سرت على طريق الهند فرأيت رفيقي في هيكل الآلهة - موسى - يلتفت يمينا وشمالا وإذ لم ير أحدا قتل المصري وطمره في الرمل، فسألته عن ضالتي فهز كتفيه مشيرا إلى المصري المقتول.
طويت الصحراء فشاهدت فيها آثار الأنهار فأيقنت أن المدنية رحالة يجوب الأقطار وله في كل منطقة طلول وآثار. ولما وصلت ضفاف الكنج حملت تياراته أثقالا من الآمال وجبالا من التساؤل.
تحت أقدام برهما - ثالوث الهنود - وبين غطرسة كهانه لم أجد أثرا للسعادة. وفي مطاوي (الفيدا) لم أعثر إلا على بعض متحجرات صقلوها ونادوا على الدر والألماس.
اضطرب البراهمة لأن إلها جديدا ولد من خاصرة أمه. يمد يده ليقوض أركان فلسفتهم ويمزق أسفارهم فأسرعت الخطى إليه، أركبني بوذا في مركبته (الإلهية) فجرت بنا نطوي سهول الخيال وتعبر أودية الأشباح، فسرنا نفتش عن السعادة في جيوب الغيوم فكنا كالقابض على الماء. تركته متربعا في ظل شجرته الأزلية يستمد الروح العلوية لتبدد انقباض نفسه، فازداد بركانها ثورانا؛ لأن السعادة طائر لا يستكن في ظل شجرة يستظل بها البشر.
رأيت كنفوشيوس يعلم في الصين، وسمعت تلاميذه يطلبون منه ما أطلب، وهو يعللهم بطبخة الحصى فناموا ولم ينضج الطعام.
عدت إلى أثينا فرأيت في رواق هيكل الحكمة فيلسوفها الخارج على المألوف، المتمرد على التقاليد، نائما في برميله فسألته عن السعادة فدفع إلي مصباحه وقال لي: فتش عنها، فقد فتشت قبلك فلم أجد (الرجل) السعيد.
صعدت إلى قمم الأريمنت فلم أر الطهارة والسعادة كما قال شعراء اليونان فانحدرت إلى الشاطئ وأبحرت إلى بيبلس مدينة الثالوث الأقدس الفينيقي، لأبحث في كتب سنكنتين وطالس فرأيت الشعب يبكي الإله المقتول الذي افترسه الدب في الغينة فغادرت شعبا يفترس إلهه دب، أتعثر بأذيال الخيبة ميمما أرض إسرائيل.
قلت في نفسي: ما لي أفتش عن السعادة ولا أرى إلا بشرية متألمة، ولا أسمع غير النحيب والعويل.
في سفح الطور أعييت فجلست أفكر في تعاسة الباحثين، ضاحكا من المتفلسفين، باكيا على المتمنطقين، فرأيت موسى اتقد غضبا ورمى لوحي الشريعة فكسرهما في أسفل الجبل. فقلت له: ما بالك يا جبار الأنبياء. يا قاتل المصري، يا شاق البحر الأحمر، يا فالق الصخرة بعصاه، أمثلك يغضب؟! فأجابني: من سعى وراء إسعاد البشر ذابت نفسه وأكلته الكآبة.
نمت تحت أقدام الجبل نوم فتية الكهف، واستيقظت عندما سمعت راحيل تبكي على بنيها. فجلت بأقدام اليأس في خيام الأنبياء، وأكواخ شعراء إسرائيل. فرأيت الشاعر أيوب مفترشا الرماد يدعو على نهاره وليله واللعنة ملء فمه. رأيت شاول صريعا على جبل الجلبوع ومجن الجبابرة معفرا بالتراب. رأيت داود يئن على عرشه موقعا بكاءه على العود والقيثارة. رأيت سليمان طائفا في الهيكل تائها في الشوارع متغزلا بنشيده وقد صادفه حارس المدينة. رأيت حول سريره ستين جبارا، وكل منهم سيفه على فخذه لأهوال الليل فقلت: هذا أسعد البشر، فأصغيت إليه فسمعته مرددا: كل شيء باطل.
ناپیژندل شوی مخ