1 - باريس تحتفل
2 - ملك المهرجين
3 - الشاعر والفتاة الغجرية
4 - بيير يلاحق إزميرالدا
5 - حياة شبه زوجية
6 - القس والأحدب
7 - سير روبرت والمحاكمات الصباحية
8 - ثقب الفئران
9 - كوازيمودو في عمود التشهير
10 - إزميرالدا تلتقي فيبس ثانية
ناپیژندل شوی مخ
11 - مغامرات جيون
12 - الرجل ذو العباءة السوداء
13 - إزميرالدا المسكينة
14 - المحراب!
15 - الغضب ينتاب كلود فرولو
16 - الهجوم على نوتردام
17 - لم شمل غير سعيد
18 - كوازيمودو يصل بعد فوات الأوان
1 - باريس تحتفل
2 - ملك المهرجين
ناپیژندل شوی مخ
3 - الشاعر والفتاة الغجرية
4 - بيير يلاحق إزميرالدا
5 - حياة شبه زوجية
6 - القس والأحدب
7 - سير روبرت والمحاكمات الصباحية
8 - ثقب الفئران
9 - كوازيمودو في عمود التشهير
10 - إزميرالدا تلتقي فيبس ثانية
11 - مغامرات جيون
12 - الرجل ذو العباءة السوداء
ناپیژندل شوی مخ
13 - إزميرالدا المسكينة
14 - المحراب!
15 - الغضب ينتاب كلود فرولو
16 - الهجوم على نوتردام
17 - لم شمل غير سعيد
18 - كوازيمودو يصل بعد فوات الأوان
أحدب نوتردام
أحدب نوتردام
تأليف
فيكتور هوجو
ناپیژندل شوی مخ
ترجمة
أميرة علي عبد الصادق
الفصل الأول
باريس تحتفل
في السادس من يناير/كانون الثاني عام 1482 استيقظت مدينة باريس على قرع الأجراس. كان هناك احتفالان في ذلك اليوم: عيد الغطاس ومهرجان المهرجين. كان عيد الغطاس عطلة دينية، أما مهرجان المهرجين فكان للشعب؛ وهو احتفال سنوي يتوقع أن يستمتع ويمرح فيه الجميع. كان يتضمن ألعابا نارية، واحتفالا بشجرة مايو، ومسرحية بالقاعة الكبرى.
كان معظم رجال المدينة ذوي الشأن في طريقهم لمشاهدة المسرحية، واكتظت جميع الطرقات المؤدية إلى القاعة الكبرى بالناس الذين أخذوا يتحدثون ويضحكون أثناء سيرهم.
أدى الانتظار الطويل إلى حدة الجماهير، فصاروا يتذمرون بشأن كل شيء.
وكما الماء في فيضانه ازدادت أعداد الجماهير مع اندفاعهم حول الأعمدة ليملئوا كل زاوية وشق. جلس الناس على أعتاب النوافذ والتماثيل وعلى أي مكان يصلح للجلوس.
كسرت مجموعة من الطلاب زجاج إحدى النوافذ، وجلسوا بجرأة على عتبتها. وأخذ الصبية يمزحون ويضحكون.
نادى أحدهم على صبي أشقر وسيم كان يجلس أعلى أحد التماثيل في منتصف القاعة: «ها أنت يا جوان! كم مضى على وجودك هنا؟»
ناپیژندل شوی مخ
رد جوان: «كيف حالك يا جيون فرولو؟ تدور ساقاك وذراعاك كالطاحونة الهوائية، أهكذا تحافظ على توازنك على عتبة هذه النافذة؟ كم مضى على وجودنا هنا ؟ أكثر من أربع ساعات!»
بدأ الصبية الذين أضجرهم الانتظار في مضايقة الكثير من الرجال ذوي الشأن الموجودين بين الجماهير، فأخذوا يسبونهم، ويسخرون من قبعاتهم ووظائفهم وملابسهم. استهزءوا بكل ما أمكنهم الاستهزاء به.
وأخيرا دقت الساعة الثانية عشرة، فقالت الجماهير: «آه!» صمت الطلاب، وهدأ باقي من كانوا في القاعة. امتدت الأعناق، وركزت الأبصار على خشبة المسرح، لكن لم يكن هناك ما يمكن مشاهدته سوى الحجاب الأربعة الذين عملوا على حفظ النظام وهم يقفون بأجسام متيبسة كالتماثيل.
انتظر الحشد دقيقة، دقيقتين، خمس دقائق، عشر دقائق، ثم أخذوا يرددون: «المسرحية! المسرحية!»
قال الطلاب: «أمسكوا بالحجاب!» فصفقت الجماهير، وشحبت وجوه الرجال الأربعة الموجودين على خشبة المسرح. وما إن تحرك الحشد نحوهم حتى فتحت الستائر. ظهر ممثل مترنح سار حتى وصل إلى منتصف خشبة المسرح.
