أن لا يدع من نصح المتعلم شيئا، وذلك بأن يمنعه من التصدي لرتبة قبل استحقاقها، والتشاغل بعلم خفي قبل الفراغ من العلم الجلي. (4)
أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق، بطريق التلميح والرحمة لا بطريق التوبيخ، فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة، ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف، ويهيج الحرص على الإصرار. (5)
أن لا يقبح في نفس المتعلم التلوم التي وراء علمه: فليس لمعلم اللغة أن يقبح في نفس المتعلم على الفقه مثلا، بل ينبغي أن يوسع عليه طريق التعليم في غيره. وإن كان متكفلا بعدة علوم فينبغي أن يراعي التدريج في ترقية المتعلم من رتبة إلى رتبة. (6)
أن يقتصر المعلم على قدر فهمه، ولا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله. (7)
أن يلقي للمتعلم القاصر الجلي اللائق به، ولا يذكر له أن وراء هذا الجلي تدقيقا يدخره عنه. (8)
أن يعمل بعلمه؛ فلا يكذب قوله فعله. وهذا الأدب الأخير غير خاص بالمعلمين، ولكنهم أحوج الناس إليه وأولاهم به، إذ كانوا مرشدين، ومن حسن السياسة على الأقل أن يعمل المرشد بما يقول. (9)
أن يجمل نفسه كي يعظم في نفوس طلبته فلا يستصغروه، ولم يذكر الغزالي هذا في آداب المعلم. ولكن ذكره استطرادا في باب النظافة حيث قال: «كان رسول الله مأمورا بالدعوى، وكان من وظائفه أن يسعى في تعظيم أمر نفسه في قلوبهم كيلا تزدريه نفوسهم. ويحسن صورته في أعينهم كيلا تستصغره عيونهم. وهذا القصد واجب على كل عالم تصدى لدعوة الخلق إلى الله: وهو أن يرعى من ظاهره ما لا يوجب نفرة الناس عنه». (10)
أن ينظر في نية المتعلم: فإن رآها حسنة علمه، وإن رآها سيئة أعرض عنه. فلا يجوز فيما يرى الغزالي أن نعلم من نرى في أقواله، أو أفعاله، أو مطعمه، أو ملبسه، أو مسكنه، ما يدل على فساد نيته، وسوء قصده. ولا يكفي فيما يرى الغزالي أن يقول المعلم: إنما أريد نشر العلم، وللمتعلم بعد ذلك الخيار، إن شاء أحسن وإن شاء أساء، بل يشبهه بمن يهب سيفا لقاطع الطريق، ثم يقول: إنما أريد السخاء والتخلق بأخلاق الله الجميلة، وأن أعينه على الجهاد، فإن استعمل السيف في الأذى فهو وحده المسؤول.
وربما كان يحسن بالغزالي أن ينصح المعلم ببذل الجهد في غزو الغرائز السيئة التي يراها في تلميذه، فأما الضن عليه بالعلم فهو فيما رأى هروب من الواجب، وعمل سلبي لا يغني ولا يفيد.
الفصل الخامس
ناپیژندل شوی مخ