احلام له موره: د نژاد او میراث کیسه
أحلام من أبي: قصة عرق وإرث
ژانرونه
وفي نهاية الأسبوع الأول تقريبا أدركت أنني قد اقترفت خطأ. لم يكن الأمر أن أوروبا ليست جميلة، بل كان كل شيء كما تخيلته بالضبط. لكن المكان لم يكن مكاني. شعرت أنني أعيش قصة إنسان آخر؛ فقد وقف تاريخي غير المكتمل حاجزا بيني وبين الأماكن التي أراها مثل جدار غليظ من الزجاج. وبدأت أشك في أن هذا التوقف في أوروبا وسيلة أخرى للتأخير، مجرد محاولة أخرى لتجنب التصالح مع أبي. كنت مجبرا - بعد أن تجردت من اللغة والعمل والروتين، وتجردت حتى من الهواجس العنصرية التي أصبحت معتادا عليها بشدة والتي أصبحت أعتبرها (على العكس) علامة على النضج - على النظر إلى أعماق نفسي ولم أجد فيها سوى فراغ كبير.
فهل ستملأ هذه الرحلة إلى كينيا هذا الفراغ أخيرا؟ هكذا ظنوا في شيكاغو. إذ قال ويل في الحفل الذي أقيم بمناسبة رحيلي، سيكون كما في رواية «الجذور». وقال عنها أسانتي إنها رحلة مقدسة. وفي نظرهما، وكذلك في نظري، أصبحت أفريقيا فكرة أكثر من كونها مكانا حقيقيا، أرض ميعاد جديدة، مليئة بتقاليد عتيقة ومشاهد جارفة وصراعات نبيلة وطبول معبرة. ونظرا لتمتع أفريقيا ببعد المسافة عنا أصبحنا نحمل لها مشاعر خاصة، هي نفس المشاعر التي حملتها لأبي يوما ما. ماذا سيحدث بمجرد أن أمحو بعد المسافة؟ كان من الأفضل أن أومن أن الحقيقة ستحررني بصورة ما، لكن ماذا لو كنت مخطئا؟ ماذا لو كانت الحقيقة مخيبة للآمال، وأن موت أبي لم يكن يعني شيئا، وتركه لي لم يكن يعني شيئا، وأن الصلة الوحيدة التي تربطني به، أو بأفريقيا، هي الاسم، أو فصيلة الدم، أو احتقار الرجل الأبيض لكلينا؟
أطفأت المصباح الموجود فوق رأسي وأغمضت عيني، وتركت عقلي ينجرف عائدا إلى شخص أفريقي قابلته وأنا أسافر في أرجاء إسبانيا، رجل آخر يهرب. كنت أنتظر حافلة المساء على رصيف إلى جانب الطريق في منتصف المسافة بين مدريد وبرشلونة. وبعض الرجال كبار السن يجلسون إلى طاولات ويحتسون الخمر في أكواب قصيرة غير شفافة. وعلى أحد الجوانب طاولة للعبة البلياردو، ولسبب ما نظمت الكرات وبدأت ألعب وأنا أتذكر تلك الليالي مع جدي في الحانات في شارع هوتيل ستريت بما به من فتيات ليل وقوادين، وجدي هو الرجل الأبيض الوحيد في الملهى الحقير.
وحين كنت أنتهي من تنظيم الطاولة ظهر فجأة رجل يرتدي سترة صوفية خفيفة وسألني هل يمكنه أن يدعوني إلى فنجان من القهوة. لم يكن يتحدث الإنجليزية ولغته الإسبانية ليست أفضل مني كثيرا، لكن لديه ابتسامة رائعة ونظرة شخص في حاجة ماسة للصحبة. وأخبرني عندما وقفنا في الحانة أنه من السنغال وأنه يطوف جميع أنحاء إسبانيا جيئة وذهابا يعمل في أعمال موسمية. وأراني صورة بالية يحتفظ بها في محفظته لشابة لها وجنتان مستديرتان ناعمتان. وقال إنها زوجته وإنه اضطر أن يتركها بالسنغال. وقال إن شملهما سوف يجتمع بمجرد أن يدخر المال. وعندئذ سيكتب لها طالبا منها الحضور للعيش معه.
انتهى بنا الحال مستقلين الحافلة إلى برشلونة معا، ولم يتحدث أي منا كثيرا، فكان يتلفت إلي من حين لآخر يحاول أن يشرح لي دعابات برنامج إسباني يعرض في التليفزيون المثبت فوق مقعد السائق. وقبل الفجر بقليل نزلنا أمام محطة حافلات قديمة، وأشار صديقي إلى نخلة قصيرة كثيفة زرعت على جانب الطريق. وأخرج من حقيبة ظهره فرشاة أسنان ومشطا وزجاجة مياه أعطاها لي بأدب شديد. واغتسلنا معا قبل شروق الشمس، قبل أن نحمل حقائبنا على أكتافنا ونتجه إلى المدينة.
