احمد عرابي زعيم مفتری علیه
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
ژانرونه
ورفع شريف استقالته إلى الخديو الجديد كما تقضي التقاليد الدستورية، فطلب إليه الخديو إعادة تأليفها، وأشار توفيق صراحة في أمره وخطابه أمام مجلس الشورى ميله إلى العطف على الأماني القومية كما تظهر في الحركة الدستورية الوطنية، وسار شريف على نهجه الدستوري يدعم ما بنت يداه ويجهتد في توطيد أسسه.
ولكن توفيقا ما لبث حين وصل إليه فرمان توليته أن تنكر للحركة الوطنية، فما كان في موقفه الأول إلا مدعيا يكتسب الوقت، فلما اطمأن إلى منصبه بدأ سياسته الجديدة بأن رفض أن يجيب رئيس وزرائه إلى ما طلبه بشأن توسيع مجلس الشورى، ووضع نظام الحكم على أساس دستوري ثابت، ورأى شريف في هذا نية إقصائه عن الحكم فاستقال، وجاءت استقالته هذه المرة كذلك عاملا قويا من عوامل إذكاء الروح الوطنية وإشعال جذوتها.
وما كان أحوج الخديو يومئذ إلى شريف دون غيره من الرجال، أجل ما كان أحوجه إلى ذلك الرجل الذي كانت تجتمع فيه الرجال، وتلتقي في سياسته الآمال.
وما أشبه توفيقا بملك فرنسا لويس السادس عشر، ذلك الملك المسكين الذي قال عنه بعض المؤرخين إنه ورث عن أسلافه الثورة والعرش معا، فلقد تجمعت عوامل الثورة الفرنسية قبل عهده، وما زالت تنمو وتتزايد، وما زالت تلك الأقلام الجبارة أقلام فلتير، وروسو، وأضرابهما تحدوها وتمهد الطريق لها حتى جاء عهد ذلك الملك؛ فانفجر البركان وكانت الراجفة التي زلزلت فرنسا زلزالا شديدا.
وأرى توفيقا قد ورث عن سلفه كذلك العرش والثورة؛ فلقد تجمعت عوامل الثورة العرابية في عهد ذلك الخديو المخلوع، ثم راحت تحدوها وتمهد لها أقلام جمال الدين وتلاميذه حتى جاء عهد توفيق فرجفت الراجفة.
وما كانت الثورة العرابية حركة عسكرية فحسب كما يحلو لكثير من المؤرخين أن يصوروها عن عمد، أو عن غفلة، وأن الذين يفعلون ذلك منهم ليأتون من ضروب الخطأ ما نعجب كيف يحملون على قبوله أنفسهم وعقولهم، وإنما كانت الثورة العرابية إذا أردنا وصفها في جملة هي التقاء الحركتين الوطنية، والعسكرية، واندماجهما، فلما ذهب عرابي إلى الخديو على رأس جنده في اليوم التاسع من سبتمبر سنة 1881 ذهب يحمل إليه مطالب الجيش ومطالب الأمة معا، ومن ذلك الوقت صار سلاح الثورة السيف وقد كان سلاحها القلم، أو بعبارة أخرى حارت قيادتها بين السيف والقلم.
ما لبث المصريون كما أسلفنا أن فجعوا في آمالهم بتدخل الدولتين تدخلا جريئا في شئونهم أدى إلى عزل الخديو وتركهم ذاهلين تتنازع أفئدتهم عوامل الحنق والخوف والتشاؤم من المستقبل .
وتولى قيادة السفينة توفيق، فما كادت تسير حتى اكتنفتها الرياح الهوج، وقامت أمامها العقبات من كل جانب، فها هم أولاء المصريون تتأجج نيران الحقد في قلوبهم على الأجانب، ولن يطيقوا بعد اليوم أي جنوح إليهم، وها هي ذي إنجلترا تتحفز وتتربص، ثم ها هي ذي فرنسا تتحين الفرص لتتغلب على منافستها، وهناك تركيا جاءت آخر الأمر تطلب أن تعيد سلطانها في مصر سيرته الأولى فتردها الدولتان المتنافستان على عقبيها.
والربان غير عليم بالسياسة وأنوائها، ولكنه على الرغم من ذلك يستغني عن أعلم رجاله بها، فتخلص من شريف وهو أحوج ما يكون إليه، وتنكر للحركة الوطنية وكان حقيقا أن يعطف عليها عسى أن يحبه الوطنيون وعسى أن يحملهم هذا الحب على تناسي ما لحق بمنصب الخديوية من هوان صغر به في أعينهم، ولكن توفيقا غفل عن هذا أو تغافل عنه لما رآه من إقصاء أبيه عن منصبه على ما كان له فيه من جاه وقوة.
وحل رياض محل شريف؛ فآلم ذلك دعاة الحركة الوطنية، وأزعجهم أن يروا رياضا يجاري الخديو في استكثاره الدستور على المصريين، فيقنع بما لا يقنع به وطني مكتفيا بمبدأ مسئولية الوزارة عن أعمالها، مستغنيا عن مجلس شورى النواب الذي يحرص عليه الوطنيون كل الحرص.
ناپیژندل شوی مخ