قال: «يشرفنا اليوم تقديم مسرحية «الرأي الرشيد» بقلم بيير جرينجوار، التي سألعب فيها دور جوبيتير. وعندما يصل الكاردينال سنبدأ في الحال.»
ما إن سمع الجميع أنهم سينتظرون مزيدا من الوقت حتى بدءوا في الصياح ثانية.
صاح جوان بصوت أعلى من أي شخص آخر: «لتبدءوا الآن!»
هتف جيون: «ليسقط جوبيتير! ليسقط الكاردينال!»
بدأ جوبيتير المسكين في الابتعاد عن خشبة المسرح ببطء. وقبل أن يفتح الستائر مباشرة ظهر شخص يرتدي ملابس سوداء من وراء الكواليس، وهمس: «يا جوبيتير!»
ناپیژندل شوی مخ
أخذ جوبيتير خطوة أخرى للوراء، وقال المسكين وهو يستدير: «من يناديني؟»
قال المؤلف المسرحي بصوت خفيض: «هذا أنا، بيير. ابدأ المسرحية، وسأحرص على أن يتفهم الكاردينال الأمر.»
أومأ جوبيتير برأسه وقال: «حسنا!» ثم استدار لمواجهة الجمهور، وقال: «سنبدأ العرض!»
أخذت الجماهير تصفر وتهلل مع بدء الموسيقى. خيم الصمت المطبق على القاعة الكبرى. أذهلت ملابس الممثلين الجماهير؛ فكانوا يرتدون أردية بيضاء وذهبية اللون، كل منها مصنوع من نوع مختلف من القماش: حرير وكتان وصوف وقطن.
ابتعد بيير، وأخذ يشاهد الممثلين وهم يتحدثون بالكلمات التي كتبها. صفقت الجماهير في البداية، واستمروا في المشاهدة. كانت هذه علامات جيدة، لكن هذه الحالة لم تدم؛ فقد دخل متسول عجوز يرتدي أسمالا بالية وبذراعه جرح كبير إلى القاعة الكبرى. رآه جيون فصاح: «انظروا ذلك البائس!»
استدارت كل العيون في القاعة لتنظر إلى الرجل القذر، وتوقفوا عن مشاهدة المسرحية. وقف الممثلون على خشبة المسرح ولم ينطقوا بكلمة. نظر المتسول حوله، وقال: «هل لي في بعض الفكة، رجاء؟»
قال جوان: «إنه كلوبان العجوز. أرى أن ساقك تحسنت. أعتقد أن ما يؤلمك الآن هو ذراعك، أليس كذلك؟»
همس بيير للممثلين: «لماذا توقفتم؟ أكملوا العرض!» فتابعوا التمثيل أثناء إلقاء الناس بالعملات للمتسول العجوز. وأخيرا هدأ الجمهور ليتابعوا مشاهدة المسرحية. كان الأمر رائعا إلى أن فتح الباب الموجود خلف خشبة المسرح، وأعلن الحاجب قائلا: «كاردينال بوربون!»
فكر بيير: «ألم يكف الأمر سوءا وجود الطلاب المزعجين، حتى يقاطع الكاردينال الآن مسرحيتي أيضا.» لم يكن السبب في ذلك هو كراهية بيير لكاردينال بوربون، وإنما كان منزعجا فحسب من أن الجمهور قد تشتت انتباهه الآن ثانية عن المسرحية ليرى ما يحدث بعيدا عن خشبة المسرح.
أراد الجميع رؤية الرجل المهم على نحو أفضل. حدق بعضهم النظر من فوق أكتاف بعض، ومدوا أعناقهم، ووقفوا على أطراف أصابعهم؛ فعلوا كل ما بوسعهم لرؤية الكاردينال المحبوب وهو يحني رأسه لتحية الجمهور ويسير إلى مقعده.
ناپیژندل شوی مخ
نادى الطلاب على صف الأساقفة الذين كانوا يقفون خلفه، وهم يجلسون على مقاعدهم أيضا. كانوا يستمتعون بمهرجان المهرجين؛ فهو اليوم الوحيد في العام الذي كان الطلاب يفرضون فيه سيطرتهم على الشوارع؛ يمزحون ويضحكون ويثيرون المشكلات دون أن يكون لذلك عواقب كبيرة.
وأعلن الحاجب حضور دوق النمسا وثمانية وأربعين من رجاله! وكان على المسكين إعلان اسم كل منهم ومنصبه أثناء جلوسهم على المقاعد. بدوا جميعا متشابهين بقبعاتهم المخملية السوداء ووجوههم الهادئة. وحاول أن يدخل مع الدوق رجل ذو وجه ضاحك يرتدي صدرية جلدية غريبة بدت شاذة وسط الأقمشة الحريرية والمخملية التي ملأت المكان.
