ـ[أَحْكَام الْقُرْآن الْكَرِيم]ـ
الْمُؤلف: أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَلامَة بن عبد الْملك بن سَلمَة الْأَزْدِيّ الحجري الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بالطحاوي (الْمُتَوفَّى: ٣٢١هـ)
تَحْقِيق: الدكتور سعد الدَّين أونال
الناشر: مَرْكَز البحوث الإسلامية التَّابِع لوقف الدّيانَة التركي، استانبول
الطبعة: الأولى
المجلد ١: ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
المجلد ٢: ١٤١٨ هـ - ١٩٩٨ م
[ترقيم الْكتاب مُوَافق للمطبوع، وَيُمكن الِانْتِقَال للجزء والصفحة أَو رقم الحَدِيث]
ناپیژندل شوی مخ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ سَلَامَةَ الْأَزْدِيُّ الطَّحَاوِيُّ ﵀:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْضحَ لَنَا مِنْ بُرْهَانِهِ، وَبَيَّنَ لَنَا مِنْ فُرْقَانِهِ، وَهَدَانَا إِلَيْهِ مِنْ نُورِ كِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، وَأَنْهَجَ بِهِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَجَعَلَهُ مُهَيْمِنًا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى النَّبِيَّينَ صَلَّى الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ فَأَعْلَمَنَا ﷿ بِذَلِكَ أَنَّ مِنْ كِتَابِهِ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ، قَدْ أَحْكَمَهَا بِالتَّأْوِيلِ مَعَ حِكْمَةِ التَّنْزِيلِ، وَأَنَّهَا أُمُّ الْكِتَابِ، وَأَنَّ مِنْ كِتَابِهِ آيَاتٍ مُتَشَابِهَةً، ثُمَّ ذَمَّ مُبْتَغِي الْمُتَشَابِهَاتِ، فَقَالَ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُتَشَابِهَاتِ إِنَّمَا يُلْتَمَسُ مِنَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ ﷿، لِلْكِتَابِ أُمًّا، ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِهِ الَّتِي أَجْرَاهَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ تِبْيَانًا لِمَا أُنْزِلَ فِي كِتَابِهِ مُتَشَابِهًا، وَأَمَرَ ﷿ بِقَبُولِ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَوْلًا، كَمَا أَمَرَ بِقَبُولِ كِتَابِهِ مِنْهُ قُرْآنًا، فَقَالَ ﷿: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾ وَقَالَ:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾
1 / 59
فَأَوْجَبَ ﷿ عَلَيْنَا بِذَلِكَ قَبُولَ مَا أَتَانَا بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَوْلًا، كَمَا أَوْجَبَ قَبُولَ مَا تَلَاهُ عَلَيْنَا قُرْآنًا وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ، فِيمَا
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَأَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ، يَذْكُرُهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: " لَأَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مَمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللهِ ﷿ اتَّبَعْنَاهُ "
وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: " لَأَعْرِفَنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي، إِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، وَإِمَّا نَهَيْتُ عَنْهُ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ، فَيَقُولُ: مَا نَدْرِي مَا هَذَا؟ عِنْدَنَا كِتَابُ اللهِ، وَلَيْسَ هَذَا فِيهِ " حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ
وَحَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " لَأَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي، قَدْ أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ، فَيَقُولُ: مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَمِلْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَا "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ جَابِرٍ، عِنِ الْمِقْدَامِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " لَأُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ ﷿، مَا وَجَدْنَاهُ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَهُوَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ "
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيُّ،
1 / 60
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ رُوَيْهٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ الْجَرْشِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: " أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمَا يَعْدِلُهُ، يُوشِكُ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هَذَا الْكِتَابُ، فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ أَحْلَلْنَاهُ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَلَا الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ " وَأَعْلَمَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ الَّذِي عَنْهُ قَبِلْنَا كِتَابَ اللهِ ﷿ أَنَّ عَلَيْنَا قَبُولَ مَا قَالَهُ لَنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ وَمَا نَهَانَا عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، كَمَا عَلَيْنَا قَبُولُ مَا تَلَاهُ عَلَيْنَا قُرْآنًا، ثُمَّ وَجَدْنَا أَشْيَاءَ قَدْ كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي الْإِسْلَامِ فَرْضًا غَيْرَ مَذْكُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا: التَّوَارُثُ بِالْهِجْرَةِ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نَسَخَ اللهُ ﷿ ذَلِكَ بِمَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِإِسْنَادِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ وَمِنْهَا: الصَّلَاةُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ نَسَخَ اللهُ ﷿ ذَلِكَ بِمَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ سُورَة الْبَقَرَة آيَة وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَمِنْهَا: بَيْعُ الْأَحْرَارِ فِي الدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهِمْ، ثُمَّ نَسَخَ اللهُ ﷿ ذَلِكَ بِمَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ سُورَة الْبَقَرَة آيَة وَكَانَ الْقُرْآنُ قَدْ نَسَخَ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ غَيْرَ قُرْآنٍ، وَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَرْضًا، وَأَوْجَبَ لَهُ حُكْمًا مُسْتَأْنَفًا، وَلَمْ يَنْقُضْ بِذَلِكَ مَا قَدْ مَضَى قَبْلَ نُزُولِ الْآيَاتِ النَّاسِخَاتِ عَلَى مَا كَانَ مَضَى عَلَيْهِ مِنْ بَيْعِ الْأَحْرَارِ فِي الدُّيُونِ، وَمِنَ التَّوَارُثِ بِالْهِجْرَةِ دُونَ الْأَرْحَامِ، وَلَوْ كَانَ نُزُولُ
1 / 61
هَذِهِ الْآيَاتِ أَوْجَبَ حُكْمًا مُتَقَدِّمًا فِيمَا مَضَى قَبْلَ نُزُولِهَا، إِذًا لَرَدَّ مَا مَضَى قَبْلَهَا إِلَى الَّذِي أُنْزِلَ فَيهَا، وَلِأَنَّ لِمَا ثَبَتَ إِمْضَاءُ الْأُمُورِ فِيما كَانَ قَبْلَ نُزُولِهَا عَلَى مَا مَضَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَا نَزَلَ بَعْدَهُ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا كَانَتِ الْأُمُورُ مَضَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ نُزُولِ مَا قَدْ خَالَفَهُ، قَدْ مَضَى عَلَى فَرْضٍ مِنَ اللهِ ﷿، وَلَمَا كَانَ مَا تَقَدَّمَ نُزُولَ الْقُرْآنِ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَحْكَامِ يَجْرِي عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ، وَلَا يَنْقُضُهُ نُزُولُ الْقُرْآنِ بِخِلَافِهِ وَكَانَ نُزُولُ الْقُرْآنِ يَنْسَخُهُ، لِأَنَّهُ مِنْ شَكْلِهِ، كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مِنَ الرَّسُولِ ﷺ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ نَاسِخًا لِمَا أُنْزِلَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا كَانَ يُخَالِفُ حُكْمَهُ وَإِنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَدْ خَالَفَنَا فِي ذَلِكَ، وَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ إِلَّا قُرْآنٌ
فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيهِ لِمَا اعْتَلَلْنَا بِهِ فِيهِ، وَلِمَا قَدْ وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ ﷿ مِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ، قَالَ اللهُ ﷿ فِي الزَّانِيَاتِ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " خُذُوا عَنِّي قِدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ " وَسَنَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، إِنْ شَاءَ اللهُ وَكَانَ السَّبِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ ﷿ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ مَذْكُورٍ مَا هُوَ فِيمَا أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ، مَذْكُورًا عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ ﷺ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ، وَنَاسِخًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي حُكْمِ الزَّانِيَاتِ وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: السَّبِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ ﷿ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ قَوْلُهُ ﷿ فِي سُورَةِ النُّورِ: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ قَيلَ لَهُ: فِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ الَّذِي حَكَيْنَاهُ مَا يُوجِبُ خِلَافَ هَذَا، لِأَنَّهُ قَالَ: " خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا "، فَأَخْبَرَ السَّبِيلَ مَا هُوَ؟ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ لِلَّهِ ﷿ سَبِيلٌ أَنْزَلَهَا فِي ذَلِكَ قُرْآنًا وَلَمْ يَخْلُ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يِكُونَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ ﷿ فِي سُورَةِ النُّورِ: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾
أَوْ بَعْدَ نُزُولِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ فَقَدْ نَزَلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَهُ جَعْلُ
1 / 62