ماذا كان اسمه؟ لا أتذكر الآن، إنه مجرد متلهف آخر بعيد عن وطنه، واحد من كثيرين من أبناء المستعمرات القديمة، أحد أبناء الجزائر أو الهند الغربية أو باكستان، الذين يخترقون الآن الحواجز التي وضعها أسيادهم القدامى، ويرتبون لغزوهم العشوائي المنهك. ومع ذلك فعندما كنا نسير في اتجاه شوارع الرامبلا شعرت أنني أعرفه بالفعل، ومع أننا نأتي من طرفين متقابلين من العالم فإننا نقوم بالرحلة نفسها. وعندما افترقنا في النهاية ظللت في الشارع وقتا طويلا جدا أراقب صورة جسده النحيل وساقيه المتقوستين تبتعد وتبتعد، وتمنى بعض مني حينها لو أذهب معه إلى حياة مليئة بالطرقات المفتوحة والأيام المشرقة، في حين أن بعضا آخر أدرك أن مثل هذه الأمنية قصة، أو فكرة، جزئية كصورتي عن أبي أو عن أفريقيا. حتى استقررت على حقيقة أن هذا الرجل القادم من السنغال قد اشترى لي القهوة وقدم لي الماء، وهذا حقيقي، وربما يكون هذا هو كل ما يحق لأحدنا أن يتوقعه؛ مجرد مقابلة بالصدفة ، وقصة مشتركة، وعمل صغير يدل على الطيبة ...
اهتزت الطائرة قليلا ببعض الاضطرابات، وجاء طاقم العمل بالطائرة ليقدم لنا العشاء. أيقظت الشاب البريطاني الذي تناول طعامه بدقة مثيرة للإعجاب، وكان يصف وهو يأكل كيف يكون الحال عندما يتربى المرء في مانشستر. وفي النهاية رحت في سبات عميق. وعندما استيقظت كانت المضيفة توزع استمارات الجمارك استعدادا للهبوط. وفي الخارج كان الظلام لا يزال مخيما، لكن عندما ألصقت وجهي في الزجاج استطعت رؤية بعض الأضواء المتناثرة، وكانت ناعمة وغير واضحة مثل اليراعات، وبالتدريج بدأت تتجمع لتكون شكل مدينة بالأسفل. وبعد بضع دقائق ظهر منحدر من تلال مستديرة مظلمة في مقابل خيط طويل من الضوء في الأفق الشرقي. وبمجرد أن هبطنا في فجر يوم أفريقي رأيت سحبا رفيعة عالية تخط السماء وأسفلها يتوهج باللون الأحمر. •••
كان مطار كينياتا الدولي خاويا تقريبا، ويحتسي المسئولون شاي الصباح وهم يفحصون جوازات السفر، وفي منطقة تسلم الحقائب سير نقال يصدر صريرا يخرج الحقائب ببطء. لم أر أوما في أي مكان؛ لذا جلست على حقيبتي التي أحملها معي وأشعلت سيجارة. وبعد بضع دقائق جاء أحد حراس الأمن يسير باتجاهي وفي يده هراوة خشبية. فنظرت حولي بحثا عن طفاية سجائر، ظنا مني أنني في منطقة ممنوع التدخين فيها، ولكن بدلا من توجيه اللوم إلي ابتسم الحارس وسألني هل معي سيجارة أخرى له.
قال وأنا أشعل سيجارته: «هذه أول رحلة لك إلى كينيا، أليس كذلك؟» «بلى.» «أعلم ذلك.» جلس القرفصاء إلى جواري. وقال: «إنك من أمريكا. لعلك تعرف ابن أخي. اسمه سامسون أوتيينو. إنه يدرس الهندسة في تكساس.»
فأخبرته أنني لم أذهب إلى تكساس قط، فلم تتسن لي فرصة مقابلة ابن أخيه. وقد بدا أن هذا أصابه بالإحباط، فالتقط عدة أنفاس متعاقبة من السيجارة في تتابع سريع. وفي ذلك الوقت كان آخر الركاب في الرحلة التي أتيت فيها قد غادر المطار. فسألت الحارس ألا يزال هناك المزيد من الحقائب قادمة. فهز رأسه بشك.
ناپیژندل شوی مخ