ذهبت مرتدية ثوبي الجديد، متلفعة بشال قديم، لم أحمل معي أملا، وتوكد هناك يأسي. قلت للبواب: عندك معلومات ولا شك؟ - أبدا.
لم أجد شجاعة للذهاب إلى المسرح، رجعت كارهة، زرت سيدي الشعراني، واستغثت بكراماته. مضيت إلى الزنزانة لأجد الرجل يضاحك زبونا وهو ناعم البال. جلست منهزمة حانقة، ونفد صبري، فقلت: افعل شيئا؛ أليس عندك حيلة؟ - أود أن أقتلك، سأقتلك ذات يوم. - زيارة جديدة للمدير.
فقاطعني: اذهبي إليه أنت، فهو يخص جواريه بعنايته. - الحق أنني ضحية أمك، مارست تعذيبي من وراء قبرها؛ هي التي خلقت منك هذا الوحش! - إنها تعتبر بالقياس إليك سيدة عفيفة! •••
هذا المسرح يشهد عذابي وحبي، شهد أيضا اغتصابي ولم يمد لي يدا، تحت قبته العالية تدوي شعارات الخير في أعذب بيان، وتسفح على مقاعده الوثيرة الدماء. وأنا ضائعة ... ضائعة ... محتقنة بسري، وهو لا يدري بحبي، ولا يهمه شيء؛ لعله نسي اسمي أيضا! - إنك تتجنبني ... شقيت حتى قابلتك. - هل ينقصك شيء؟ - ماذا؟ ... أنسيت؟ ... لقد فقدت كل شيء. - لا أحب المغالاة ... لم يحدث شيء ذو بال.
طفرت الدموع من عيني. - لا ... لا ... لا يجوز أن يلاحظ شيء في المسرح. - ولكنني ... ألا تدرك حالي؟ ... لا تتركني. - الأمر أبسط مما تتخيلين ... لم يحدث شيء ضار البتة ... احتفظي بصفاء ذهنك من أجل عملك ومستقبلك، وانسي ما كان، فلا فائدة ترجى من تذكره.
إنه الصوان، أمقته بقدر ما أحبه. مهجورة وحيدة معذبة. ستخمن خالتي سر عذابي ذات يوم. ماذا أرجو من دنيا لا يعبد فيها الله؟! •••
عند الأصيل، ذهبت إلى مقهى الفن، رأيت فؤاد شلبي يدخن الشيشة فقصدته؛ لم يتوقع حضوري بحال، فقال: مرحبا. وأجلسني وهو يقول: كان يجب أن أزوركم، اللعنة على الشواغل!
فقلت دون مبالاة: لم يزرنا أحد، لا أهمية لذلك، إنما جئتك مدفوعة بالقلق لاختفاء عباس.
فابتسم وقال: لا داعي للقلق، الأمر واضح، لقد هرب من المتطفلين، وخيرا فعل، ولا شك أنه يعد مسرحيته التالية. - أما كان يجب أن يخبرني؟ - اغفري له خطأه، لا تقلقي، ما زلت جميلة كما كنت يا حليمة، كيف حال كرم؟ - حي، يمارس هوايته في إتعاس البشر.
فضحك، وظلت ضحكته تثير أعصابي حتى غادرت المقهى. وجدت الشجاعة والتصميم هذه المرة للذهاب إلى المسرح، طلبت مقابلة المدير، دخلت الحجرة؛ الحجرة نفسها، الكتب الجلدية نفسها، الرجل نفسه؛ لا ... إنه رجل آخر، لم يبق من الآخر إلا نذالته، إدمان الشهوات كبره أكثر مما كبرنا السجن. أيهما المسئول أكثر عن تعاستي؟ وقف مرحبا ... هتف: أهلا ... أهلا ... يسعدني أن أراك بخير.
ناپیژندل شوی مخ