أوقفه الحاجب قائلا: «لا يمكنك الدخول هكذا.»
قال الرجل ذو الصدرية الجلدية: «أنا جاك كوبينول، حائك الدوق.»
انزعج الحاجب؛ فقد بح صوته إثر مناداته على هذا العدد الكبير من الأسماء. ولم يكن الحائك أحد النبلاء، لكنه أعلن: «السيد جاك كوبينول، حائك.»
صارت شرفة المسرح ممتلئة الآن عن آخرها بذوي المقام الرفيع. وحاول بيير مستميتا أن يستمر عرض المسرحية أثناء دخول الجميع، لكنه لم يفلح. لكن في نهاية الأمر بدا أن الجميع هدءوا.
هز بيير رأسه، وغطى فمه وصاح بأعلى صوته: «لتبدأ المسرحية! هيا، لتبدأ المسرحية!»
قال جيون: «ما الذي يحدث بحق الجحيم؟ لقد شاهدنا بالفعل نصف المسرحية، وهم يريدون بدءها من جديد؟ نحن لن نقبل بذلك، أليس كذلك؟»
سأل الكاردينال الحاجب عن سبب الضوضاء، فأوضح له أن المسرحية كانت قد بدأت بالفعل.
ضحك الكاردينال وصاح: «قل لهم أن يستكملوا ما بدءوه، فلن يشكل الأمر فارقا.»
ناپیژندل شوی مخ
حدث بيير نفسه: «لقد دمرت مسرحيتي. سيعلم نصف الجمهور الآن ما يحدث، في حين لا يعلمه النصف الآخر. إنها لكارثة!»
وما زاد الأمور سوءا أن جاك كوبينول وقف وبدأ يتحدث: «يا أهالي باريس العظماء، ما هذا الذي نفعله هنا؟ هل تسمى هذه مسرحية؟ إنها حتى لا تتضمن قتالا! لقد وعدنا بمهرجان للمهرجين. ما قولكم؟ لتسقط المسرحية، ولنبدأ مسرح العابسين. يجب أن نعثر على الرجل الذي يمكنه أن يغير من قسمات وجهه لصنع أقبح الوجوه، ونتوجه ملكا للمهرجين.»
أراد بيير أن يقول شيئا، لكن غضبه الشديد حال دون تحركه. وما زاد الأمر سوءا أن الجماهير بدت مرحبة بالفكرة. لم يعد أحد الآن مهتما بالمسرحية؛ فعقولهم جميعا تركز على اختيار ملك المهرجين.
الفصل الثاني
ملك المهرجين
في لمح البصر بدأ الجميع في تنفيذ فكرة كوبينول. ذهب جميع المواطنين والطلاب والمحامين إلى العمل. واختيرت الكنيسة الصغيرة داخل القاعة الكبرى لإقامة مسرح العابسين. وضع برميلان أسفل النافذة التي كسرها الطلاب، وكان على المرشحين الوقوف على هذين البرميلين والنظر من النافذة بوجوههم المغطاة. وعندما يعبسون أو يكشرون أو يسخرون على أفضل نحو لديهم، يزيحون الغطاء من فوق وجوههم ويظهرونها للجمهور.
في غضون دقائق قليلة كانت الكنيسة الصغيرة امتلأت بمن أرادوا المنافسة. وقف الأول على البرميل ، أدخل رأسه من النافذة، وكشف وجهه. أخذ يحول عينيه ويقطب جبينه، وجحظت عيناه. وانفجرت الجماهير في الضحك.
لك أن تتخيل أكثر الوجوه التي يمكن لأحد صنعها إضحاكا؛ هذا ما فعله كل من هؤلاء عند وقوفهم على البراميل. لم يعد هناك أحد على مقعده. أخذ الجميع يصيح ويصرخ. ومع ظهور كل وجه جديد من النافذة علت الضحكات أكثر. وسرعان ما بدأ كل فرد من الجمهور في لي قسمات وجهه، متخذين أوضاعا كالشخص الواقف على البرميل بالضبط!
جلس جيون أعلى أحد التماثيل، مشاهدا كل ما يحدث. أخذ يضحك بشدة حتى كاد يسقط أرضا!
وفي غضون ذلك كان بيير المسكين يسير جيئة وذهابا خلف الكواليس. توقف الممثلون عن أداء المسرحية تماما، فقد انشغلوا هم أيضا بمشاهدة ما يحدث من لهو.
ناپیژندل شوی مخ
حدث بيير نفسه: «لا يمكن للشعر مضاهاة الكوميديا.»
