني أقدم لطلبة العلم الشرعي خاصة ، وللمسلمين عامة ، كتاب (الأضواء والشعاع على كتاب الإقناع) للشيخ العلامة عبد الله بن عمر بن دهيش الحنبلي رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته .

أقدم هذا الكتاب القيم في مادته وبابه واستفاضته الواسعة الشاملة ، حيث أن المؤلف رحمه الله تعالى من العلماء المشهود لهم بالعلم والتتبع والتدقيق والتحقيق ، وقد توج هذه المكانة العلمية الرفيعة بأن تولى رئاسة المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة سنوات عديدة.

هذا وقد كان منهج المؤلف رحمه الله تعالى منهجاً علمياً دقيقاً إذ أنه وضع مقدمة لهذا، وقد اشتملت على ما يلي :

أولاً : حصر عدد الفقهاء من الصحابة الكرام وممن كان لهم اهتمام بالفتيا، إذ بلغ عددهم ما ينوف على الثلاثين والمائة صحابي ، ثم صنفهم إلى ثلاثة مراتب :

  1. المرتبة الأولى : المكثرون ، وعددهم سبعة .

  2. المرتبة الثانية : المتوسطون ، وعددهم ثلاثة عشر.

  3. المرتبة الثالثة : المقلون ، وهم بقية العدد .

ثانياً : بين أن العلم والفقه انتشر في الأمة عن أربعة من الصحابة الكرام ، وأصحابهم هم :

7

١) أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقد أخذ أهل العراق عنهم.

٢) أصحاب زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقد أخذ أهل المدينة عنهم.

٣) أصحاب عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وقد أخذ أهل المدينة عنهم.

٤) أصحاب عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وقد أخذ أهل مكة عنهم.

ثالثاً: بعد الصحابة الكرام انتقلت الفتوى إلى التابعين ومنهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير وأمثالهما.

رابعاً: بعد موت العبادلة رضي الله عنهم انتقل الفقه في جميع البلدان إلى الموالي، فكان فقيه أهل مكة المكرمة: عطاء بن رباح، وفقيه أهل المدينة المنورة: سعيد بن المسيب، وفقيه أهل اليمن: طاووس، وفقيه أهل اليمامة: يحيى بن أبي كثير، وفقيه أهل الكوفة: إبراهيم النخعي، وفقيه أهل البصرة: الحسن البصري.

خامساً: قام بحصر عدد المفتين في كل من: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والكوفة، والشام، ومصر، والقيروان، والأندلس، واليمن، وبغداد.

سادساً: اهتم بوجه خاص ومركز بذكر الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إمام أهل السنة والجماعة بلا منازع، إذ ذكر الأصول التي اعتمد عليها في فقهه وفتواه وهي:

١) النصوص من الكتاب والسنة.

٢) فتوى الصحابة الكرام.

٣) إذا اختلف الصحابة الكرام تخير من أقوالهم.

٤) الأخذ بالحديث المرسل والحديث الضعيف.

٥) القياس.

8

كما أنه تعرض بشكل تفصيلي إلى الجوانب العلمية التي تميز بها الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وذلك من اعتماده على النصوص في الاستدلال أكثر من غيره من الأئمة الأعلام، ثم أشار إلى مقدار الأحاديث التي حفظها الإمام أحمد رضي الله عنه. ثم تعرض إلى مصطلحاته الفقهية وعددها، وبيّن المراد بكل مصطلح من هذه المصطلحات والترجيح بينها.

سابعاً: ثم عرض الأحكام الشرعية الخمسة وهي: الواجب، والندب، والحرام، والمكروه، والمباح.

ثامناً: وضّح مراتب المجتهدين وهي خمسة مراتب، وفصل فيها تفصيلاً علمياً دقيقاً.

ثم بعد المقدمة، بدأ في شرح خطة كتاب ((الإقناع))، وكان بارعاً بهذا الشرح؛ إذ جاء شرحاً وافياً واسعاً، إن دلّ على شيء إنما يدل على علم غزير، وملكة واسعة، واطلاع كبير على علمي اللغة العربية والفقه الإسلامي وأدلته.

