أذكر أننا تجمعنا مرة وقصدنا قرابة لنا اشتهر بالشح، لنصبحه بالخير. وعند انشقاق الفجر شققنا بابه واستولينا على المبادرة هاتفين بصوت واحد: صبحك بالخير.
فهالته كثرة عددنا وأوجعه صباحنا، ولكنه تجلد وقال: الله يصبحكم بألف خير.
وسكت وسكتنا، فقال أحدنا: هات صباحيتنا. فأجاب: ألا يرضيكم أن يكون الواحد بألف. قال هذا وأيقظ زوجته، وهي عجوز مثله، فقابلتنا بوجه كالنعل. ولما قال: أعطيهم صباحيتهم استبشرنا وظننا أننا فتحنا القلعة. وما خاب الأمل إلا حين قامت إلى قدر هرمة جاءت معها في جهاز عرسها وقعدت تصب القمح البائت بكرم حاتمي، فقلنا لها: هذي أكلة السهرة، والصباحية تكون من الكيس.
فتنطح العم للجواب وقال: ما سمعتم قول الإنجيل: لا تعبدوا ربين الله والمال.
وقالت هي: أولاد وقاح بلا مربي.
ومرة حاول أخ لي أن يوقظني ليصبحني في رأس السنة، ولكنني سبقته فخاب فراح وهو يبربر: الله لا يسعد صباحك.
وفي آخر عمر جدي وكنت صرت أفهم الخمس من الطمس، والكوع من البوع، تجرأت عليه وقلت له: أنت تعبس وحدك يا جدي في هذه الليلة.
وكأنه قد أعجبه مني أني فطنت لبعض سره فانبسط وجهه وقال لي: هذي ليلة محبة ذات عندنا نحن البشر. نودع السنة الرائحة بالطمع، ونستقبل الغادية بفم مثل فم الحوت، قلما تجد رجلا يحاسب نفسه حسابا صارما. أما جدك يا مارون فموقفه في هذه الليلة من نفسه موقف الديان الرهيب، يستعرض كل أعماله في بحر السنة.
أتذكر حسناتي وسيئاتي، أكلف نفسي التكفير عن إساءاتي في عامي الجديد بما أزيده من حسنات. فلو كان كل رجل، بل كل صاحب سلطان يحاسب نفسه حسابا عسيرا في رأس كل سنة، لما بقي في الأرض مظلوم، ولملأ السلام الأرض وعاشت البشر بسلام. ولكن المادة سدت الأبواب على المحبة فنامت خارج البيوت.
صدقني يا ولدي إذا قلت لك: ما وقعت عيني في هذا اليوم إلا على ناس يتمنون زيادة المال، ولا فرق عندهم بين حرام وحلال. فما داموا لا يفكرون إلا بالمادة، ولا يعنيهم غير زيادتها في العام الجديد، فمن أين تدخل الرحمة إلى القلوب؟!
ناپیژندل شوی مخ