وفي اللحظة ذاتها برز أقبح الوجوه من الإطار. كان لهذا الرجل فم يشبه حدوة الحصان، وأنف كبير مثلث الشكل، وشفتان مدببتان يبرز منهما سن محزز، وحاجب أحمر كثيف الشعر، وعين يغطيها ثؤلول.
ها هو الفائز! اندفعت الجماهير داخل الكنيسة الصغيرة ليكتشفوا أن ذلك الشخص لم يتعمد لي قسمات وجهه على الإطلاق؛ إنه قبيح هكذا بالفعل. كان على ظهره حدب ضخم، وشعره قصير خشن أحمر اللون. كانت ساقاه مختلفتين في الحجم وغريبتي المظهر، وقدماه ضخمتان. لكن بالرغم من المظهر البشع لذلك الرجل، كان يبدو عليه شيء من القوة والشجاعة.
صاح أحدهم: «إنه كوازيمودو، قارع الأجراس!»
هتف أحد الطلاب: «انظروا إلى هذا الأحدب! إنه شديد القبح بلا شك!»
ضايقه الطلاب، وغطت النساء وجوههن. سار جوان متوجها مباشرة نحو كوازيمودو، ضحك في وجهه، مشيرا إليه وأخذ يسبه. فرفعه كوازيمودو، وألقى به وسط الجماهير. كانت مضايقة الناس له تزعجه، ولم يكن يفهم أن ذلك مهرجان المهرجين، وكل ما كان يفعله الطلاب هو اللهو. لحسن الحظ لم يصب جوان بأذى. نهض، ونفض التراب عن نفسه وضحك.
اندهش كوبينول الحائك من شدة بأس كوازيمودو، فاندفع للأمام، وربت على كتف الأحدب وقال : «كانت لك الغلبة حقا في المعركة!»
لم يحرك كوازيمودو ساكنا.
واصل كوبينول حديثه: «إنني أقول إنك حتما شديد البأس. ما رأيك في ممارسة المصارعة؟ ما قولك؟»
لم يجبه كوازيمودو.
ناپیژندل شوی مخ
صاحت عجوز من بين الحشد: «أصابته الأجراس بالصمم.»
قال كوبينول: «حسنا، إنه أفضل ملك قبيح وأصم للمهرجين. هل يتكلم؟»
أجابت العجوز: «يمكنه التكلم عندما يشاء.»
قال كوبينول: «نحن ننصبك إذن ملكا للمهرجين. تهانينا!»
وضع كوبينول الرداء الفضي لملك المهرجين على ظهر كوازيمودو. وصمت الحشد لحظة أثناء حمل الطلاب له على أكتافهم. ابتسم كوازيمودو عندما نظر لأسفل ورأى كل الرجال والنساء الواقفين حسني الطلعة والمظهر. حمله الطلاب على أعناقهم وساروا به في شوارع باريس كاستعراض.
وفي هذه الأثناء كان بيير قد أجبر الممثلين على استكمال عرض المسرحية. لم يظن أن الجميع سيغادر المكان، لكن في لمح البصر خلت القاعة تقريبا ممن كانوا فيها، فيما عدا عدد قليل من الرجال والنساء كبار السن في الخلف. ظل بعض الطلاب أعلى النافذة حيث يمكنهم مشاهدة المسرحية إذا كان فيها ما يثير انتباههم، أو النظر للخارج لمشاهدة الاستعراض. وحاول بيير إقناع نفسه أن ذلك كاف.
هتف أحد الطلاب فجأة من النافذة: «إنها إزميرالدا! إزميرالدا في الميدان.»
في تلك اللحظة ترك كل من كانوا في القاعة الكبرى المسرحية، وتحركوا نحو النوافذ. توقفت المسرحية تماما مرة أخرى. وحث بيير الممثلين ثانية على مواصلة العرض.
قال جوبيتير: «لا يمكننا المواصلة.»
رد بيير غاضبا: «ولم لا؟»
ناپیژندل شوی مخ
أجاب جوبيتير: «هرب الطلاب بالسلم؛ أرادوا تسلقه ورؤية ما كان يحدث في الميدان.»
كانت تلك الضربة القاضية. غمغم بيير: «يا لهؤلاء الباريسيين! حضروا لمشاهدة مسرحية، ثم رفضوا مشاهدتها. من إزميرالدا هذه؟ ولماذا تدمر مسرحيتي؟»
الفصل الثالث
الشاعر والفتاة الغجرية
سعد بيير بحلول الغسق عند مغادرته القاعة الكبرى؛ ستخفي الشوارع المظلمة أي أثر له، فكان يحاول العثور على مكان يمكنه التفكير فيه بهدوء. كان مستاء لدرجة جعلته لا يستطيع العودة إلى غرفته، فجاب طرقات المدينة. وعندما توجه استعراض ملك المهرجين نحو بيير، استدار وركض في الاتجاه الآخر.
