139

احلام له موره: د نژاد او میراث کیسه

أحلام من أبي: قصة عرق وإرث

ژانرونه

ذهب الشاب ليشتري لنا جميعا مياها غازية، وجلسنا على كراسي خشبية بلا ظهر أو مساند للذراعين أخرجتها العجوز من خلف خزانة كبيرة. وأخبرتنا عن عملها، والإيجار الذي يجب أن تسدده للحكومة لاستخدام الكشك، وكيف التحق ابنها الآخر بالجيش لأنه لم يعد هناك أرض ليعمل بها في قريتهم. وعلى الجانب الآخر سيدة أخرى تغزل خوصا ملونا وتحوله إلى سلال، وإلى جوارها رجل يقطع جلدا إلى شرائط طويلة لاستخدامه في صنع أحزمة الحقائب.

راقبت تلك الأيدي الرشيقة وهي تحيك وتقطع وتغزل، واستمعت إلى صوت السيدة العجوز يعلو فوق صوت العمل والمقايضات ، ولوهلة بدا العالم كله واضحا أمامي. فبدأت أتخيل إيقاعا ثابتا للأيام، يعيشها المرء على أرض ثابتة حيث يمكنه الاستيقاظ كل صباح وهو يعلم أن كل شيء كما كان في اليوم السابق، ويرى فيها كيف صنعت الأشياء التي يستخدمها، ويمكنه أن يسرد قصة حياة الأشخاص الذين صنعوها، ويمكنه أن يصدق أن جميعهم يكونون وحدة متماسكة دون أجهزة إدخال البيانات إلى الكمبيوتر أو أجهزة الفاكس. كل هذا وموكب ثابت من الوجوه السوداء يمر أمام أعيننا؛ وجوه الأطفال المستديرة ووجوه العجائز المجعدة، جميعها وجوه جميلة جعلتني أفهم التحول الذي زعمت أسانتي والأمريكيون السود الآخرون أنهم مروا به بعد زيارتهم الأولى لأفريقيا. وعلى مدار أسابيع أو شهور يمكنك الشعور بالحرية التي يولدها إحساس المرء بأنه ليس تحت المراقبة، حرية الإدراك أن شعرك ينمو كما ينبغي أن ينمو، وأن ردفك يتمايل بالطريقة التي ينبغي أن يتمايل بها. ويمكنك أن ترى رجلا يتحدث إلى نفسه ولا شك أنه مجنون، أو تقرأ عن الجرائم في الصفحات الأولى للجرائد اليومية وتفكر في فساد قلب الإنسان دون أن تضطر إلى التفكير فيما إذا كان المجرم أو المجنون يقول شيئا عن مصيرك أنت. هنا العالم أسود، ومن ثم فلا تكون سوى نفسك، ويمكنك اكتشاف جميع الأشياء الخاصة بحياتك فقط دون أن تعيش في كذبة أو ترتكب خيانة.

وفكرت كم من المغري أن أهرب بعيدا بهذه اللحظة كما هي. وأن أغلف هذا الشعور بالراحة بإتقان مثلما يغلف الشاب عقد أوما، وأصطحبه عائدا إلى أمريكا كي أتدثر به كلما فترت روحي.

ولكن بالطبع لم يكن هذا ممكنا، فقد انتهينا من تناول المياه الغازية، ودفعنا النقود، وغادرنا السوق، وهربت منا تلك اللحظة.

انعطفنا إلى شارع كيماثي، الذي يحمل اسم أحد قادة ثورة ماو. كنت قد قرأت كتابا عن كيماثي قبل أن أغادر شيكاغو وتذكرت صورة له يظهر فيها بين عدة رجال يطلقون شعرهم على الطراز الأفريقي يعيشون في الغابة وينشرون قسما سريا بين السكان الأصليين، أي النموذج المعتاد لمقاتلي حرب العصابات. وقد اختار لنفسه زيا ذكيا (فقد خدم كيماثي والقادة الآخرون لثورة ماو في الكتائب البريطانية في أوقات سابقة من حياتهم ) وهي صورة استغلت جميع المخاوف من الغرب الاستعماري، النوع نفسه من الخوف الذي استحضره نات ترنر في يوم من الأيام في الجنوب قبل الحرب الأهلية الأمريكية، والذي يثيره الآن اللصوص الذين ذهب الكوكايين بعقولهم في أذهان البيض في شيكاغو.

