فلما سمع ذكر المعلقة اضطرب، وتراجع حتى أمسك بزمام الجمل - وسمعان يستغرب - وقال: «من أنت. مولاتي دميانة؟ دميانة؟»
فصاحت هي: «زكريا! عمي زكريا.» وكادت للهفتها أن تقع عن الجمل، فلما سمعها سمعان تذكر زكريا بهذه اللهفة أدرك أنه خادمها الذي تحدثه عنه، فنزل عن الجمل وأناخ جملها وساعدها على النزول، فأكب زكريا على يدها يقبلها، وكاد - لولا الحياء - أن يضمها إليه لتلهفه لرؤيتها، وظن نفسه في حلم إذ لم يدر في خلده أن يراها بجوار الأهرام في مثل هذه الساعة، وهو يظنها في أسر البجة، فأكثر من السؤال ومن ترديده وفعلت هي مثله فقال: «سيدتي دميانة! أنت هنا؟ شكرا لله على سلامتك. كيف جئت؟ من أنقذك؟»
قالت: «لا تقل سيدتي؛ فإنك عمي، وهذا عم آخر أنقذني من بلاد البجة وتكلف المشقة حتى وصلنا إلى هنا.»
فصافحه زكريا وسلم عليه وأثنى على فضله، لكنه لم يتبينه لشدة الظلام.
ولم يكن سمعان أقل منهما دهشة لهذه الصدفة، فقال: «الحمد لله إذ سر أمري فأهنئكما بهذا اللقاء.»
فقال زكريا: «امكثا عند قاعدة الهرم حتى آتيكما بالماء تشربان، ثم نسير إلى الفسطاط معا.» قال ذلك ومضى، ثم عاد إليهما بالماء، فشربا ودميانة تود أن تعرف ماذا جرى لسعيد والحياء يمنعها، فقالت: «أين كنت هذه المدة، وكيف حالك؟»
فأدرك غرضها، فقال: «إن حديثي طويل سأقصه عليك. أما حالي فإنها على ما يرام والحمد لله وسيدي سعيد ينتظر لقاءك على مثل الجمر. وهنيئا لك ما ناله من الحظوة عند أمير مصر؛ فهو صاحب الكلمة النافذة والمقام الرفيع.»
وكان زكريا يتكلم وقلب دميانة يرقص فرحا ولما فرغ من كلامه بسطت يديها نحو السماء وقالت: «أسكرك اللهم لأنك حرسته وحفظته فحق علي وفاء النذور.»
فقال سمعان: «لا أقدر أن أصف لكما فرحي بجمع شملكما، والآن وقد أكملت لكما تعينكما فإني أنطلق قافلا.»
فاعترضته دميانة قائلة: «كلا، إنني لم أقم بحق جميلك، ولم أكافئك على بعض ما فعلت.»
ناپیژندل شوی مخ