اللهِ ﷿ السَّبِيلَ فِي الزَّانِيَاتِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عِنْهُ، ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ النُّورِ فِي الْأَبْكَارِ مِنَ الزَّوَانِي وَالزُّنَاةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَزَلَ بِحُكْمِ اللهِ ﷿ أَرَادَ بِهِ الْأَبْكَارَ مِنَ الزَّوَانِي وَالزُّنَاةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الثَّيِّبِ، أَوْ يَكُونُ أَرَادَ بِهِ كُلَّ الزَّوَانِي وَالزُّنَاةِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي تَفْصِيلِهِ بَيْنَ حُكْمِ الْأَبْكَارِ مِنَ الثَّيِّبِ مِنَ الزَّوَانِي وَالزُّنَاةِ، فَأَحَطْنَا بِذَلِكَ عِلْمًا أَنَّ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ حُكْمًا حَادًّا لِلَّهِ ﷿ فِي الزَّوَانِي وَالزُّنَاةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ، نُسِخَ بِهِ مَا كَانَ قَدْ تَقَدَّمَهُ مِمَّا يُخَالِفُهُ فِي الْقُرْآنِ وَفَرَضَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْوَصِيَّةَ فِي كِتَابِهِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَقَالَ ﷿: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ سُورَة الْبَقَرَة آيَة ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ بِقَوْلِهِ: " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا نَسَخَ اللهُ ﷿ ذَلِكَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ؟ قِيلَ لَهُ: مَا عَلَى نَسْخِ اللهِ ﷿ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ كَمَا ذَكَرْتُ، لِأَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ أَوْجَبَتِ الْمَوَارِيثَ بَعْدَ الْوَصَايَا وَالدُّيُونِ إِنْ كَانَتْ وَالْوَصَايَا فَقَدْ كَانَتْ فِي كِتَابِ اللهِ ﷿ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَلَمْ يَكُنْ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَينِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ قَدْ جَمَعَ لِلْوَالِدَيْنِ بِالْآيَتَيْنِ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ، وَلِأَنَّ الَّذِي بِهِ عِلْمُنَا نَسْخَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ، وَوَقَفْنَا بِهِ عَلَى ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ ﷺ: " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَنْسَخُ الْقُرْآنَ، كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ السُّنَّةَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ قَالَ اللهُ ﷿ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّبْدِيلَ إِنَّمَا يَكُونُ عَنِ اللهِ ﷿، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْقُرْآنِ قِيلَ لَهُ: وَمَنْ قَالَ لَكَ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ اللهِ عَزَّ
1 / 63
وَجَلَّ، أَوْ أَنَّ السُّنَّةَ لَيْسَتْ عَنِ اللهِ ﷿؟ بَلْ هُمَا عَنْهُ، يَنْسَخُ بِهِمَا مَا شَاءَ مِنَ الْقُرْآنِ، كَمَا يَنْسَخُ مِنْهُمَا مَا شَاءَ بِالْقُرْآنِ وَكَانَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا قَدْ يَخْرُجُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَكُونُ ظَاهِرًا لِمَعْنَى، وَيَكُونُ بَاطِنُهُ مَعْنًى آخَرَ وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ ظَاهِرِهِ، وَإِنْ كَانَ بَاطِنُهُ قَدْ يَحْتَمِلُ خِلَافَ ذَلِكَ، لِأَنَّا إِنَّمَا خُوطِبْنَا لِيُبَيِّنَ لَنَا، وَلَمْ نُخَاطَبْ بِهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ خَالَفَنَا فِي هَذَا، وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنَ الْبَاطِنِ فَإِنَّ الْقَوْلَ عَنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ لِلَّدَلائِلِ الَّتِي قَدْ رَأَيْنَاهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّا رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ سُورَة الْبَقَرَة
آيَة قَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ، فَعَمَدَ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ، إِلَى خَيْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَسْوَدُ، وَالْآخَرُ أَبْيَضُ فَاعْتَبَرَ بِهِمَا مَا فِي الْآيَةِ ثُمَّ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يُعَنِّفْهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ: قَدْ كَانَ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ اللَّذَانِ عُنِيَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرَ مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ، بَلْ قَالَ: " إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْوِسَادِ، إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى سَوَادِ اللَّيْلِ وَبَيَاضِ النَّهَارِ " وَلَمْ يَعِبْ عَلَيْهِمْ ﷺ اسْتِعْمَالَ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ وَفِي اسْتِعْمَالِهِمْ مَا اسْتَعْمَلُوا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ تَوْقِيفِ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِيَّاهُمْ عَلَى الْمُرَادِ بِذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ لَهُمُ اسْتِعْمَالَ الْقُرْآنِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوَفَّقُوا عَلَى تَأْوِيلِهِ نَصًّا كَمَا وُفِّقُوا عَلَى تَنْزِيلِهِ نَصًّا وَفِي ثُبُوتِ ذَلِكَ ثُبُوتُ اسْتِعْمَالِ الظَّاهِرِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيِ مِنَ الْبَاطِنِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ عَلِمُوهُ مِنْ تَحْرِيمِ اللهِ ﷿ الْخَمْرَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فِي الْآيَةِ مَا تِلْكَ الْخَمْرُ وَمَا جِنْسُهَا؟ فَكَسَرَ بَعْضُهُمْ آنِيَتَهُ وَهَرَاقَ خَمْرَهُ، وَهُمْ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَأَبُو طَلْحَةَ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ الْبَيْضَاءِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَمْثَالِهِمْ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ الَّذِي هَرَاقُوهُ يَوْمَئِذٍ فَضِيحَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْخَمْرُ الَّتِي