كانت الشوارع مكتظة بأناس يشعلون الشرر والمفرقعات النارية. لكن كلما ابتعد صارت الشوارع أكثر فراغا. كانت ضفة النهر غير ممهدة، وسرعان ما وصل الوحل إلى كاحليه. سار بيير حتى وصل إلى أطراف المدينة تقريبا. نظر إلى الضفة الأخرى من النهر، ورأى بريقا من الضوء على الجزيرة الصغيرة الموجودة بالجانب الآخر.
انفجرت إحدى المفرقعات النارية، فتنهد بيير، وحدث نفسه: «حتى قائدو المعديات يحتفلون. ربما يتوجب علي الانضمام إليهم.»
كان كل ما يمكن رؤيته في الليل من النهر هو الشكل غير المنتظم للمباني التي تشكل ميدان المدينة الرئيسي. انتشرت صفوف من المنازل الضيقة الكئيبة في الاتجاهات الثلاثة الأخرى، وفي منتصف الميدان عمود التشهير.
عندما وصل بيير إلى الميدان، كان جسمه خدرا من البرد. حاول أن يسلك طريقا مختصرا، لكنه علق بطواحين الهواء التي رشته بالمياه وبللت معطفه تماما. كونت مجموعة كبيرة من الناس دائرة حول نار مشتعلة، فسار بيير سريعا نحوهم، لكنه لم يستطع العبور وسطهم.
قال لنفسه: «يا لهؤلاء الناس! ألا يرون حذائي الذي يتسرب منه الماء ومعطفي المبلل تماما؟»
ناپیژندل شوی مخ
وفي الحقيقة، عندما نظر حوله، بدا له أن الكثير من الناس لم يكونوا بحاجة لتدفئة أنفسهم على الإطلاق، إنما كل ما كانوا يفعلونه هو مشاهدة فتاة ترقص بجوار النار. لم يتمكن بيير من أن يحدد على وجه الدقة هل هذه الفتاة جنية أم ملاك أم بشر. لم تكن طويلة، لكنها بدت كذلك نظرا لقوامها النحيل. كان شعرها أسود، وعيناها سوداوان براقتان، وبشرتها شاحبة. أخذت ترقص، وبسطت سجادة قديمة كانت ملقاة تحت قدميها. لم يستطع أحد إنزال عينيه عنها. كانت ذراعاها مرفوعتين فوق رأسها أثناء تحركها على نغمات الرق. وأخذت تدور وتدور، وتنورتها تدور أيضا معها.
عندما نظر بيير حوله رأى آلاف الوجوه. كان هناك رجل يشاهد الفتاة عن كثب. كان يكبرها سنا، ولديه بعض خصل الشعر الرمادي على رأسه الأصلع. كان يرتدي عباءة طويلة سوداء كالقساوسة. شاهد بيير ذلك الرجل أثناء رقص الفتاة. ولسبب ما بدا مألوفا.
قالت الفتاة : «دجالي! إنه دورك.» فوقفت نعجة بيضاء صغيرة.
قامت الفتاة والنعجة ببعض الحيل. عرضت النعجة دجالي للجمهور التاريخ بضرب حوافرها بعنف على الرق. سألت الفتاة بعد ذلك دجالي عن الساعة، وأجابت النعجة بركلات سبع قوية في اللحظة ذاتها التي دقت فيها الساعة الموجودة في الميدان معلنة الوقت ذاته!
قال القس: «إن هذا لسحر!» فأدارت الفتاة ظهرها له، وانحنت مع تصفيق الجمهور. واصلت بعد ذلك العرض مع نعجتها.
صاح القس: «ستستاء الكنيسة من هذا!»
ابتسمت الفتاة، وجمعت العملات المعدنية التي قدمت لها. وقفت أمام بيير وانتظرت. تقاطر العرق على جبينه، وأخذ يبحث بأصابعه في جيوبه الفارغة.
جاء صوت عجوز بالجوار: «ابتعدي عن هنا، أيتها الغجرية الحقيرة!» فابتعدت الفتاة خائفة عن المرأة البغيضة. لم يتمكن بيير من التوقف عن التحديق بها. بدأت تغني، وملأت الأغنية الجميلة الغريبة أذنيه. وجعلت الموسيقى عينيه تغرورقان بالدموع أثناء استماعه لصوتها العذب.
صاحت المرأة ذاتها ثانية: «أمرتك أن تصمتي أيتها الغجرية!»
