فنظرت إلي شزرا وقالت: أنا هي «الأمانة» والويل للبشر إذا فقدوني. فالقائد إن لم يكن حائزا على جانب عظيم من الأمانة يخون دولته ويقوض دعائم مجدها. والخادم إذا لم يكن صادقا مخلصا، يدس لسيده السم فيميته شر ميتة، والصديق إذا لم يكن أمينا، كان ويلا يوقع من اصطفاه في شراك البلايا، والتاجر إذا لم يكن صادقا أمينا يبيع ذمته وينهب أموال البشر ولا يبالي إلا بجمع الثروة، سواء أعن طريق الشهامة جاءت أو عن طريق اللؤم والدناءة. وقصارى الكلام أن كل ذي شأن في الهيئة الاجتماعية إذا لم يكن صادقا فهو مكروه وممقوت من البشر.
فأجبتها: خففي عنك، ولينعم بالك، فإن أنصارك كثيرون . كثيرون هم الأمناء الصادقون والذين يرون الخيانة جبنا وعارا. فعندنا التاجر والخادم والمخدوم والصديق يحمون ذمارك ويفدونك بدمائهم، فقد ورثوا هذه الخلة الكريمة عن أجدادهم الذين اشتهروا بها ورفعوا لواءها.
أما هي فأجابتني: لقد عم الطمع والرياء، وأصيبت الناس بداء حب الثراء، وانتشرت المداجاة حتى سموها سياسة عصرية، وهذا الذي رغب إلي الاعتزال.
فقلت: وكيف تعتزلين هنا، فالأشجار وحدها تقضي عليك؟
فحدقت إلي شجرة كهلة وقالت: فتح عينك، نحن شجر لا بشر. انظر تر أننا لا نقتتل على شيء، كل واحدة منا تقف حيث هي فلا نتنازع لا على الماء ولا على الهواء، ولا على النور. إن صفوفنا لا تتحرك ولا تعلن حربا، فهذه الغابة تعيش أشجارها بسلام، تتعانق أغصانها ولا منافسة بينها على شيء، فعند السماء والأرض خير كثير. أصغ، أصغ، ما لك مبهوتا؟! - كلي آذان، يا سيدتي، فقولي ما عندك.
فقالت الشجرة: هل سمعت صوتا غير حفيف الأوراق؟ اعلم وخبر جماعتك الناس أن شريعتنا شريعة السلام والاطمئنان. وإذا كان عندنا جور وبغي، فهو يأتينا من القرى والمدن. إن الذنب هو ذنب الدم، أما الماء الذي يجري في عروقنا فلا يحملنا على الجريمة. إن ذوي الدم وذواته هم الذين يزعجون الغابة، وإذ قلتم ذامين قادحين: «شريعة الغاب»، فالذنب ذنبكم أنتم وذنب الحيوانات، وكأنكم أدركتم ذلك فقلتم عن أنفسكم: «فلان دمه حار، وفلان دمه بارد، وفلان دموي؛ أي سفاح.»
قال أحد مجانينكم: «من خلق علق»، وكلمته هذه تصدق فينا؛ لأننا لا نسعى، نعطي ولا نأخذ، ويغار علينا ولا نغير على أحد. تأتوننا بفئوسكم ومناجلكم، فنقابل شركم بالخير، ونعطيكم كل ما نملك حتى أنفسنا.
جبلتم على الشر والأذى؛ ولذلك تقولون: «الدم لا يصير ماء.» لا أقول لك: اخرج من غابتنا؛ لأننا خلقنا لا نرد أحدا. أما أنتم فقد يقتل بعضكم بعضا من أجل عود من عيداننا.
أما هذه الفتاة، فقد جاءت إلى حمانا، ونحن نضمها إلى صدورنا، وإذا اعتدى عليها أحد فلا يكون إلا من ذوي الدم. فاذهب من حيث جئت ، ودع عندنا هذه اللاجئة وشأنها. لقد جاءت إلينا، ونحن لها.
قصة السعادة
ناپیژندل شوی مخ