1 / 64
حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْ مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: لقَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْفَضِيحِ الَّذِي قَدْ
ذَكَرْنَاهُ، وَإِنَّ الْمَدِينَةَ مَا كَانَتْ تَخْلُو مِنْهُ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، وَهِيَ الْفَضِيحُ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ جَمِيعًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁، فَقَالَ: حُرِّمَتْ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمْ تِلْكَ الْآيَةَ عَلَى مَا كَانَ وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ حُكْمِهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إِلَّا ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يُعَنِّفْهُمُ النَّبِيُّ ﷺ، وَلَا قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَعْجَلُوا بِإِتْلَافِ أَمْوَالِكُمْ حَتَّى تَعْلَمُوا تَحْرِيمَ اللهِ ﷿ إِيَّاهَا عَلَيْكُمْ بِمَا لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا تَعْلَمُونَه مِنْ ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ أَسَانِيدَ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ وَفِي وُجُوبِ حَمْلِ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى ظَاهِرِهَا وُجُوبُ حَمْلِهَا عَلَى عُمُومِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْعَامَّ لَيْسَ بِأَوْلَى بِهَا مِنَ الْخَاصِّ، إِلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ إِمَّا مِنْ كِتَابٍ، وَإِمَّا مِنْ سُنَّةٍ، وَإِمَّا مِنْ إِجْمَاعٍ فَإِنَّا لَا نَقُولُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ، وَلَكِنَّا نَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْعَامَّ فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِهَا مِنَ الْخَاصِّ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْآيَاتُ فِيهَا مَا يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ، وَفِيهَا مَا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ وَكَانُوا قَدِ اسْتَعْمَلُوا قَبْلَ التَّوْقِيفِ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنَ الْمُرَادِ بِهَا مِنْ عُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ، وَكَانَ الْخُصُوصُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، إِنَّمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِتَوْقَيفٍ ثَانٍ مِنَ الرَّسُولِ ﷺ أَوْ مِنْ آيَةٍ أُخْرَى مِنَ التَّنْزِيلِ تَدُلُّ
عَلَيْهِ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى عُمُومِهَا، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِهَا مِنَ اسْتِعْمَالِهَا عَلَى خُصُوصِهَا، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ اللهَ ﷿ أَرَادَ بِهَا سِوَى ذَلِكَ وَقَدْ أَلَّفْنَا كِتَابَنَا هَذَا نَلْتَمِسُ فِيهِ كَشْفَ مَا قَدَرْنَا عَلَى كَشْفِهِ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِ اللهِ ﷿، وَاسْتِعْمَالَ مَا حَكَيْنَا فِي رِسَالَتِنَا هَذِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِيضَاحَ مَا قَدَرْنَا عَلَى إِيضَاحِهِ مِنْهُ، وَمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِيهِ بِمَا أَمْكَنَنَا مِنْ بَيَانِ مُتَشَابِهِهِ بِمُحْكَمِهِ، وَمَا أَوْضَحَتْهُ السُّنَّةُ مِنْهُ، وَمَا بَيَّنَتْهُ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ مِنْهُ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِمَّا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ
1 / 65
وَاللهَ نَسْأَلُهُ الْمَعُونَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّوْفِيقَ لَهُ، فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ لَنَا وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَأَوَّلُ مَا نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ، مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامٍ الطَّهَارَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِي كِتَابِ اللهِ ﷿ َّ
1 / 66
كِتَابُ الطَّهَارَاتِ
1 / 67
تَأْوِيلُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾
هَلْ هُوَ عَلَى الْقِيَامِ إِلَى كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ الْقِيَامِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ قَائِمٍ إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ كُلَّ مُرِيدٍ لِلْقِيَامِ إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ قِيَامِهِ إِلَيْهَا حَتَّى يَقُومَ إِلَيْهَا مُتَوَضِّئًا الْوُضُوءَ الَّذِي أَمَرَهُ اللهُ ﷿ بِهِ فِي بَقِيَّةِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ ﷿: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ حَتَّى تَقْرَأَهُ عَلَى اسْتِعَاذَةٍ قَدْ كَانَتْ مِنْكَ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ مُنْقَطِعًا
١ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيُّ، وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَيَتْلُو: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَيْسَ عَلَى كُلِّ مُرِيدٍ الْقِيَامَ إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَنْ يَتَوَضَّأَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى حَدَثٍ، فَيَتَوَضَّأُ لِحَدَثِهِ حَتَّى يَصِيرَ طَاهِرًا، فَيَكُونَ قِيَامُهُ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى الطَّهَارَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ ﷿ أَنْ نَقُومَ إِلَيْهَا فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، فَهُوَ إِذَا قَامَ عَلَى حَالِهِ، فَهُوَ قَدْ قَامَ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللهُ ﷿ بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَا مَعْنَى لِتَوَضُّئِهِ لِلصَّلَاةِ الَّذِي لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَدَثٍ إِلَى طَهَارَةٍ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: قَدْ كَانَ الْوُضُوءُ وَاجِبًا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمُرِيدِينَ لِلْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ لِكُلِّ
1 / 68
صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ يُرِيدُونَ الْقِيَامَ إِلَيْهَا، حَتَّى نَسَخَ اللهُ ﷿ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ بِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ فَمِمِّنْ رُوِيَ عَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ بِالْوُضُوءِ الْوَاحِدِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَيَّ الْمَذْهَبَيْنِ كَانَ مَذْهَبَهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا هَلْ هُوَ لِلنَّسْخِ لَهَا؟ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ الْمَذْكُورِ فِيهَا هُوَ الْقِيَامُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُحْدِثِينَ؟ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
٢ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ عَلِيٍّ: أَنَّ سَعْدًا كَانَ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ "
٣ - حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِيسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، مِثْلَهُ
٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ أَصْحَابَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ تَوَضَّئُوا وَصَلَّوُا الظُّهْرَ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ قَامُوا لِيَتَوَضَّئُوا، فَقَالَ لَهُمْ: مَالَكُمْ أَحْدَثْتُمْ؟ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: " الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ لَيُوشِكُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدُكُمْ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ عَمَّهُ، أَوِ ابْنَ عَمِّهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ "
٥ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عِنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: " كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ نُحْدِثْ " وَاحْتَجَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى نَسْخِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْوُضُوءِ لِلْقِيَامِ إِلَى كُلِّ صَلَاةٍ بِمَا
٦ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ يَتَوَضَّأُ ابْنُ عُمَرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، عَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: حَدَّثَتْهُ أَسْمَاءُ
1 / 69
بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ حَدَّثَهَا، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَمَرَ بِالسِّوَاكِ "، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى أَنَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ قَوَّةً، فَكَانَ لَا يَدَعُ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالُوا: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ نَسْخُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَفِيهِ أَيْضًا نَسْخُ أَنَّهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ ﷿ بِسُنَّةٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، غَيْرِ مَذْكُورَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ ﷿ وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ وَأَهْلُ الْمَقَالَةِ الثَّالِثَةِ لِجَمْعِهِمْ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي ذَلِكَ
٧ - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ سَمْعَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: " ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَرَّبَتْ لَهُمْ شَاةً مَصْلِيَّةً فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا، ثُمَّ حَانَتِ الظُّهْرُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ، ثُمَّ حَانَتِ الْعَصْرُ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ " قَالُوا: فَهَذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ عَلَى الَّذِينَ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فِي نَسْخِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَقَالُوا: إِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ نُسِخَ إِلَى السِّوَاكِ، فَلِمَ لَا يُوجِبُونَ السِّوَاكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ؟ فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِيمَا يَدْفَعُ وُجُوبَ ذَلِكَ
٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ "
٩ -
1 / 70
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَلَفٍ الطَّفَاوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ
١٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ
١١ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِثْلَهُ
١٢ - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمِصْرِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، مَوْلَى أُمِّ صَبِيَّةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ
١٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عُقَيْلٍ، وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " لَوْلَا أَنْ يُشَقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ "
١٤ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ "
1 / 71
١٥ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ، قَالَ: " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمُ السِّوَاكَ مَعَ الْوُضُوءِ أَوْ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ " فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمْ يُوجِبِ السِّوَاكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَوَضُّأَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذُكِرَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّهُ كَانَ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ:
١٦ - أَنَّ يُونُسُ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْمُعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي غُطَيْفٍ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الظُّهْرَ، فَانْصَرَفَ إِلَى مَجْلِسٍ فِي دَارِهِ فَانْصَرَفْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا نُودِيَ بِالْعَصْرِ دَعَا بِوُضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَجْلِسِهِ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا نُودِيَ بِالْمَغْرِبِ دَعَا بِوُضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوُضُوءُ عَلَى كُلِّ صَلَاةٍ؟ فَقَالَ: أَوَ قَدْ فَطِنْتَ لِهَذَا مَنِّي لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ؟ إِنْ كَانَ لَكَافٍ وُضُوئِي لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَوَاتِي كُلَّهَا مَا لَمْ أُحْدِثْ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: " مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ " فَفِي ذَلِكَ رَغِبْتُ يَا ابْنَ أَخِي، وَهَذَا أَوْلَى بِابْنِ عُمَرَ، إِذْ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ " وَاحْتَجَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى نَسْخِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي ذَلِكَ
١٧ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، وَأَبُو حُذُوفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مِرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ﵁: صَنَعْتَ شَيْئًا يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ؟ قَالَ: " عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ " قَالُوا: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ تَرَكَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ
1 / 72
صَلَاةٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَفْعَلُهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي السَّفَرِ؟ قِيلَ لَهُ: وَهَلْ فِي الْآيَةِ فَرْقٌ بَيْنَ سَفَرٍ وَبَيْنَ حَضَرٍ؟ فَفِي تَرْكِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي السَّفَرِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ مِنَ التَّوَضُّؤ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَرْكُ التَّوَضُّؤ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ السُّنَّةِ الْقَائِمَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ لِلْقِيَامِ لِلصَّلَوَاتِ إِلَّا عَنِ الْأَحْدَاثِ الْمُوجِبَةِ لِلطَّهَارَاتِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَعَامَّةِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَامَّةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا
1 / 73
تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾
قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ فَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا ﷿ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَدَدًا مِنَ الْغَسْلِ، وَبَيَّنَهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ
١٨ - فَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرِ الْمَعَارِكِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدٍ، أَوْ خَالَدُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ ﵁ " أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا طَهُورُ رَسُولِ اللهِ ﷺ "
١٩ - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حَيَّةَ الْوَادِعِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ
٢٠ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ ﵄ تَوَضَّئَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَا: هَكَذَا كَانَ يَتَوَضَّأُ رَسُولُ اللهِ ﷺ "
