الحديث فقالوا: لا بأس بالصلاة على الجنازة في المساجد، واحتجوا أيضا بما روي عن ابن عمر أن عمر صلى عليه في المسجد (١)، وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا الصلاة على الجنائز في المساجد، واحتجوا بما حدثنا .. إلخ (٢) فروى عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: "من صلى على جنازة في مسجد فلا شيء له" (٣)، قال: فلما اختلفت الروايات عن النبي ﷺ في هذا الباب نظرنا في ذلك لنعلم المتأخر من الحديثين فنجعله ناسخا للمتقدم منهما، فوجدنا حديث عائشة دليلا على أنهم كانوا تركوا الصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كانت تفعل فيه وارتفع ذلك من فعلهم، وذهب معرفته عن عائشة فلم يكن ذلك عندها لكراهية حدثت بل كان الأمر عندها على أنهم كانوا يصلون عليها في المسجد لو شاءوا، لذلك أمرت به حتى أنكر ذلك الناس عليها وهم أصحاب رسول الله ﷺ لعلمهم بما غاب عنها فبان بذلك أن الإباحة للصلاة عليها في المسجد هي المتقدمة على ما في حديث عائشة من صلاة رسول الله ﷺ على سهل بن البيضاء في المسجد وأن الترك للصلاة عليها في المسجد هو المتأخر عن ذلك [ق ٢٧ / ب] على ما في حديث أبي هريرة وأن حديث أبي هريرة ناسخ لحديث عائشة (٤)، وهذا الذي ذكرناه من النهي عن
_________
(١) سبق تخريجه.
(٢) مكان النقط إسناد الطحاوي وحذفها الماتن.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) وعكس الأمر ابن شاهين فقال في " ناسخ الحديث ومنسوخه " (ص: ٣٠٥): (حدثنا أحمد بن سليمان، قال: نا عبد الله بن أحمد، قال: سألت أبي عن حديث أبي هريرة، عن النبي ﷺ: «من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له» فقال كأنه عنده ليس بثبت أو ليس بصحيح. فإن صح حديث ابن أبي ذئب فهو منسوخ بحديث سهيل بن بيضاء والدليل على ذلك الصلاة على أبي بكر وعمر في المسجد فلو ثبت الحديث ما صلى أحد على أصحاب رسول الله ﷺ في المسجد) ونحوه قول البيهقي حيث قال في "معرفة السنن" (٥/ ٣١٨): (ولو كان عند أبي هريرة نسخ ما روته عائشة لذكره يوم صلى على أبي بكر الصديق ﵁ في المسجد، أو يوم صلى على عمر بن الخطاب ﵁ في المسجد، ولذكره من أنكر على عائشة أمرها بإدخاله المسجد، أو ذكره أبو هريرة حين روت فيه الخبر". وإنما أنكره من لم يكن له معرفة بالجواز، فلما روت فيه الخبر سكتوا ولم ينكروه ولا عارضوه بغيره").
والأمر من الطرفين لا يعدو كونه احتمالا لا يقوى على ثبوت النسخ، فالأولى على فرض صحة حديث الباب حمل النهي على الكراهة، والفعل على الجواز إعمالا لكلا الدليلين.
1 / 17