بالطبع ترقد ثورة ماو في ماضي كينيا. فقد ألقي القبض على كيماثي وأعدم. وأطلق سراح كينياتا من السجن وتوج أول رئيس لكينيا. وقد سارع بالتأكيد إلى البيض الذين كانوا مشغولين بحزم أمتعتهم ليطمئنهم أن شركاتهم لن تؤمم، وأن ملكية الأرض لن تمس ما دام الرجل الأسود هو الذي يمسك بزمام الحكومة. وأصبحت كينيا أكثر تلميذ مخلص للغرب في أفريقيا، ونموذجا للاستقرار، وتمثل تناقضا عمليا للفوضى التي تعم أوغندا، والاشتراكية الفاشلة في تنزانيا. وعاد مقاتلو الحرية السابقون إلى قراهم أو انضموا إلى الأعمال المدنية، أو رشحوا أنفسهم للحصول على مقعد في البرلمان. وأصبح كيماثي اسما على لافتة، اسما لشارع هيئ تماما من أجل السياح.

انتهزت الفرصة لدراسة هؤلاء السياح عندما جلست أنا وأوما لتناول الغداء في المقهى الخارجي لفندق نيو ستانلي. كان السياح - ألمانا ويابانيين وبريطانيين وأمريكيين - في كل مكان يلتقطون الصور ويلوحون لسيارات الأجرة، ويبعدون عنهم الباعة المتجولين في الشارع، والكثير منهم يرتدون سترات سفاري مثل الكومبارس أثناء تصوير فيلم. وفي هاواي، عندما كنا صغارا، كنت أنا وأصدقائي نضحك على سياح مثل هؤلاء، بالحروق الشمسية في جلودهم وسيقانهم النحيفة الشاحبة ونستمتع بمشاعر تفوقنا الواضح. أما هنا في أفريقيا فلم يبد السياح مضحكين. فقد شعرت بصورة ما أن وجودهم تعد على حقوق الآخرين، ووجدت براءتهم مهينة بصورة غامضة. وطرأ على ذهني أنه في افتقادهم التام لإدراك الذات كانوا يعبرون عن حرية لم أستطع أنا ولا أوما أن نشعر بها قط، ثقة جوهرية بضيق أفق تفكيرهم، ثقة مدخرة فقط لأولئك الذين ولدوا بين أحضان ثقافة إمبريالية.

وفي تلك اللحظة لاحظت أن عائلة أمريكية تجلس على بعد بضع طاولات منا. وعلى الفور قفز نادلان أفريقيان للعمل، وكلاهما ترتسم على وجهه ابتسامة ملء وجهه. ونظرا لأنه لم يكن أحد قد تقدم ليعرف طلباتنا أنا وأوما بدأت ألوح للنادلين اللذين يقفان عند المطبخ، وأنا أظن أنهما لم يريانا بصورة ما. ولبعض الوقت نجحا في تجنب إشاراتي، لكن استجاب لنا في النهاية رجل متقدم في السن له عينان ناعستان وأحضر لنا قائمتين للطعام. كان يبدو ممتعضا، وبعد عدة دقائق أخرى لم يبد عليه أنه ينوي العودة على الإطلاق. بدأ الغضب يظهر على وجه أوما، ومرة أخرى لوحت للنادل، الذي استمر على صمته وهو يدون طلباتنا. وفي ذلك الوقت حصلت العائلة الأمريكية على طعامها بالفعل، ونحن لم يصنع لنا شيء حتى إعداد الطاولة لوضع الطعام عليها. وسمعت طفلة تعقص شعرها الأشقر خلف ظهرها على شكل ذيل حصان تشتكي من أنه لا يوجد كاتشب، فنهضت أوما.

قالت: «هيا بنا.»

وبدأت تتجه نحو باب الخروج، ثم فجأة استدارت وعادت إلى النادل الذي كان يحدق فينا بنظرة جامدة.

ناپیژندل شوی مخ