قال طهمان بن زهمان: «إن كل أمرك غير مفهوم يا ابنتي، ويظهر أنك لا تريدين أن أفهم منه شيئا.»
قالت الملكة باسمة: «من يدري؟! لعلك تفهم منه كل شيء في وقت قريب أقرب جدا مما تظن، ولكنك تنكر علي ردي للسفراء ومعاملتي للملوك بغير ما جرى به العرف، وحملي إياهم على ما لا ينبغي لهم من الذلة والهوان، وقد كان هذا حقا لو أني أثرت عليهم حربا ظالمة، وقد كان هذا حقا لو أنهم أثاروا علي حربا دعا إليها اختلاف مصالح الشعوب وتباين منافعهم وتقديرهم لهذه المصالح والمنافع، سواء أكان هذا التقدير خطأ أم صوابا، ولكنهم أثاروا حربا ظالمة لم تقتضها مصلحة عامة ولم تدع إليها منفعة عاجلة أو آجلة لأمة من أممهم أو شعب من شعوبهم؛ إنما اتبع كل منهم هواه وركب رأسه وانقاد لشهوته الجامحة.
وقد كنت تذكرني يا أبت بأن هذه الحرب إنما أثيرت لأن هؤلاء الملوك يحبونني ويخطبونني، وأنا لا أحب منهم أحدا ولا أرضى لنفسي من بينهم زوجا، وكنت تذكرني بأن هذا الأمر لا يعني رعيتنا ولا رعايانا من قريب أو بعيد، فهذا الظلم الصارخ، وهذا العدوان المنكر، وهذا الإهدار لحقوق الشعوب، وهذه التضحية الآثمة بالنفوس التي أمر الله أن تعصم والدماء التي أمر الله أن تحقن والحرمات التي أمر الله أن ترعى، في سبيل شهوة فردية لا تعتمد على ما يشبه الحق أو العدل؛ كل هذا خليق أن يهدر حق مقترفيه في طاعة الشعوب، وكل هذا خليق أن يلغي حق مقترفيه في النهوض بأمر السلطان.
فهؤلاء المعتدون عندي ليسوا ملوكا ولا أشباه ملوك، وإنما هم عندي طغاة ظالمون، فإن للملك حقوقه، ما في ذلك شك؛ ولكن هذه الحقوق رهينة بواجبات ينبغي أن تؤدى؛ فإذا ضيعت الواجبات أهدرت الحقوق.
فالسفراء الذين أقبلوا علي ثم ردوا مخذولين على سادتهم، لم يكونوا سفراء ملوك يأخذون الملك بحقه، وإنما كانوا سفراء طغاة قد فقدوا حقوقهم على رعيتهم كما فقدوا حقوقهم على نظائرهم، وما أكره أن تدور الأيام علي بمثل ما دارت به عليهم إن اقترفت من الإثم مثل ما اقترفوا، واجترحت من الذنب مثل ما اجترحوا، وجنيت من السيئات ما يجعلني لذلك أهلا.
وقد تعلمت منك يا أبت أكثر مما تظن أني تعلمت، وأول ما تعلمت منك أن آخذ ملكي بحقه، وأن أنهض بما علي من واجب قبل أن أطلب ما لي من حق، وأن أبيح للشعب معصيتي والخروج علي وإهدار سلطاني عليه، إذا لم أعرف له حقه، ولم أؤد إليه ما ينتظر أن أؤدي إليه، فلا بأس عليك، ولا بأس علي، ولا بأس على رعيتنا من هذه الخطة التي اتخذتها، وانظر! فهذا وزيرنا قد أقبل ينبئنا بأن عدونا قد قبلوا ما فرضنا عليهم من شرط، وهم يريدون أن ننظم وفودهم علينا واستقبالنا لهم.»
وكان الوزير قد دخل أثناء حديث الملكة، فلما سمع آخر هذا الحديث حيا وقال: «إن الأمر كما ترين يا مولاتي، وإن عدوك يطلبون كيف يكون وفودهم عليك وكيف يكون استقبالك لهم؟»
قالت الملكة: «فكيف ترى أن يكون ذلك أيها الوزير؟»
قال الوزير: «ملوك يا مولاتي، فيجب أن يستقبلوا كما يستقبل الملوك، ومراسم ذلك معروفة مقررة.»
قالت الملكة وهي تضحك: «بل طغاة بغاة يا سيدي، فيجب أن يستقبلوا كما يستقبل الطغاة البغاة. تلقهم أنت إن شئت. أما أنا فلن ألقاهم، ولك أن توكل بلقائهم من أحببت، فإذا مثلوا بين يديك، أو بين يدي وكلائك؛ فخيرهم بين الموت وبين أن يشهدوا على أنفسهم بالطغيان وإهدار حقوق الشعوب، فأيهم اختار الموت فجرعه كأسه، وأيهم اختار الحياة - وكلهم سيختارها - وأشهد على نفسه أنه طاغية مهدر لحق شعبه، فليخلع نفسه من الملك وليلق إلينا بيده، ونحن نسلمه بعد ذلك إلى وطنه يصنع به ما يشاء، ثم لا تراجعني في أمرهم بشيء قبل أن تنفذ ما قدمت إليك.»
ناپیژندل شوی مخ