احمد عرابي زعيم مفتری علیه
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
ژانرونه
وتجمع وراء صفوف الجيش آلاف من أهل القاهرة الذين أخذتهم الدهشة لهذا المنظر لا ريب، واشرأبت أعناق الشعب التي طالما ألفت الذلة، وتطلع من فوق أكتاف الجند، ومن خلال صفوف الفرسان لينظر ماذا يكون في هذا الموقف الرهيب، واسم عرابي يجري على الألسن في حين تدور الأبصار باحثة عن موضعه وهو على ظهر جواده أمام جنده يتأهب لمقدم الخديو ليسمعه كلمة مصر، كلمة الشعب الذي ألبس جده بالأمس الكرك والقفطان شارتي الحكم دون رجوع إلى السلطان، وما أعظم كلمة مصر ينطق بها فلاح من أعماق الوادي نبت ونما على ثراه ...
ووصل الخديو إلى عابدين بعد أن فشلت سياسة طوافه على الآلايات، تلك السياسة التي تدل في ذاتها على منتهى الضعف، والتي لا يشفع له في اتباعها سوى أنها كانت آخر سهم في جعبته إن كان هذا شفيعا. والحق أن الخديو قد لاقى في ذلك الطواف ما تنخلع منه أفئدة أقوى من فؤاده. وحسبك أن فرقة القلعة ثارت في وجهه حينما أمسك بنفسه بتلابيب قائدها فودة حسن حتى لقد وضع العساكر الأسنة في بنادقهم بأمر من هذا القائد، وتجمهروا حول الخديو حتى صاح بالقائد: «أفسح لنا الطريق يا بكباشي.»
ودخل الخديو السراي من الباب الخلفي، باب باربز، ويقول كلفن إنه قفز من العربة وأشار على الخديو أن يسير من فوره إلى الميدان ففعل توفيق ذلك، وسار إلى حيث اجتمع الجند، ووراءه ستون باشا وأربعة أو خمسة من الضباط الوطنيين وواحد أو اثنان من الضباط الأوربيين، ويذكر عرابي أنه كان معه كذلك كوكسن قنصل إنجلترا بالإسكندرية والجنرال جولد سمث مراقب الدائرة السنية.
وتقدم الخديو ثابت الخطى، فأشار عليه كلفن أن يأمر عرابيا بتسليم سيفه متى دنا منه، وأن يأمره بالانصراف ثم يطوف بعد ذلك على الفرق فيأمرها بمثل هذا الأمر.
وسار عرابي على ظهر جواده حتى إذا اقترب من الخديو، صاح به الخديو قائلا: «انزل» فوثب عرابي من فوق جواده، ومشى نحو الخديو ومن حوله نحو خمسين ضابطا، فأدى التحية العسكرية، وأشار الخديو إشارة ذات معنى إلى سيفه فأسرع عرابي بإغماده.
الموقف رهيب بالغ الرهبة! ففي هذا الجانب حيث يقف الجند نرى مصر التي أيقظتها المحن والفواجع تتمثل في هذا الجندي الفلاح تجري على لسانه كلمتها في غير التواء أو تلعثم، وفي الجانب الآخر صاحب السلطان الموروث تغضبه هذه اليقظة وتذهله، مع أنه رآها منذ بدايتها، ورأى أباه على جلالة قدره يوسع له صدره ويخفض لها جناحه فيزداد بذلك رفعة ...
هنا الحرية الوليدة والديموقراطية الجديدة، وهناك التقاليد العتيدة والأوتوقراطية العنيدة، ومن وراء ذلك الثعالب وبنات آوى تتمسكن لتتمكن، ونتربص لتنقض!
والتاريخ شاهد يثبت للقومية المصرية موقفا من أروع مواقفها، ومظهرا من أجل مظاهرها، ويضيف بذلك إلى صفحات الحرية في سجل الأمم صفحة جديدة لن تبلي الأيام جدتها، أو تبخس أغراض المبطلين قيمتها.
همس كلفن في أذن الخديو: «هذه هي ساعتك.» فأجاب الخديو: «نحن بين أربع نيران» فقال كلفن: «كن شجاعا.»، فتهامس الخديو وأحد الضباط الوطنيين ثم التفت إلى كلفن قائلا: «ماذا عسى أن أفعل؟ نحن بين أربع نيران ... إنهم يقتلوننا.»
3
ناپیژندل شوی مخ