استفاق بيير من افتتانه، واضطربت معدته. وفي تلك اللحظة وصلت مسيرة استعراض ملك المهرجين إلى داخل الميدان. كان الصف الطويل المتعرج من الناس قد ازداد عددا منذ تركهم للقاعة الكبرى. جلس كوازيمودو على عرش يحمله الطلاب الذين كان من بينهم جوان وجيون. صدرت جميع أنواع الموسيقى من الاستعراض: الأبواق والرقوق والمزامير، إلى جانب أصوات الناس. ابتسم الأحدب في وجوه الناس الذين اصطفوا على جوانب الطرقات، مبتهجا للمرة الأولى في حياته. لم يدرك أن الأمر برمته لا يتعدى كونه مزحة.
ناپیژندل شوی مخ
شق القس طريقه فجأة بين الحشد، ونزع التاج من فوق رأس كوازيمودو.
قال بيير: «انتظروا! أنا أعرف ذلك الرجل. إنه كلود فرولو، رئيس شمامسة كاتدرائية نوتردام. ما الذي يفعله؟»
انتفض كوازيمودو من الكرسي الذي سقط على الأرض. ودوت صرخات ذعر من الحشد. وبخطوة واحدة كبيرة كان الأحدب أمام القس. نظر له بعينه الوحيدة، وخر على ركبتيه. خلع فرولو عن كوازيمودو عباءته فضية اللون، وألقى بصولجانه الكرتوني على الأرض. تحدث الاثنان معا وهما يحركان أيديهما. وعندما فرغا من ذلك ربت فرولو على كتف كوازيمودو الذي وقف منتصبا قدر الإمكان على ساقيه المتقوستين وتبع القس.
حدق الطلاب فيه، وهمس جيون لجوان: «هذا أخي، يفسد دائما متعتنا.»
اختفى من نصبوه ملكا، وهام الطلاب على وجوههم بحثا عن مزيد من الترفيه.
قال بيير: «كان ذلك رائعا! لم أر من قبل رجلا يقفز هكذا. لقد نزل قريبا للغاية من كلود فرولو، هذا الكوازيمودو!» ثم هز الشاعر رأسه وأردف: «والآن، أين يمكنني العثور على طعام العشاء؟»
قرر بيير ملاحقة الفتاة الغجرية. حدث نفسه قائلا: «ربما تشاركني عشاءها، هذا إن واتتني الجرأة للتحدث معها.»
الفصل الرابع
بيير يلاحق إزميرالدا
توقفت مظاهر النشاط في باريس بحلول الليل؛ فأغلقت المتاجر أبوابها، وتوجه أصحابها إلى منازلهم. خيم الظلام على الطرقات التي خلت من الناس، ولحق بيير بالغجرية عبر الممرات والأزقة.
ناپیژندل شوی مخ
فكر بيير: «على الأقل هي تعلم الطريق، فأنا ضللته بالتأكيد.»
بعد فترة من الوقت اكتشفت الفتاة أنه يتبعها، فتوقفت لحظة لتستدير وتنظر إليه. شعر بيير بسوء، فأبطأ من سيره وأخذ يحصي حصى الرصف تحت قدميه. وفجأة سمع صوت صراخ! وعند انعطافه حول الزاوية وجد رجلين يحاولان اختطاف الفتاة الغجرية.
صرخ بيير: «توقفا عن ذلك في الحال!» فاستدار أحد الرجلين، وكان كوازيمودو! تقدم خطوة سريعا نحو بيير، ودفعه بكل ما أوتي من قوة. سقط الشاعر على الأرض فاقدا الوعي. حمل كوازيمودو الفتاة الغجرية، وهم بأخذها بعيدا عن المكان كما لو كانت لا تزن شيئا على الإطلاق. لكن قبل أن يبتعد جاء حرس الملك يعتلون خيولهم.
صاح القائد وهو ينتزع إزميرالدا من بين ذراعي الأحدب: «أنزل تلك الفتاة!» وحملها على حصانه. ترجل الجنود عن خيولهم، وحاولوا حمل كوازيمودو الذي قاوم قدر إمكانه. أما الرجل الثاني الذي كان مع كوازيمودو، فقد اختفى قبل أن يتمكن رجال القائد من الإمساك به.
قال قائد الحرس: «هل أنت بخير، يا آنسة؟ لحسن الحظ أن الحرس الملكي كان هنا. أنا القائد فيبس.»
قالت وهي تترجل من فوق ظهر الحصان: «أنا بخير، شكرا لك سيدي الكريم .» قبل أن يقول القائد فيبس أي شيء آخر كانت الفتاة قد أسرعت في ظلام الليل.
قال القائد فيبس: «لنأخذه إلى السجن. يمكن عقابه غدا.» وانطلق الحراس على خيولهم وهم يجرون كوازيمودو المسكين.
في تلك الأثناء كان بيير مستلقيا على حصى الرصف. وفي النهاية أيقظته برودة الأرض القارسة. وعندما فتح عينيه وجد نفسه في قناة تصريف المياه.
