والجواب: أن إنكارهم دل على أن الظاهر في الشرع خلاف ذلك، ولأنهم لا ينكرون ما يسوغ فيه الاجتهاد.
وقولها: "ما صلى رسول الله ﷺ على ابن البيضاء إلا في المسجد" دلالة عليهم لأنه لو كان يجوز ذلك لصلى على جميع الناس ولم يخصه، ولم نخصه بابن البيضاء، ولأنه يجوز أن يكون صلى عليه لعذر من مطر أو غيره ويجوز أن تكون الجنازة وضعت خارج المسجد وصلى عليه في المسجد فظنت عائشة أن الناس أنكروا عيها فعل الصلاة، وما روى عن عمر (١) أنه صلى على أبي بكر في المسجد (٢)، وصلى صهيب على عمر في المسجد (٣) يجوز أن يكون في مسجد الجنازة، قلت: وربما يقوي هذا أنها ﵂ لم تحتج عليهم بفعلهم في عمر فإن وفاته سنة ثلاثة وعشرين ووفاة سعد خمس وخمسين، أو ست، أو سبع، قال: ولأنه لا يثبت به إجماع مع إنكار من أنكر على عائشة، قالوا: صلاة شرعية فلم يكره فعلها في المسجد كسائر الصلوات؟ قلنا: نقول بموجبه؛ لأن الصلاة لا تكره عندنا، وإنما يكره إدخال الميت، ولأن سائر الصلوات يؤمن فيها تلويث المسجد وتبطل بصلاة المستحاضة ومن به سلس البول، قالوا: المسجد أنظف من غيره من البقاع وكانت الصلوات فيه أفضل، قلنا: من أصلكم أن صلاة الاستسقاء والعيدين في غير المسجد أفضل، وإن كان المسجد أفضل البقاع انتهى. فإن قيل: قال شرف الأئمة العقيلي: إن الصلاة على الجنازة في المسجد مكروه كراهة تنزيه، قلت: الأظهر قول شرف الأئمة المكي أنها كراهة تحريم لما سمعت من قول محمد فإن أسلوبه في إطلاق المنع لذلك ومما سمعت من نسخ الإباحة، وظواهر
_________
(١) لم أقف عليه، ولعل الصواب عروة.
(٢) إسناده ضعيف - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٣/ ٥٢٦) (٦٥٧٦)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣/ ٤٤) (١١٩٦٧)، وابن المنذر في "الأوسط" (٥/ ٤١٥) (٣١١٤، ٣١١٥) من طريق هشام بن عروة عن أبيه، قال: «ما صلي على أبي بكر إلا في المسجد». وهذا إسناد منقطع؛ لأن عروة ولد في أوائل خلافة عثمان ولم يدرك أبا بكر.
(٣) صحيح - أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٣/ ٩٩) (٤٥١٦)، والبيهقي في "الكبرى" (٤/ ٨٦) من طريق سليمان بن حرب، ثنا وهيب، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر ﵄، «أن عمر صلي عليه في المسجد صلى عليه صهيب ﵁» ورواته ثقات.
1 / 20