فلما رآه صاحبه يبكي وهو شيخ عطف عليه ودفعته الأريحية فقال «خفف عنك يا زكريا واشكر الله على أنك كنت غائبا في تلك الساعة وإلا لكنت مقتولا لا محالة ولا تبق حيلة لإنقاذ الفتاة أما وأنت حي فلا تعدم وسيلة لإنقاذها.»
قال: «ما هي الوسيلة؟ هل تعلم مقر هؤلاء فأذهب إليهم بنفسي وأكلم أبا حرملة وأستعطفه لعله يشفق على الفتاة وأفتديها بما يريد من المال.»
قال: «أما مقر هؤلاء فلا سبيل إلى معرفته ولا فائدة ترجى من الاستعطاف، وأما الفداء فلو كان الأسير رجلا أو غلاما أو امرأة طاعنة في السن؛ فربما أفاد أما وهي فتاة جميلة فلا أظنهم يقبلون افتداءها، وأرجح أن أبا حرملة يجعلها في جملة نسائه فقد سمعت أنه رغاب في النساء!»
فقطع زكريا كلامه قائلا: «تعني أنه يتزوجها؟»
قال: «يتزوجها أو يتسراها لا أدري.»
فصاح زكريا: «أعوذ بالله.» وأطرق هنيهة ثم قال: «لا أخاف عليها منه ما دامت حية وإن كان جبارا ولكن ...» وبلع ريقه وأخذ ينكت بالأرض بإصبعه ويفكر.
فابتدره صاحبه قائلا: «لا فائدة من التفكير إننا لا نعرف مقرهم وإذا عرفنا لا قدرة لنا على مناوأتهم.»
فعاد إلى ذكر سعيد ومنزلته عند ابن طولون فقال: «وما قولك إذا استنجدنا أمير مصر؟»
فابتدره قائلا: «لا ترجى نجدة من الأمير؛ فإنه لا يعرض رجاله للموت في الصحراء ولو كان يستطيع إخضاعهم لفعل ذلك من قبل. فإن البجاويين لم ينفكوا عن السطو على حدود البلاد من أزمان متطاولة والدولة عاجزة عن ردهم، فكيف يتعقبهم إلى منازلهم ومنازلهم على ظهورهم؟»
فأيقن زكريا ألا خير يرجى من استنصاره سعيدا، فعزم على كتمان هذا الأمر عنه، وقال له صاحبه: «ما بالك لا تفكر في مولانا ملك النوبة وأنت تعلم نفوذه على البجة؛ فإنهم لا يخافون أحدا سواه؟»
ناپیژندل شوی مخ