وألقى الله في قلوبهم الذلة، ورماهم بالعجز والقلة، وأعلهم بكل مرض وعلة، فرموا عن جسدهم السلاح، وتدرعوا بجلابيب السلاح ملأوا الجو خوفا بكثرة الصياح، وأبقوا إلى الجبال وأبقوا الغبار في يد الرياح، فهروا هربا في مهامه حضيض الهزعة والقل، وتراهم ينظرون إليك خاشعة أبصارهم من الذل، فقطعوا 97...
مسافة السفر في أدنى مدة، وهم يتحيلون الرجال معهم من الجهات الست بكامل العدة، ولسان الحال ينشدهم.
أين المفر ولا مفر لهارب ... إلا ظلال البيض والأرماح
فلم يزالوا يفرون تلك البداري والقفار فرى الأديم ذا الفقار، لم يقر لهم قرار لا ليل ولا نهار، إلى أن وصلوا إلى شريفهم إرسالا، لا يستطيعون رفع طرفهم ولا رد سؤالا، فاشتبهت قصتهم بمقاتلة أهل المدينة بهذا الجيش، قصة محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر كفار قريش ولما رآهم الشريف بتلك الحالة، تيقن قبل سؤالهم بأنهم دارت عليهم المحالة، ثم سألهم عن كامل الحقيقة بما وقع عليهم بالذرة والدقيقة فأخبروه بما صار عليهم من الهضيمة (1)، من شرذمة أهل المدينة، فتعجب من ذلك غاية العجب وتاه في صبوح غروره والطرب، ثم دعى من عنده من الأسرى، رجال المدينة الأسرى، وقال لهم مستفهما بلسان المقال، هل تركت في المدينة رجالا للقتال؟! فقالوا له: إنك لم تأخذ أحدا من الشجعان، بل من يهمد شعل نيران الحرب والطعان وكل من رأيته في بلادنا ما بين أغوارنا وأنجادنا فلا يستطيع أحد من رجالكم أن يذكر معه، بل ولا يرضى أن يكون عيله عليه أو تبعه فتنفس الصعداء، وقال: بارك الله فيهم حموا بلادهم ووفقهم الله وهدى، وبعد مدة قليلة أطلق من عنده من الأسرى، وكان رجوع الجردة إلى مكة وخولهم فيها لاثنى عشر خلت من ذي القعدة.
وقال الشيخ عمر بن عبد السلام الداغستاني رحمه الله تعالى :
يا من تولع بالتشبيب والغزل وقد صبا في مليح الغنج (1) والكحل
باهى الجمال الذي قد جاز مبسمه عقدا من الدر أو خمرا من العسل
كم ذا التصابي إلى نحو الحسان وكم تكون صبا وعنهم أنت لم تحل
مخ ۹۷