وبعد الانتهاء من شرح المقدمة بدأ بموضوع الكتاب العلمي، وابتدأ بكتاب الطهارة وانتهى بكتاب التيمم. ومن المؤسف حقاً أن المؤلف لم يتم الكتاب، ولو قدر الله عز وجل وأتمه لكان في هذا فائدة علمية كبيرة، ولكن قدر الله وما شاء فعل.

والحمد لله رب العالمين على قضائه وقدره. ولما قيل: ما لا يُدرك كله لا يُترك جلّه. فقد طبع الكتاب بهذا القدر وبالموضوعات التي تناولها بالشرح والبيان والتفصيل.

9

هذا وقد كان منهج المؤلف رحمه الله تعالى في هذا المؤلّف هو: الاستعراض للمذاهب الأربعة في كثير من مسائل الكتاب، ثم الاعتناء بشكل خاص بالمذهب الحنبلي حيث يذكر كافة الآراء في المسألة الواحدة، ثم يرجح ما يراه راجحاً، وقد كان موفقاً بهذه الترجيحات.

كما أن المؤلف اعتمد على المصادر الكثيرة المتعددة، والتي هي العمدة في كل مذهب من هذه المذاهب.

وأخيراً أقول بأن الدافع لإخراج هذا الكتاب وطبعه بعد وفاة المؤلف رحمه الله تعالى هو البرّ بالوالد بعد وفاته، وامتثالاً لقول الرسول ﷺ:

((إذا مات ابن آدم انقطع عمله من الدنيا إلا من ثلاث: صدقة جارية وولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به الناس)).

فمن باب تحقيق البر بالوالد، واستمراريته والدعاء له، ووصالاً لهذا البر، قمت بطبع هذا الكتاب، كما أنه تحقيقاً لأن ينتفع الوالد رحمه الله من العلم الذي خلفه، ولم يظهر للناس للاستفادة منه، ومن ثم بالدعاء له.. لكل هذا وغيره.. عزمت على طبع هذا الكتاب.

والله أسأل أن يثيب الوالد رحمه الله تعالى ثواباً جزيلاً واسعاً على ما قدّم من علم في هذا الكتاب، وأن لا يحرمني أجر البر به، والثواب على ذلك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور/ عبد الملك بن عبد الله بن دهيش

١٤١٩/٢/١هـ

10

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصلى الله عليه وآله وصحبه، وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أحمده سبحانه الذي عم بريته بفضله العميم، ووسع خلقه بإحسانه القديم، وهدى صفوته إلى صراطه المستقيم، ونهج شرعته على المنهج القويم، وسع كل شيء رحمة وعلماً على الإجمال والتقسيم، ولم يزل قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، أرسل محمداً عبده ورسوله إلى خلقه أجمعين، بالآيات والذكر الحكيم، ففتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وهدى به من الجهل العميم.

أما بعد: فقد طلب مني بعض طلبة العلم أن أبين لهم الصحيح مما ورد في كتاب ((الإقناع)) في الفقه على مذهب إمام أهل السنة الإمام المبجل أحمد بن محمد بن حنبل البغدادي (ت ٢٤١ هـ) لمؤلفه قاضي دمشق أبي النَّجى الشيخ شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي الحنبلي المقدسي (ت ٩٦٨ هـ)، فبينت فيما علقته على هذا الكتاب المذكور ما هو المذهب، وما هو الصحيح من المذهب، وما اختاره أئمة التحقيق، منهم شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبدالسلام ابن تيمية ٧٢٨ هـ، ربّاني الأمة ومحيي السنة بحر العلوم العقلية والنقلية، فإنه من أكبر أئمة هذا المذهب ومحققيه، وتلميذه شمس الدين المحقق أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف

11

بابن قيم الجوزية المقدسي (ت ٧٥١هـ)، والإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب (ت ١٢٠٦هـ)، وأئمة دعوته المباركة، فإنهم رحمهم الله تعالى أئمة الهدى ومصابيح الدجى فهم وإن انتسبوا لمذهب الإمام أحمد فليسوا بجامدين ولامتعصبين على قول أحد، بل هم مجتهدون سائرون مع الدليل حيث كان، ومع من كان رضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنة الفردوس متبوأهم ومثواهم وقصدي من هذا التعليق بيان رؤوس المسائل ومابقيت عليه من الدلائل، بياناً يؤسس قواعدها ويتم مقاصدها فاستخرت الله تعالى، واجبتهم راجياً من الله تحقيق محمود الأمل، وإخلاص صالح العمل، والإعانة على الإبانة والهداية إلى الدراية، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، فإنه حسبنا ونعم الوكيل.

