إن بشارا الأعمى، مع جشعه وتكالبه على المال، أدرك ما يعانيه الكرام من ألم حين تعجز أيديهم عن الجود ومؤاساة الناس، فأبرز صورتهم في أجمل إطار حين قال:
إن الكريم ليخفي عنك عسرته
حتى تراه غنيا وهو مجهود
وللبخيل على أمواله علل
زرق العيون، عليها أوجه سود
ومن ينكر أن تلك العائلات المستورة حقا لم تكن دعامة راسخة لبنيان المجتمع، فترك سقوطها فراغا عظيما؟
فطالما كانت عضدا للفقير، وساعدا للبائس، وعكازا للضعيف المسكين، فانتشلت بحسناتها تعساء مطروحين في غيابات الجوع والخوف والجهل. ولكن الدهر الذي لا يرحم جار عليها، فأذاقها مرارة الجوع والخوف، فقبعت في عقر دارها تلتمس قوت من لا يموت.
هوت إلى الحضيض، وليس لها بسطة كف تستعين بها على قضاء حقوق الحياة، فصبرت على نوب الزمان بإباء، ولم يصغر البؤس والحرمان نفوسا عاشت كبيرة، ويأبى الشرف وعزة النفس أن تموت صغيرة. لم يطرأ على ذلك العنصر الكريم ما أفسده عند فقد المال، فكان كالذهب الخالص لا يأكل الصدأ عرقه المتين مهما تراكمت عليه الأقذار والنار.
ففي هاتيك البيوت التي كانت أبوابها مشرعة للبائسين، ومعجنها سائبا للعافين، أمست النفوس تتهلل إذا شبعت البطون، وتغتبط إذا فتحت بابها ليخرج منه رغيف يسد رمق معوز.
إن الفقر الحقيقي يتجسم بين تلك الجدران الصامتة حيث لا أيدي تبسط على قارعة الطريق ، وحيث العيون تحجبها براقع الحياء، وحيث عزة النفس تترفع عن السؤال، فتتمسك بأهداب الصبر على خواء البطون.
ناپیژندل شوی مخ