طوبى الأديان ، وهي في الحقيقة طوبيان: واحدة في العالم الآخر، وهي ترمي إلى تغيير نفس المؤمن بوعده بالمكافأة، فإذا تغيرت النفوس وقبلت الإيمان لم تعارض في الطوبى الأرضية التي يرسمها الدين لنظام الحياة على الأرض. (3)
طوبى الفلاسفة: وهي لا يمكن تحقيقها ما لم يكن غرضها واحدا، وهو السعادة والرقي، أو الحياة الطيبة التي تعمل لراحة الفرد وهنائه وارتقاء الأجيال، وما لم تحارب البلاهة في الأمم بمنع البله والمضعوفين من التناسل.
نقد ومراجعة
كانت معارف الإنسان إلى ظهور «أرسطوطاليس» واحدة، كلها أدب، فلم يكن فاصل بين الأدب والعلم؛ لأن الأديب وهو رجل الخيال كان أيضا عالما، وكان العالم وهو رجل الحقيقة أديبا خياليا، فلما جاء أرسطوطاليس وشرع في تأليف «التاريخ الطبيعي» نزع فيه نزعة علمية قائمة على الشرط والتجربة؛ فميز بذلك بين العلم والأدب، وظهرت بعده مدرسة الإسكندرية، وكانت قيمة العلم فيها والعناية به أكبر من قيمة الأدب، وجاء العرب ولم يكن أدبهم مما يغري النفس بالخيال؛ إذ كان عماده الألفاظ وما يلحق النفس من الطرب لرنينها؛ فاندفعت منهم جماعة كبيرة نحو العلم التجريبي.
فلما كانت النهضة الأوروبية الحديثة عاد الأوروبيون إلى الإغريق القدماء، عن سبيل العرب، فنزعوا نزعة علمية عن العرب ونزعة أخرى أدبية عن الإغريق، وبيان الفرق بين العلم والأدب يحتاج إلى بعض التفصيل؛ فالعلم موضوعي والأدب ذاتي، والعلم يبحث قطعة من المعدن، أو مرضا من الأمراض، أو نجما أو نباتا، وهو بعيد عنه لا ينظر لعلاقته به ولا يبالي بمنفعة هذا البحث أو ضرره للإنسان، فقد يهتدي العالم في بحثه إلى سم من أوحى السموم، فلا يدخل في بحثه أن هذا السم يمكن أن يستعمل في الحرب لقتل العدو، ويمكن أن يكتشف عن سبيله سم آخر لقتل النوع البشري كله، وقد يهتدي إلى اختراع آله فلا يبالي بعدد العمال الذين يستغنى عنهم باستعمال هذه الآلة؛ لأنه لا يعنى بعلاقة العالم الذي يبحث فيه الإنسان، وإنما كل عنايته بالعلم نفسه، يبحث فيه وهو غريب عنه بعيد عن منفعته أو ضرره، فإذا رأيت عالما يبحث في توفير الوقود، أو زيادة كفاية الآلة في العمل، ألفيته مشغولا بهذه الأشياء دون أي اعتبار لتأثيرها في العامل الواقف أمام هذه الآلة، وما ينشأ بينه وبين صاحب الآلة من العلاقة الجديدة لهذا الفرق الجديد في الوقود أو العمل.
وهذا بخلاف الأديب، فإنه يبالي بالإنسان لا بالأشياء، فهو لا يمارس الأدب لذاته، كما يمارس العالم العلم لذاته، وإنما هو يزاول أدبه لعلاقته بالإنسان؛ وهو بذلك خيالي يبحث في الدين والأخلاق والشرائع، فالأدب بطبيعته إصلاحي موضوعه الإنسان، والعلم لا يمكن أن يكون إصلاحيا أو إفساديا؛ لأن موضوعه الأشياء فقط، والأديب يعكس جميع المعارف في ذهنه لكي يعرف منها أيها مفيد للإنسان فيزاوله، وأما ما لم يكن كذلك فلا يفكر فيه ولا يكترث له، حتى العالم وهو يبحث في شيء إنساني، ينظر إليه كأنه «شيء» مستقل عن الإنسان، فالألماس زينة المرأة «كربون»، والحمى ناشئة عن «مكروب».
وفي كلمة «سقراط» ما يدل على روح الأديب، فقد قال: «أنت تعرف أن الأشجار في الحقول لا تعلمني شيئا، وإنما أنا أتعلم وأنتفع من الناس في السوق.»
ولكن جاء «أرسطوطاليس» فقسم المعارف قسمين:
المعارف الخارجية التي لا يمكن لجميع الناس أن يتناولوها، وهذه هي الأدب بفروعه، وأساسه التجارب الإنسانية، ثم المعارف الداخلية وموضوعها الأشياء ودرسها وهي العلم، والأولى هي معارف العامة، أما الثانية فهي معارف الخاصة.
ونحن للآن نجري على هذا التقسيم، فلأي فرد من العامة أن يتكلم أو يكتب ما شاء عن الدين أو الأخلاق أو الشعر أو القصص أو العمران أو الاقتصاد، ولكن ليس له أن يكتب عن الكيمياء أو الطب أو الهندسة.
ناپیژندل شوی مخ