٢١ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَرَّةً مَرَّةً؟ أَوْ قَالَ: تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً
٢٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ،
1 / 74
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْر، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَرَأَيْتُهُ غَسَلَ مَرَّةً مَرَّةً "
٢٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عُقَيْلٍ، وَيُونُسُ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ، " فَدَعَا بِوُضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي مِنْهُ بَدَأَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ "، فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ وُضُوءُهُ لِلصَّلَاةِ مَرَّةً مَرَّةً، وَوُضُوءُهُ لِلصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَوُضُوءُهُ لِلصَّلَاةِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُفْتَرَضِ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا الْوُضُوءُ، وَأَنَّ الْعَدَدَ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآثَارِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَمَنْ شَاءَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَنْ شَاءَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَنْ شَاءَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا وَفِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْآثَارِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا رَوَيْنَا، مِنْهَا مَا جَرَى بِهِ، مَنْهَا مَا قَدْ أَتَيْنَا بِهِ مِنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ
1 / 75
تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾
هَلْ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ الرَّأْسِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ؟ قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِالْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ الْمَذْكُورِ فِيهِ مَسْحُ الرَّأْسِ
٢٤ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ مَسَحَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى بَلَغَ الْقَذَالَ مِنْ مُقَدَّمِ عُنُقِهِ "
٢٥ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ " أَنَّهُ أَرَى لَهُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّ بِهِمَا حَتَّى بَلَغَ الْمَكَانَ الَّذِي مِنْهُ بَدَأَ "
٢٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَيْمُونَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ مُتَوَضِّئًا، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْمَكَانَ الَّذِي مِنْهُ بَدَأَ، وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً "، قَالُوا: فَدَلَّ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ عَلَى عُمُومِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ، كَعُمُومِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَعْضَاءِ بِالْغَسْلِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: بَلِ الْفَرْضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مَسْحُ بَعْضِهِ، لَا يُمْسَحُ كُلُّهُ،
1 / 77
وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا قَدْ:
٢٧ - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنّ رَسُولَ اللهِ ﷺ " تَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ فَمَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ "
٢٨ - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ رَفَعَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ " فَمَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّاصِيَةَ بِشَيْءٍ "، قَالُوا: فَلَمَّا كَانَ قَدْ مَسَحَ نَاصِيَتَهُ وَلَمْ يَمْسَحْ بَقِيَّةَ رَأْسِهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ هُوَ مَا فَعَلَهُ فِي النَّاصِيَةِ فَقَالَ مُخَالِفُهُمْ: فَقَدْ مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فِي ذَلِكَ مُسْتَعْمَلًا إِذًا لَمَا اسْتُعْمِلَ حَتَّى يُغَطِّيَ جَمِيعَ الرَّأْسِ، كَمَا لَا يُسْتَعْمَلُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَتَّى يُغَطِّيَ جَمِيعَ الرِّجْلَيْنِ، فَلَمَّا اسْتُعْمِلَ الْمَسْحُ عَلَى النَّاصِيَةِ كَانَ هُوَ الْفَرْضُ، وَكَانَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَضْلًا وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
٢٩ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ " كَانَ يَمْسَحُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِذَا تَوَضَّأَ "، قَالُوا: وَهَذَا بَالنَّظَرِ أَوْلَى مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُخَالِفُنَا إِذْ كُنَّا نَحْنُ، وَهُوَ مِمَّنْ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَيُجْمِعُ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا لَا يَعُمَّهُمَا، لِأَنَّ مَنْ كَانَ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ يَقُولُ: لَا يَمْسَحُ بِخَلْفِهِمَا وَلَا أَعْقَابِهِمَا وَلَا بُطُونِهِمَا، وَمَنْ كَانَ مِنَّا يَمْسَحُ عَلَى ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا لَا يَمْسَحُ جَوَانِبَهُمَا وَلَا أَعْقَابَهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا فَرْضُهُ الْمَسْحُ، لَا
1 / 78