اخلاق العلما
أخلاق العلماء
خپرندوی
رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - السعودية
أخبرنا أبو بكر عبد الله بن عبد الحميد الواسطي , أخبرنا زهير بن محمد , أخبرنا هدبة , أخبرنا حزم قال: سمعت مالك بن دينار يقول: «إنكم في زمان أشهب , لا يبصر زمانكم إلا البصير , إنكم في زمان نفخاتهم , قد انتفخت ألسنتهم في أفواههم , وطلبوا الدنيا بعمل الآخرة , فاحذروهم على أنفسكم , لا يوقعوكم في
[ص: 96]
شبكاتهم , يا عالم , أنت عالم تأكل بعلمك , يا عالم أنت تفخر بعلمك , يا عالم , أنت عالم تكاثر بعلمك , يا عالم , أنت عالم تستطيل بعلمك , لو كان هذا العلم طلبته لله لرئي ذلك فيك , وفي عملك» قال محمد بن الحسين: فإن قال قائل: فصف لنا أخلاق هؤلاء العلماء الذين علمهم حجه عليهم , حتى إذا رأينا من يشار إليه بالعلم اعتبرنا ما ظهر من أخلاقهم , فإذا رأينا أخلاقا لا تحسن بأهل العلم اجتنبناهم , وعلمنا أن ما استبطنوه من دناءة الأخلاق أقبح مما ظهر , وعلمنا أنه فتنة فاجتنبناهم , لئلا نفتتن كما افتتنوا , والله موفقنا للرشاد. قيل له: نعم , سنذكر من أخلاقهم ما إذا سمعها
[ص: 97]
من ينسب إلى العلم رجع إلى نفسه , فتصفح أمره , فإن كان فيه خلق من تلك الأخلاق المكروهة المذمومة استغفر الله , وأسرع الرجعة عنها إلى أخلاق هي أولى بالعلم , مما يقربهم إلى الله عز وجل , وتجافى عن الأخلاق التي تباعدهم عن الله. فمن صفته في طلبه للعلم: يطلب العلم بالسهو والغفلة , وإنما يطلب من العلم ما أسرع إليه هواه. فإن قال: كيف؟ قلت: ليس مراده في طلب العلم أنه فرض عليه ليتعلم كيف يعبد الله فيما يعبده من أداء فرائضه , واجتناب محارمه , إنما مراده في طلبه أن يكثر التعرف أنه من طلاب العلم , وليكون عنده فإذا كان عنده هذب نفسه , وكل علم إذا سمعه أو حفظه شرف به عند المخلوقين , سارع إليه , وخف في طلبه , وكل علم وجب عليه فيما بينه وبين ربه عز وجل أن يعلمه فيعمل به , ثقل عليه طلبه , فتركه على بصيرة منه , مع شدة فقره إليه. يثقل عليه أن يفوته سماع لعلم قد أراده , حتى يلزم نفسه بالاجتهاد في سماعه , فإذا سمعه هان عليه
[ص: 98]
ترك العمل به , فلم يلزمها ما وجب عليه من العمل به , كما ألزمها السماع فهذه غفلة عظيمة إن فاته سماع شيء من العلم , أحزنه ذلك , وأسف على فوته , كل ذلك بغير تمييز منه , وكان الأولى به أن يحزن على علم قد سمعه , فوجبت عليه به الحجة , فلم يعمل به , ذلك كان أولى به أن يحزن عليه ويتأسف , يتفقه للرياء , ويحاج للمراء , مناظرته في العلم تكسبه المأثم , مراده في مناظرته أن يعرف بالبلاغة , ومراده أن يخطئ مناظره , إن أصاب مناظره الحق أساءه ذلك. فهو دائب يسره ما يسر الشيطان , ويكره ما يحب الرحمن , يتعجب ممن لا ينصف في المناظرة , وهو يجور في المحاجة , يحتج على خطئه , وهو يعرفه , ولا يقر به , خوفا أن يذم على خطئه , يرخص في الفتوى لمن أحب , ويشدد على من لا هوى له فيه , يذم بعض الرأي , فإن احتاج الحكم والفتيا لمن أحب دله عليه , وعمل به , من تعلم منه علما , فهمته فيه منافع الدنيا , فإن عاد عليه خف عليه تعليمه , وإن كان ممن لا منفعة له فيه
[ص: 99]
للدنيا - وإنما منفعته الآخرة - ثقل عليه , يرجو ثواب علم ما لم يعمل به , ولا يخاف سوء عاقبة المساءلة عن تخلف العمل به , يرجو ثواب الله على بغضه من ظن به السوء من المستورين , ولا يخاف مقت الله على مداهنته للمهتوكين. ينطق بالحكمة , فيظن أنه من أهلها , ولا يخاف عظيم الحجة عليه لتركه استعمالها , إن علم ازداد مباهاة وتصنعا , وإن احتاج إلى معرفة علم تركه أنفا , إن كثر العلماء في عصره فذكروا بالعلم أحب أن يذكر معهم , إن سئل العلماء عن مسألة فلم يسأل هو , أحب أن يسأل كما سئل غيره , وكان أولى به أن يحمد ربه إذ لم يسأل , وإذ كان غيره قد كفاه. إن بلغه أن أحدا من العلماء أخطأ , وأصاب هو , فرح بخطأ غيره , وكان حكمه أن يسوءه ذلك. إن مات أحد من العلماء سره موته , ليحتاج الناس إلى علمه , إن سئل عما لا يعلم أنف أن يقول: لا أعلم , حتى يتكلف مالا يسعه في الجواب , إن علم أن غيره أنفع للمسلمين منه كره حياته , ولم يرشد الناس
[ص: 100]
إليه , إن علم أنه قال قولا فتوبع عليه , وصارت له به رتبة عند من جهله , ثم علم أنه أخطأ أنف أن يرجع عن خطئه , فيثبت بنصر الخطأ , لئلا تسقط رتبته عند المخلوقين. يتواضع بعلمه للملوك , وأبناء الدنيا , لينال حظه منهم بتأويل يقيمه , ويتكبر على من لا دنيا له من المستورين والفقراء , فيحرمهم علمه بتأويل يقيمه. يعد نفسه في العلماء , وأعماله أعمال السفهاء، قد فتنه حب الدنيا والثناء والشرف والمنزلة عند أهل الدنيا , يتجمل بالعلم كما تتجمل بالحلة الحسناء للدنيا , ولا يجمل علمه بالعمل به قال محمد بن الحسين: من تدبر هذه الخصال , فعرف أن فيه بعض ما ذكرنا , وجب عليه أن يستحي من الله , وأن يسرع الرجوع إلى الحق , وسأذكر من الآثار بعض ما ذكرت , ليتأدب به العالم إن شاء الله. فأما قولنا: يتجمل بالعلم , ولا يجمل علمه بالعمل به
مخ ۹۵