ودخل في تلك الساعة نسيبنا يوسف مراسل الشركة، فتصافحنا وقعد، وكأنه لم يعجبه (كش الشركة من لبنان كله)، فأخذ يبين منافعها للزراع، ويقابل بين أمس واليوم بإيمان وطيد. وأفاض في تمجيد أعمال الشركة ونفعها كأنه خوري عتيق يعدد عجائب العذراء في الشهر المريمي. ثم وجه كلامه إلى أبي يوسف وقال له: يا خال، بذمتك بدينك بحياة أولادك، قل لي: أي أحسن، احتكار غالان، أم احتكار الحواط وملكان؟
فأطرق أبو يوسف وانتظرنا الجواب، فإذا به يقول: الفلاح في الحالتين مقهور، ولكن الحرية حلوة، وحرق الرزق قبالة العين من يطيقه.
فقال كهلنا: سمعتم يا ذوات، عرفتم قيمة الاستقلال.
وخفت أن يتطور الحديث فقطعته مسائلا عن الجمعية، فقال واحد: الجمعية لسان حالنا كلنا، تقضي وتمضي عنا، ونحن نؤيدها بكل قدرتنا. قلت: من منكم موظف فيها، فقال: طلبوا المختار فما رضي.
فالتفت بأحدهم، فأجابني: لا تتعجب، مأمور يخاف على الوظيفة، ومثله ابن عمنا عضو الاختيارية. ولكن هذا لا يهمنا، المهم العمل، قريبا تقدم الجمعية بيانا طويلا عريضا، للحكومة والأمل بالله.
وانتقلنا إلى شئون أخرى، وبت أترقب الساعة التي تجمعني برئيس الجمعية أو نائب رئيسها، لعلي أصور الزراع للرئيس كما هم، فهم يرون فيه (المسيح الآتي ولا ينتظرون آخر) وحسبنا الآن أن نحددهم له تحديدا قاطعا مانعا كما يقول المناطقة: الزراع أو القرويون، أو الفلاحون، هم وحدهم الذين يخاطبون ربهم بإيمان وطيد: أعطنا خبزنا كفاف يومنا، أحلال أن يؤخذ الرغيف من أيديهم؟
رسالة شقت طريقا وبنت جسرا
كنت في دار المكشوف أمعن مع الشيخ فؤاد حبيش في الأحماض، يوم تلفنت للمغفور له السيد عبد الحميد كرامي في سوق الغرب، أسأله إذا كانت زيارته ممكنة. فأجاب - رحمة الله عليه: أهلا وسهلا إذا كانت زيارة غير أشغال. أما إذا كانت من أجل الطريق - طريق عين كفاع دير مار يوسف - فنصيحتي لك أن تبقي (العرايض) معك يومين ثلاثة، وبعدها نرى.
وفي اليوم الثالث استقال، وساعتئذ أدركت معنى ذاك التأجيل.
وألف الوزارة سامي بك، فقلت في نفسي: ما الحيلة وأنا لا أعرفه إلا معرفة وجه. لا دالة لي عليه، فإلى من نلتجي؟
ناپیژندل شوی مخ