وكتبه

عبد الله بن عمر بن دهيش

12

مقدمة الكتاب:

اعلم أنه لما كان العلم النافع هو ما كان لسعادة العبد في معاشه ومعاده كفيلاً، وعلى طريق هذه السعادة دليلاً، كان أشرف العلوم علم التوحيد وقد أفرد بالتأليف النافعة الكافية، وأنفع هذه العلوم على أحكام أفعال العبيد في العبادات والمعاملات وسائر التصرفات ولا سبيل إلى اقتباس هذين النورين، وتلقي هذين العلمين إلا من مشكاة النبوة المتلقاة من أقوال وأفعال وتقريرات النبي محمد الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ﷺ ولما كان التلقي عنه ﷺ بغير واسطة هو حظ أصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وكان المبرّز بعدهم هو من اتبع منهاجهم، وقد بلّغوا عن نبيهم ﷺ جميع أفعاله وأقواله وتقريراته، فمنهم الجهابذة حفاظ الحديث، ومنهم فقهاء الإسلام ومن دارت الفُتْيا على أقوالهم بين الأنام الذين حطهم الله باستنباط الأحكام، فاعتنوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فإنه ﷺ قد بَلّغ البلاغ المُبين وأدى الرسالة ونصح الأمة وتركها على المَحَجَّة البيضاء، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، وقد قام بالفُتيا بعد وفاة النبي ﷺ أصحابه الكرام البررة الأعلام، فإنهم كانوا حملة القرآن وحفاظ السنة في صدر الإسلام جعلهم الله مصابيحاً للأنام، فمنهم حفاظ أهل رواية، ومنهم ذوو الأفهام والدراية، وهذا النوع الثاني منهم ينيف على ثلاثين ومائة عالم، وكان المكثرون منهم سبعة هم عمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأم المؤمنين عائشة، وزيد بن

13

ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد من هؤلاء سفر ضخم.

والمتوسطون من الصحابة فيما روي عنهم من الفُتيا وهم: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن جبل، فهؤلاء وهم ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فُتيا كل واحد منهم جزء صغير جداً، ويضاف إليهم: طلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حصين، وأبو بكرة، وعبادة بن الصامت، ومعاوية بن أبي سفيان، والباقون منهم مقلون في الفُتيا لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة على ذلك؛ يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث، وهم: أبو الدرداء، وأبو اليسر، وأبو سلمة المخزومي، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، والحسن والحسين أبناء علي، والنعمان بن بشير، وأبو مسعود، وأُبيّ بن كعب، وأبو أيوب، وأبو طلحة، وأبو ذر، وأم عطية، وصفية أم المؤمنين، وحفصة أم المؤمنين، وأم حبيبة أم المؤمنين، وأسامة بن زيد، وجعفر بن أبي طالب، والبراء بن عازب، وقرظة بن كعب، ونافع أخو أبي بكرة لأمه، والمقداد بن الأسود، وأبو السنابل، والجارود، والعبدي، وليلى بنت قائف، وأبو محذورة، وأبو شريح الكعبي، وأبو برزة الأسلمي، وأسماء بنت أبي بكر، وأم شريك،

14

والخولاء بنت تويت، وأسيد بن الحضير، والضحاك بن قيس، وحبيب ابن سلمة، وعبد الله بن أنيس، وحذيفة بن اليمان، وثمامة بن آثال، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو الفادية السلمي، وأم الدرداء الكبرى، والضحاك بن خليفة المازني، والحكم بن عمرو الغفاري، ووابصة بن مَعْبْد الأسدي، وعبد الله بن جعفر البرمكي، وعوف بن مالك، وعدي بن حاتم، وعبدالله بن أبي أوفى، وعبد الله سلام، وعمرو بن عبسة، وعتّاب بن أسيد، وعثمان بن أبي العاص، وعبد الله بن سَرْجس، وعبد الله بن رواحة، وعقيل بن أبي طالب، وعائذ بن عمرو، وأبو قتادة عبد الله بن معمر العدوي، وعمير بن سلمة، وعبد الله ابن أبي بكر الصديق، وعبد الرحمن أخوه، وعاتكة بنت زيد بن عمرو، وعبد الله بن عوف الزهري، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأبو منيب، وقيس بن سعد، وعمرو بن مقرن، وعبد الرحمن بن سهل، وسمرة بن جندب، وسهل بن سعد الساعدي، وسويد بن مقرن، ومعاوية بن الحكم، وسهلة بنت سهيل، وأبو حذيفة بن عتبة، وسلمة بن الأكوع، وزيد بن أرقم، وجرير بن عبد الله البجلي، وجابر بن سلمة، وجويرية أم المؤمنين، وحسان بن ثابت، وحبيب بن عدي، وقدامة بن مظعون، وعثمان بن مظعون، وميمونة أم المؤمنين، ومالك بن الحويرث، وأبو أمامة الباهلي، ومحمد بن مسلمة، وخباب بن الأرت، وخالد بن الوليد، وضمرة بن الفيض، وطارق بن شهاب، وظهير بن رافع، ورافع بن خديج، وسيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله ﷺ، وفاطمة بنت قيس، وهشام بن حكيم بن حزام، وأبوه

