Provisions for Forgetfulness Prostration
أحكام سجود السهو
ایډیټر
أبو عبد الرحمن فواز أحمد زمرلي
خپرندوی
دار ابن حزم
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
۱۴۱۶ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
أحكام سجود السهو
تأليف
شيخ الإسلام، ومفتي الأنام
اعتنى به
أبو عبد الرحمن فواز أحمد زمرلي
دار ابن حزم
1
جَمِيع الحُقوق محفوظَة
الطّبعَة الأولى
١٤١٦ هـ - ١٩٩٦مـ
الكتب والدراسات التي تصدرها الدار تعبر عن آراء واجتهادات أصحابها
دار ابن حزم للطباعة وَالنشْر وَالتَّوزيْع
بيروت - لبنان - ص.ب: ١٤/٦٣٦٦ - تلفون: ٧٠١٩٧٤
2
أحكام سجود السهو
3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
4
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
مَنْ يَهده اللَّهُ فلا مضلّ له، ومَنْ يضلل فلا هادي له.
أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له.
وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.
﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا﴾
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
5
فقد فاز فوزا عظيما} (٧١) [الأحزاب : ٧٠ - ٧١]
أما بعد ...
هذه رسالة من رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - أقدمها للأخوة القرّاء، وقد عوّدنا شيخ الإسلام في جميع ما يكتب على الأسلوب الجزل، والقول الرصين، والتحقيق العلمي المتين، والترجيح المفيد.
دأبه في كل ما يكتب أن يحرر المسائل، ويبحث عن أدلتها، مرجّحاً فيما بينها بالدليل، والبيان الساطع.
وهذه الرسالة على صغر حجمها قد حوت على أمّات المسائل في أحكام سجود السهو، تكلّم فيها شيخ الإسلام تغمده الله برحمته الواسعة عن:
تأويل الأحاديث المختلفة في أحكام سجود السهو: وهي مسألة مهمة تفرّع عنها أكثر الاختلافات في سجود السهو:
معنى الشك، ومعنى اليقين، والمراد بالتحري، متى يبني على اليقين؟ ومتى يتحرى؟
وما هي أقوال العلماء في هذه المسألة، وما هي وجهات نظرهم فيها، مع التوفيق بين الأدلة، والجمع بين الآراء، ودفع المرجوح فيها، بما لا تجده في مكان آخر.
6
ثم تكلّم عن مسألة محلّ سجود السهو ، هل هو قبل السلام، أو بعده، عارضاً لأقوال العلماء في هذه المسألة، ثم تبنى القول الراجح المعتمد فيها - وهو الأخذ بجميع الأحاديث الواردة في المسألة، فيكون السجود قبل السلام في المواطن التي سجد فيها النبي - ﷺ -، ويكون بعد السلام في المواطن التي سجد فيها النبي - ﷺ - بعد السلام.
وبيّن بالدليل وبالمعقول أنّ الأحاديث الصحيحة تبيّن ضعف قول كلّ من عمّم فجعله كلّه قبل السلام، أو جعله كلّه بعد السلام.
ثم تكلّم - رحمه الله تعالى - عن حكم سجود السهو ، وذهب إلى القول بوجوبه لظاهر الأمر بالسجود، الوارد في الأحاديث الصحيحة، وبالنظر الموافق لتلك الأحاديث.
- وتكلّم - رحمه الله تعالى - عن حكم ترك سجود السهو
وما شرع قبل السلام أو بعده ، فهل ذلك على وجه الوجوب، أو الاستحباب؟
- وحكم نسيان سجود السهو ، مع الفصل بالكلام وغيره.
7
- وحكم البناء بعد طول الفصل.
- وحكم التكبير في سجود السهو.
- والتسليم منه.
- والتشهد بعده، حيث ذهب إلى تضعيف زيادة: ((ثم تشهد))، متناً وسنداً، بما لا تجده عند غيره.
وكل هذه الأحكام - وبين ثناياها - تجد عرض الأقوال، وأدلتها، ونسبتها إلى قائليها بأمانة ودقة وإخلاص.
ثم الترجيح الدقيق المبني على الأدلة الصحيحة القوية، والنظر الثاقب، بحيث تجد وأنت تقرأ لشيخ الإسلام كأنك تغوص غمار بحر عظيم، ومحيط لا قعر له.
وقد وضعت ملحقاً لهذه الرسالة في بعض المسائل في أحكام سجود السهو لم يتطرّق لها شيخ الإسلام، فغدت بحمد الله - هذه الرسالة - جامعة لأكثر مسائل سجود السهو.