فكر لحظة بشأن ما حدث. كان هناك رجل آخر مع الأحدب، لكن من تراه يكون؟
لهث بيير عندما أدرك إجابة هذا السؤال. لقد كان كلود فرولو، رئيس الشمامسة! لماذا أراد أخذ الفتاة الغجرية؟
ناپیژندل شوی مخ
صاح بيير: «يا إلهي! الجو بارد حقا!»
كان الوحل في قناة تصريف المياه يسحب الحرارة من جسمه بسرعة هائلة. وما إن صارت لدى بيير قناعة بأنه سيظل عالقا في الوحل لأيام حتى وصلت مجموعة من المراهقين إليه. كان معهم مرتبة قديمة من القش أشعلوا بها النار ليدفئوا أنفسهم. قذفوا بها في قناة تصريف المياه لتسقط فوق بيير بالضبط. وعندما تمكن من استجماع ما يكفي من قوته ليقف، كانت ألسنة النار على بعد سنتيمترات من وجهه.
صاح أحد الصبية: «إنه شبح قناة تصريف المياه.» صرخ بيير وركض في أحد الاتجاهات، وركض الصبية في الاتجاه الآخر.
سأل بيير نفسه عندما هدأ: «ما الذي تهرب منه، أيها الأبله؟ كان هؤلاء الصبية خائفين منك على قدر خوفك منهم.»
نظرا للألم الذي أصاب ساقيه من جراء الجري حاول بيير العودة إلى المرتبة، معتقدا أنها ستكون دافئة على الأقل. كان لا يعلم في أي الاتجاهات يجب أن يسير، فأخذ يدور حتى رأى أخيرا ضوءا في نهاية الشارع. وعندما نظر حوله تمكن من رؤية ما بدا له أناسا من كل الأشكال والأحجام يسيرون نحو الضوء.
وما إن اعتادت عيناه على الضوء حتى رأى رجلا ساقاه مبتورتان ويسير على يديه.
قال الرجل أثناء سيره بجانب الشاعر: «هل لي في حسنة يا سيدي؟ طابت ليلتك!» مر شخص آخر بجانب بيير. كان هذه المرة رجلا بذراع واحدة يسير على عكاز. حاول بيير التنحي جانبا حتى يتمكن الرجلان من السير بسهولة، لكن اعترض آخر سبيله، وكان رجلا ضريرا بلحية بيضاء طويلة. مد كل من هؤلاء المتسولين يده لبيير طالبا عملة معدنية، لكن الشاعر لم يكن لديه أي نقود ليعطيهم إياها. نكس بيير رأسه وبدأ يسير مبتعدا.
لكن الرجال المشوهين الثلاثة بدءوا يسيرون خلفه؛ إذا أسرع أسرعوا، وإذا أبطأ أبطئوا. وسرعان ما صارت هناك مسيرة كاملة من العاجزين والمجذومين وغيرهم من المتسولين الآخرين يسيرون معه. وأخيرا، بعد أن حاول الرجوع وشق طريقه بين الجموع، وصل إلى ميدان.
سأل بيير: «أين أنا؟»
أجابه أحد المتسولين: «إنها زاوية المعجزات.»
ناپیژندل شوی مخ
كانت زاوية المعجزات المكان الذي يقضي فيه اللصوص والغجر وغيرهم من الفئات المعدمة في باريس لياليهم. توهجت النيران في أرجاء الميدان المتسع. أحاطت المنازل القديمة المتهالكة المنطقة. وأحاط به الكثير من الأشخاص الغرباء وهم يصيحون: «لنأخذه إلى الملك! إلى الملك!»
تلعثم بيير: «الم ... م ... ملك؟ لكن أليس الملك يعيش في القصر؟»
صاح رجل كبير: «ليس ذلك الملك يا بني، ليس ذلك الملك!»
دفعه الحشد نحو حانة قديمة متهدمة أحاطت الموائد المتسوسة داخلها بالمدفأة التي توهجت بالنيران وداخلها قدر يغلي ما به. أحاط الرجال والنساء الذين كانوا يجنون أموالهم من الشوارع ببيير المسكين.
كان الملك المزعوم يجلس على برميل بجانب النار. قال الرجل المبتورة ساقاه، وهو نائبه: «انزع قبعتك.» وعندما لم يتحرك بيير تحرك نحوه أحد الأشخاص، وجذبها من فوق رأسه.
قال الملك: «حسنا، من لدينا هنا؟»
لم يكن الملك سوى ذلك المتسول الذي دمر مسرحيته ذلك الصباح؛ إنه كلوبان!
سأله كلوبان: «ما اسمك؟ وما مهنتك؟ إذا لم تكن واحدا منا، فأنت في مشكلة كبيرة. هذا مخبؤنا السري، ولا يسمح هنا بوجود أحد سوى المتشردين واللصوص والمتسولين.»