15

حكيم بن حزام، وشرحبيل بن السمط، وأم سلمة، ودحية بن خليفة الكلبي، وثابت بن قيس بن الشماس، وثوبان مولى رسول الله ﷺ، والمغيرة بن شعبة، وبريدة بن الخصيب الأسلمي، ورويفع بن ثابت، وأبو حميد، وأبو أسيد، وفضالة بن عبيد، وأبو محمد روينا عنه وجوب الوتر، قلت: أبو محمد هو مسعود بن أوس الأنصاري، نجاري بدري، وزينب بنت أم سلمة، وعتبة بن مسعود، وبلال المؤذن، وعروة بن الحارث، وسياه بن روح أو روح بن سياه، وأبو سعيد بن المعلى، والعباس بن عبدالمطلب، وبشر بن أرطاة، وصهيب بن سنان، وأم أيمن، وأم يوسف، وأبو عبد الله البصري، إلى آخر ما ذكره المحقق ابن القيم في إعلام الموقعين عن أبي محمد علي بن حزم (ت ٤٥٦ هـ).

فصل

والدين والفقه والعلم انتشر في الأمة عن أصحاب: ابن مسعود، وأصحاب زيد بن ثابت، وأصحاب عبد الله بن عمر، وأصحاب عبد الله بن عباس؛ فعلم الناس عامته عن أصحاب هؤلاء الأربعة؛ فأما أهل المدينة فعلمهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس، وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود، ثم صارت الفتوى في أصحاب هؤلاء من التابعين كسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأمثالهما ولما مات العبادلة: عبد الله بن عباس هـ، وعبد الله بن زبير، وعبد الله بن عمرو بن

16

العاص، وعبد الله بن عمر، صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي، فكان فقيه أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وفقيه أهل اليمن طاووس، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير، وفقيه أهل الكوفة إبراهيم النخعي، وفقيه أهل البصرة الحسن البصري، وفقيه أهل الشام مكحول، وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني، وفقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب، وهو قرشي وكان سعيد بن المسيب صهر أبي هريرة زوجه أبو هريرة ابنته وكان إذا رآه قال: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة ولهذا أكثر عنه من الرواية.

فصل

وكان المفتون من المدينة من التابعين سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبا بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود، هؤلاء هم الفقهاء السبعة بالمدينة وقد نظمهم القائل فقال:

إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة

فقل هم عبيد الله، عروة، قاسم سعيد أبو بكر، سليمان، خارجة

وكان المفتون بمكة المكرمة عطاء بن رباح، وطاووس بن كيسان ومجاهد بن جبر، وعبيد بن عمير، وعمرو بن دينار، وعبد الله بن مليكة، وعبد الرحمن بن سابط، وعكرمة، ثم من بعدهم: أبو الزبير المكي، عبد الله بن خالد بن أسيد، عبد الله بن طاووس، ثم من بعدهم:

17

عبد الملك بن جريج، وسفيان بن عيينة، وبعدهم : مسلم بن خالد الزنجي، وسعيد بن سالم القداح، وبعدهما : الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ثم عبد الله بن الزبير الحميدي، وإبراهيم بن محمد الشافعي ابن عم الإمام محمد المذكور.

