ولم يكن المعلم حنا يجهل أسباب هذه الخصومة، وكان في شاغل عنها بمنصبه وأعماله، ولم يكن ابنه إسطفانوس يجسر على مخاطبته بشأن من الشئون حتى إنه كان أول من زهد أبا دميانة في خطبتها إلى ابنه، فلما سمع شكوى مرقس قال له: «هذا القضاء أمامك، ارفع شكواك إلى القاضي، وهو ينظر فيها ولا يضيع حقك.»
فقال: «ربما انحاز القاضي إلى سعيد؛ لأنه حائز على رضى الوالي اليوم، فلا ينصفنا.»
قال: «القاضي غير متهم في ذمته، فإذا كانت دعواك حقا نلت حقك.» قال ذلك وحول وجهه؛ يتظاهر بالاهتمام بأمور أخرى.
فقال مرقس: «قد لا تهمك هذه الشئون ظنا منك أنها خاصة بنا. ولكن سعيدا وزكريا يتآمران بدولة المسلمين يساعدان البطريرك ميخائيل في إرسال كتبه إلى ملك النوبة لقلب الدولة وإعادة البلاد إلى ملك الروم، وقد وقف الجند على كتاب معهما من البطريرك إلى ملك النوبة، فأبى سعيد تسليم الكتاب وقال إنه عنده مع الأسطوانة، يقدمهما عند الحاجة.»
فمل المعلم حنا الحديث، وقد ساءه سعي مرقس في هذه الوشايات، لكنه استنكف أن يقول له ذلك في وجهه، فتلطف، وقال: «إذا كان لديك مثل هذه الأدلة، فقدمها للقاضي.»
فخرج مرقس، ولقيه إسطفانوس، فخجل أن يعترف بما ناله من الفشل؛ لاستخفاف المعلم حنا بأقواله فقال: «إن أباك أشار علي بإقامة الدعوى.»
فقال: «نعم الرأي، وها أنا ذا ذاهب لأشكوه.» وكان إسطفانوس مسموع الكلمة عند أرباب المناصب إكراما لوالده، فرفع الدعوى إلى القاضي باسم مرقس مدعيا أن الخادم زكريا الذي كان قد سجن لسرقة بيت سيده خرج من السجن خلسة بمساعدة سعيد المهندس الفرغاني، ولما ذهب الجند للقبض عليه طردهم سعيد وأهانهم، ولم يسلم السارق.
فلما طلب من القاضي النظر في هذه الدعوى دعا هذا المتهمين، فجاء سعيد وقال: «إني أطلب أن تنظر دعوانا أمام الوالي نفسه؛ لأن المسألة ذات شأن» •••
لم يسع القاضي الامتناع، فرفع الأمر إلى ابن طولون، فطلب هذا حضور الجميع في غرفة خاصة من قصره، فحضر مرقس وزكريا وسعيد، فأمرهم بالجلوس وهو يتفرس في وجوههم، فتذكر أنه رأى زكريا مرة قبل هذه، فسألهم: بأي لسان تتداعون؟» فقالوا: «بالعربية فإننا نفهمها جميعا.» فقال: «من منكم المدعي؟» فوقف مرقس وقال: «أنا يا مولاي.»
قال: «وما دعواك؟»
ناپیژندل شوی مخ