8
ترجمة شيخ الإسلام
ومفتي الأنام ابن تيمية
رحمه الله تعالى
مولده ونشأته:
ولد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية في العاشر من ربيع الأول سنة ٦٦١هـ في حرّان، وهي بلدة تقع في الشمال الشرقي من بلاد الشام، في جزيرة ابن عمرو بين دجلة والفرات.
وتحوّل به أبوه من حرّان إلى دمشق سنة ٦٦٧ هـ عند استيلاء التتار على البلاد، فنشأ فيها، وتلقّى على أبيه، وعلماء عصره العلوم المعروفة في تلك الأيام.
ولقد كانت أسرة آل تيمية أسرة علم وفضل وتقوى، وكان أبوه وجدّه من كبار العلماء في هذه الحقبة.
ومن آثار جدّه: «منتقى الأخبار من أحاديث سيد
9
الأخيار)) الذي شرحه الشوكاني بكتابه المعروف : ((نيل الأوطار)) .
ولآل تيمية ((المسودة في أصول الفقه)) وقد تتابع الجد والأب والحفيد، كتب كلّ واحد من هؤلاء العلماء ما كتبه وتركه مسودة. ثم جاء أحمد بن محمد الحراني الدمشقي المتوفى سنة ٧٤٥ هـ فجمع مسوداتهم ورتّبها وبيّضها، وهي تمثل تسلسل العلم فيهم، وإسهامهم في خدمة الإسلام.
استطاع ابن تيمية - رحمه الله - أن يلمّ بفنون الثقافة في عصره في وقت مبكر، وقد كان ذا حافظة خارقة، وقد حدّثوا في ترجمته بالأعاجيب في ذلك.
10
عبادته وزهده وتواضعه
كان شيخ الإسلام صوّاماً قوّاماً، معظّماً للشرائع ظاهراً وباطناً، لا يؤتى من سوء فهم؛ فإنّ له الذكاء المفرط، ولا من قلّة علم فإنه بحر زخّار، ولا كان متلاعباً بالدين، ولا ينفرد بمسائله بالتشهّي، ولا يطلق لسانه بما اتفق، بل يحتج بالقرآن والحديث والقياس، ويبرهن، ويناظر أسوة بمن تقدّمه من الأئمة.
وحج سنة إحدى وتسعين وستمائة.
وكان مضرب المثل في زهده، فلم تكن الدنيا تشغل باله، بل جعل همّه وحديثه في طلب الآخرة، وما يقرّب إلى الله تعالى.
وما كان يرضى أن يأخذ من السلطان شيئاً، وكان أخوه يقوم بشؤونه.
وكان - رحمه الله تعالى - مترفّعاً عن الأحقاد، لا ينتقم لنفسه.
وذكر لنا العلماء صفحه عن الذين أرادوا قتله
11
وأذيته، وكيف جادل السلطان في الصفح عنهم.
وفي ذلك يقول زين الدين ابن مخلوف قاضي المالكية: ما رأينا مثل ابن تيمية حرّضنا عليه، فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا، وجاء الفقهاء يعتذرون مما وقع منهم في حقه، فقال: قد جعلتُ الكلَّ في حلّ.
12
سعة علمه ، وشيوخه وتلاميذه ، ومصنفاته
أخذ شيخ الإسلام الفقه والأصول عن والده، وسمع من خلق كثيرين، منهم الشيخ شمس الدين، والشيخ زين الدين ابن المنجا، والمجد ابن عساكر وغيرهم.
وكان واسع الاطلاع على فنون العلم وضروبه، وأبدع في جميع ذلك - رحمه الله تعالى -.
قال أبو الفتح اليعمري فيه: ألفيته ممن أدرك من العلم حظّاً، وكان يستوعب السنن والآثار حفظاً، إن تكلّم في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذكر في الحديث فهو صاحب علمه وذو روايته، أو حاضر بالملل والنحل لم يُرَ أوسع من نحلته في ذلك، ولا أرفع من درايته، برّز في كلّ فن على أبناء جنسه، ولم تَرَ عين مَنْ رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه.
وعُرف من تلاميذه الحافظ محمد ابن قيم
13
الجوزية، واشتهر بشيخه، وكذلك الحافظ الذهبي، وابن كثير، وابن عبد الهادي وغيرهم.