وكان من مشاهير المفتين بالبصرة : عمرو بن سلمة الجرمي، والحسن البصري، وأدرك خمسمائة من الصحابة، ومحمد بن سيرين، ثم بعدهم : أيوب السختياني، وسليمان التيمي، وإياس بن معاوية القاضي، وبعدهم : سوار القاضي، وطلحة بن إياس القاضي.

وكان من المفتين بالكوفة: علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي وهو عم علقمة، وأمثالهم من أصحاب علي، وابن مسعود في الكوفة، وكان أكابر التابعين من هؤلاء وأمثالهم يفتون في الدين ويستفتيهم الناس، وأكابر الصحابة حاضرون ويجوزون لهم ذلك وأكثرهم أخذ عن عمر، وعائشة، وعلي.

ثم من بعدهم إبراهيم النخعي، وعامر الشعبي، وسعيد بن جبير، وأمثالهم.

ثم من بعدهم حماد بن أبي سليمان، وسليمان بن المعتمر، وسليمان الأعمش.

ثم من بعدهم : محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وشريك القاضي، وسفيان الثوري، والإمام أبو حنيفة، والحسن بن صالح بن حي.

18

ثم من بعدهم : وكيع بن الجراح، وأصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف القاضي، وزفر بن هذيل، وحماد بن أبي حنيفة، والحسن بن زياد اللؤلؤي القاضي، ومحمد بن الحسن قاضي الرقة، وعافية القاضي، وأسد بن عمرو، ونوح بن دراج القاضي، وأصحاب سفيان الثوري، كالأشجعي، والمعافي بن عمران، ويحيى بن آدم، وأمثالهم.

وكان من المفتين بالشام : أبو إدريس الخولاني، وعبد الله بن أبي زكرية الخزاعي، وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي وأمثالهم. ثم كان من بعدهم : عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز الخليفة، ورجاء بن حيوة، وكان عبد الملك بن مروان يعد من المفتين قبل أن يلي ما ولي.

وكان من المفتين من أهل مصر: يزيد بن أبي حبيب، وبكير بن عبد الله بن الأشج، وبعدهم : عمرو بن الحارث، والليث بن سعد.

وبعدهم أصحاب مالك : كعبد الله بن وهب، وأشهب بن القاسم، ثم أصحاب الشافعي: كالمزني، والبويطي، وابن عبد الحكم، وكأبي جعفر الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة.

وكان بالقيروان : سحنون بن سعيد، وله كثير من الاختيار، وله كتاب ((المدونة)) في مذهب مالك.

وكان بالأندلس ممن له شيء من الاختيار من أصحاب مالك: يحيى بن يحيى، وعبد الملك بن حبيب، وبقي بن مخلد، وأمثالهم. وكيّوسُف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر.

19

وكان باليمن مطرف بن مازن، قاضي صنعاء، وعبد الرزاق بن همام، وهشام بن يوسف، وأمثالهم.

وكان بمدينة السلام بغداد: من المفتين خلق كثير ولما بناها المنصور أقدم إليها من الفقهاء والمحدثين بشراً كثيراً، وكان من أعيان المفتين بها، أبا عبيد القاسم بن سلام وكان جبلاً نفخ فيه الروح علماً وجلالةً ونبلاً وأدباً، وكان منهم أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي صاحب الإمام الشافعي، وكان قد جالسه وأخذ منه وكان إمامنا الإمام أحمد يعظمه، قاله المحقق ابن القيم في إعلام الموقعين، وقال: وكان ببغداد إمام أهل السنة على الإطلاق.

أبو عبد الله أحمد بن حنبل الذي ملأ الأرض علماً وحديثاً وسنة، حتى أن أئمة الحديث والسنة بعده هم أتباعه إلى يوم القيامة، وكان رضي الله عنه شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه، ويشتد عليه جداً، فعلم الله حسن نيته وقصده فكتب من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفْراً، ومنّ الله سبحانه علينا بأكثرها فلم يفتنا منها إلا القليل، وجمع الخلاّل نصوصه في الجامع الكبير فبلغ نحو عشرين سفراً أو أكثر، ورويت فتاويه ومسائله، وحدث بها قرناً بعد قرن فصارت إماماً وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى أن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلدين لغيره ليعظمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون لها حقها وقربها من النصوص وفتاوى الصحابة، ومن تأمل فتاواه، وفتاوى الصحابة رأى

20