La matière, La forme et ľautorité du gouvernement .
وفي هذا الكتاب الأخير دافع عن الأثرة، والاستبداد، فقد كان هوبس من غلاة الماديين، والإحساس عنده ليس إلا حركة من حركات المخ، وهذه الحركة متى وافقت الوظائف الحيوية أنتجت اللذة، واللذة تولد الرغبة، والرغبة تولد الإرادة، فليست الإرادة إلا رغبة مسيطرة. وهوبس لا يعرف باعثا للعمل غير طلب اللذة، أو الهروب من الألم، والعواطف عنده ليست إلا صورا لحب الذات.
وهوبس من أصحاب نظرية العقد الاجتماعي
Contrat Social
التي عني بها جان جاك روسو فيما بعد. ويرى هوبس أن الإنسان مفطور على الأثرة والشره، وأن جميع أعماله إنما هي سلم إلى مطامعه. وهذه الفطرة جعلت الحياة الطبيعية مرة المذاق، لطمع القوي في الضعيف. ويتخيل هوبس أن آباءنا الأولين لم يروا سبيلا إلى السلامة من شر الأقوياء غير الانضمام تحت لواء سلطة بشرية تدفع عنهم عادية المطامع، وهذه السلطة تتمثل في الملك، ولهذا الملك جميع الحقوق التي كانت لجميع الأفراد قبل التعاقد، وليس عليه إلا واجب واحد هو: حفظ الأمن.
ويرى هوبس تأييدا لنظرته أن الدين الحق هو دين الدولة مهما كان جوهره، وعلى كل فرد الخضوع له، والخروج عليه كفر ومروق.
ويظهر مما سلف أن هوبس يريد بنظرية العقد الاجتماعي تأييد الملوكية، وكذلك روسو حين يدافع عن هذه النظرية فإنه يرى أن حياة الطبيعة كانت حياة نعيم، وأن الناس لما أفسدوها بأنفسهم اضطروا إلى أن يتنازل كل فرد منهم عن جزء من حريته ليتكون من مجموع هذه الأجزاء قوة مدنية تدافع عن الجميع، وهذه القوة لا تمثل في الملك كما يرى هوبس، وإنما تمثل في شخص هو مندوب الأمة، ولها عزله حين تريد.
إلى هنا لا يرى القارئ أي تناسب بين هوبس وبين الغزالي والواقع أن الجمع بينهما بعيد لأن الغزالي رجل تضحية وإيثار، والخير عنده يرجع في الأكثر إلى نفع الناس، في حين أن هوبس يرى الخير في أن يعمل المرء لنفسه، قبل أن يحلم بسواه. ولكني رأيت بعد البحث أنهما يتفقان في تكييف وجهة الطبيعة الإنسانية، وإن اختلفا في غاية الأخلاق، فإذا كان هوبس يرى أعمال المرء مظهرا للأثرة، ويرى حب المرء لجاره ليس إلا ضربا من حب النفس، وأن طاعته للقوانين الأخلاقية ليست إلا سعيا في سبيل نفعه، فكذلك الغزالي يتهم أكثر العاملين بالرياء، ويرميهم بحب الذات.
والغزالي يسيء الظن بالطبيعة الإنسانية، ويرى العمل في الأغلب لا يراد به إلا نيل الثواب، أو الفرار من العقاب، ولا يزال بالطبيعة الإنسانية يفحصها ويسبر أغوارها بمسبر الشك والارتياب، حتى يصل بعد الفحص إلى أن هناك رياء «هو أخفى من دبيب النمل» ومن كلامه: «رب عبد يخلص في عمله، ولا يعتقد الرياء بل يكرهه ويرده، ولكن إذا أطلع عليه الناس سره وذلك وارتاح له، وهذا السرور يدل على رياء خفي، فلولا التفات القلب إلى الناس ما ظهر سروره عند إطلاع الناس».
والفرق بين الغزالي وهوبس، يرجع إلى أن هوبس يريد أن يجعل وجهة الطبيعة الإنسانية أساسا للأخلاق، فيكون الخير ما ينفع المرء، والشر ما يضره. ولكن الغزالي يرى أن الخير لا يكون إلا حيث ينتفع المرء ولا يضر غيره، لأن وجهة الغزالي وجهة إسلامية، لا ضرر فيها ولا ضرار. (4) الغزالي وبوتلير
ناپیژندل شوی مخ