فصاح: معلوم!
قلت: إذن، فاسمع يا جميل: الذين يتكلمون دائما بصراحة قلما نجدهم. فأين الصراحة حين تجامل من لا تريد أن تراه، وترحب بالثقلاء، وتمضي في تبجيلهم إلى المدى الأبعد؟ وأية صراحة هي صراحتك حين تجاري في المسايرة من يحدثك ويكذب عليك وتكذب عليه، وتقول في قلبك: «لا بد للرطل من رطل ووقية» حتى ترجح كفتك وتحوز قصب السبق في ميدان الرياء والكذب؟
رددت يا جميل كلمة الصراحة مائة مرة، حتى صارت لحمة حديثك وسداه. أتسمح لي أن أقول لك بصراحة : إن الصراحة مفقودة من بين بني البشر؟ فلو التقيت أحد معارفك وقال لك: «أنا مشتاق إليك جدا»، فهل تجيبه بصراحة أنك أنت غير مشتاق؟ وإذا قال لك آخر أمام الناس: «ما رأيك في فلان؟» أفتقول له ما كنت تقوله فيه بخلوتك؟
وإذا جاءك طالب، أتعين له ميعادا وفي نيتك ألا تخلفه؟
يقولون: إن الساسة غير صريحين، وأنا أقول: إن الصراحة تصرع إذا اصطدمت بالمصلحة. فليت الذين يوسعون حين يفصلون من جلد غيرهم يفعلون ذلك حين يمشي المقص في جلودهم.
سمعت أديبا كبيرا يكذب على المنبر، مع أن زياد بن أبيه قال في خطبته البتراء: «إن كذبة المنبر بلقاء!» فقلت له، حين انتظر تهنئتي له بخطابه التذكاري: أأنت مؤمن بما قلت؟
فأجاب: حط بالخرج، هذا رجل صار في دنيا الحق.
فقلت: أتتحدث عمن صار في دنيا الحق بكلام غير حق؟
فأجاب: وماذا كنت تفعل لو كنت محلي؟
فقلت: كنت اعتذرت.
ناپیژندل شوی مخ