قال بيير: «أدعى بيير جرينجوار، ومهنتي شاعر.»
رد كلوبان: «شاعر؟ حسنا، هذا يحسم الأمر. لقد أخبرتك أنه لا يسمح هنا إلا بالمتشردين واللصوص والمتسولين. أما الشعراء فغير مرحب بهم على الإطلاق هنا.»
ناپیژندل شوی مخ
استدار بيير وقال: «أيها الأباطرة والملوك العظماء، أنتم بالتأكيد لا تنوون إيذائي. أنا شاعر، وقد كتبت المسرحية التي شاهدها الكثيرون منكم هذا الصباح. وانظروا، ليس هناك أي شيء في جيوبي. الكثير من الشعراء متشردون ولصوص مثلكم تماما.»
تحدث كلوبان بهدوء مع الرجل الذي يقف بجانبه، وسأل بيير: «هل تقسم على الانضمام إلينا كمتشرد؟»
أومأ بيير برأسه، وقال: «أقبل.»
قال كلوبان: «حسنا، لكن أولا يجب أن تجتاز الاختبار.»
أخرج المتشردون فزاعة ووضعوها في منتصف الغرفة.
وأضاف كلوبان: «يجب أن تقف بتوازن على ساق واحدة، وتسحب الوشاح من جيب الفزاعة. إذا تمكنت من انتزاعه فسوف تثبت أنك بالتأكيد متشرد وواحد منا.»
قال بيير: «حسنا، وإن كان من المحتمل أن تنكسر ساقاي أثناء المحاولة.»
وقف على مائدة ليتمكن من الوصول إلى جيب الفزاعة، ورفع قدمه اليمنى، وتأرجح. كانت الفزاعة طويلة للغاية؛ أطول من بيير المسكين بستين سنتيمترا على الأقل، حتى مع وقوفه على المائدة.
قال كلوبان: «احذر الأجراس الموجودة على جيبه، فسوف ترن إذا أخطأت.»
حاول بيير جاهدا الوقوف ثابتا على ساق واحدة. تمايلت المائدة عندما وضع ذراعه فوق رأسه. وما إن أمسك الوشاح في يديه حتى وقع على الأرض، فتعلق الوشاح في جيب الفزاعة، ودوى صوت الأجراس عاليا.
ناپیژندل شوی مخ
قال بيير: «آه، لا!»
قال كلوبان ضاحكا: «حسنا، انتهى الأمر. أيها الصبية، أمسكوا به وألقوا به بالخارج.»
قال بيير: «انتظروا!»
تفرق الجمع، وكانت الفتاة الغجرية تقف هناك. دوت الصيحات من حول بيير: «إزميرالدا!».
سألت الفتاة كلوبان بجرأة: «هل ستلحق الأذى بهذا الرجل؟»
أجابها: «نعم، إلا إذا طلبت منا ألا نفعل ذلك. أنت تعلمين أنني أعتبرك ملكتنا يا إزميرالدا! إذا رأيت أنه يجب إطلاق سراح هذا الرجل فسوف نفعل ذلك. لكنني لا أعرف لماذا تريدينه أن يعيش؟!»
قالت: «لقد حاول إنقاذي عندما حاول أولئك الرجال البشعون اختطافي. لذا، نعم، فأنا أسألكم إطلاق سراحه.»
اعتقد بيير أنه يحلم بالتأكيد، لكن عندئذ تركه الرجال الذين كانوا يمسكون به.
قال كلوبان: «أنت تعلمين أنه في حال إنقاذك له فستكونين مسئولة عنه. علينا أن نسوي الأمر برمته باستخدام الإبريق.»
قالت إزميرالدا: «حسنا، أين هو؟»
ناپیژندل شوی مخ
أعطاها أحد المتشردين الإبريق.
أعطته لبيير، وقالت: «ألقه على الأرض.»
فعل كما طلبت منه بالضبط، فانكسر الإبريق إلى أربع قطع.
قال كلوبان: «حسنا، بحكم السلطة المخولة لي أعلن زواجكما مدة أربع سنوات.»
أشار إلى بيير وقال: «يمكنك المغادرة، لكن قوانينا تنص على أنك يجب أن تثبت أنك واحد منا بانتهاء تلك السنوات الأربع. والآن، لتغرب عن وجهي.»
الفصل الخامس
حياة شبه زوجية
بعد دقائق قليلة وجد بيير نفسه في غرفة صغيرة دافئة. تحركت الفتاة في المكان سريعا وتحدثت إلى دجالي. لم تنتبه إليه على الإطلاق.
أخذ بيير يفكر: «يا لها من ملاك! لقد أنقذت حياتي.»
وقف الشاعر سريعا على نحو أفزع إزميرالدا، فسألته: «ماذا تريد؟»
ناپیژندل شوی مخ