• ولشيخ الإسلام العديد من المصنفات، من ذلك : الإيمان، والفرقان، والحسبة، والسياسة الشرعية، ودرء تعارض العقل والنقل، ومنهاج السنة النبوية، واقتضاء الصراط المستقيم، والجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، وغيرها الكثير الكثير من الرسائل، والمصنفات.
14
ثناء العلماء عليه
لقد أثنى على شيخ الإسلام ابن تيمية، هذا الطود الشامخ، والجبل الراسخ قدمه في العلم والزهد والعبادة، ولقبوه بشيخ الإسلام: الأئمةُ الأعلام، وأفردوا مناقبه بالتصانيف، وتحلّت بذلك التواريخ والتآليف.
ولم ينتقص منه إلاّ مَنْ جهل مقداره وخطره، ومَنْ جهل شيئاً أنكره. وإلاّ مَنْ طبع اللَّهُ على قلبه الممتلىء بالخبث والطعن على الإسلام، والنفاق والجرأة على دين الله تعالى.
ولقد أنصف العلاّمة بهاء الدين ابن السبكي حيث يقول لبعض مَنْ ذكر له الكلام في ابن تيمية، فقال:
والله يا فلان، ما يبغض ابن تيمية: إلاّ جاهل، أو صاحب هوى فالجاهل لا يدري ما يقول.
وصاحب الهوى يصدّه هواه عن الحق بعد معرفته به.
قال فيه ابن دقيق العيد بعدما سمع كلامه: ما
15
كنت أظن أنّ الله تعالى بقي يخلق مثلك. وقال: لما اجتمعتُ بابن تيمية، رأيت رجلاً: العلوم كلّها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد.
وقال الحافظ المزي: ما رأيتُ مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنة رسول الله - ﷺ -، ولا أتبع لهما: فيه.
وقال الحافظ ابن حجر: لا يطلق في ابن تيمية أنه كافر إلاّ أحد رجلين: إما كافر حقيقة، وإما جاهل بحاله، فإنّ الرجل كان من كبار المسلمين.
ومن المصنفات التي أفردت في مناقبه:
((الرد الوافر))، لابن ناصر الدين.
وقد لخصها الكرمي في ((الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية)). و((الأعلام العلية في مناقب الإمام ابن تيمية)) للحافظ البزار وغيرها ...
16
وفاته
أدخل شيخ الإسلام السجن آخر مرة في شعبان سنة ٧٢٦ هـ، واعتقل بالقلعة، ومكث في السجن إلى أن توفّاه الله في ٢٦ ذي القعدة سنة ٧٢٨ هـ.
مرض بضعة وعشرين يوماً، ولم يعلم أكثر الناس بمرضه، وفوجئوا بموته.
ذَكَرَ خَبَرَ وفاته مؤذنُ القلعة على منارة الجامع، وتكلّم به الحرس على الأبراج، فتسامع الناس بذلك، واجتمعوا حول القلعة.
وكانت جنازته عظيمة جداً، وأقلّ ما قيل في عدد مشيعيه: خمسون ألفاً، ودفن في مقابر الصوفية في دمشق.
وقد رثاه كثير من العلماء، وقصائدهم في ذلك معروفة مشهورة.
رحم الله ابنَ تيمية، فقد كان عظيماً في حياته.
17
وعظيماً بعد مماته. وجزاه عن الدين خير ما جازى داعية حق عن دعوته.
والحمد لله رب العالمين.
18
عملي في تحقيق هذه الرسالة
لقد اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على طبعتها في الفتاوى المجلد / ٢٣/ من ص ٥ إلى ص ٥١.
ولقد سلكت في تحقيقها الخطوات التالية:
خرّجت الآيات الواردة فيها.
خرّجت الأحاديث الشريفة، والآثار، وحكمت عليها بما تقتضيه الصناعة الحديثية، مستعيناً على ذلك بأقوال أهل العلم في ذلك.
علقت على النص بما يحتاج من شرح غريب، أو تعليق مفيد، أو عزو لمصادر الأقوال، أو مصادر بعض المسائل الواردة في ثنايا هذه الرسالة.
ترجمت للمؤلف ترجمة موجزة توضّح أهم معالم حياته.
وضعت فهرسة لآياته، وأحاديثه، وآثاره.
هذا فما كان من صواب فمن الله تعالى عليّ.
19
وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان أستغفر الله تعالى منه.
والحمد لله رب العالمين.
وكتب راجي عفو ربه ورضوانه
أبو عبد الرحمن
فواز أحمد زمرلي
طرابلس - الشام
١٢ ربيع الأول ١٤١٦ هجرية
20