أي تعاون؟! إنه لا يدري شيئا، إنه أبرأ من أن يحيط بأسرار القلوب إذا نفثت دخانها. من أين له أن يعلم بما فعل أبوه، وهو لم يشهد إلا سطحه الكئيب؟ إنه يبذل ما يجود به قلبه البار، ولكن هل غاب عنه أنه يجمع بين خصمين في زنزانة واحدة؟ من السجن إلى سجن، ومن المقت إلى ما هو أشد مقتا. لا أمل لي يا بني إلا أن تنجح، وأن تنتشلني من زنزانتي البغيضة. •••
أسترق إليه النظر وهو يعمل، يبيع الفول السوداني واللب والفشار والحمص، ويرمي بالقروش في درج نصف مفتوح، بعد إدمان طويل للرزق الحرام الغزير. لا شك أنه يحلم بالمخدر القاتل الذي شفاه السجن منه على رغمه؛ لولا أن عباس اشترط عليه أن نتقاسم الربح، لبادرنا الخراب من جديد. دائما مكفهر الوجه، لا يزيح قناع الأسى عن وجهه إلا في حضرة الزبائن. تمادى في العمر أكثر من الواقع بعشر سنوات، وهذا يعني أنني تماديت أيضا. أيام السجن الحزينة، وليلة الكبسة التي استبقت فيها أيدي المخبرين بلطم وجهي ... آه ... الأوغاد ... لم يزرنا منهم أحد. الهلالي وغد مثل طارق رمضان؛ حجزوا في القسم ليلة، ثم أطلق سراحهم، وحملنا الوزر وحدنا. حتى جيراننا يقولون إن القانون لا يصول ويجول إلا مع المساكين، يعزوننا، ويشمتون بنا، ولكنهم يتعاملون معنا. لا أمل لي يا بني إلا أن تنجح! يمر الوقت دون أن نتبادل كلمة، حرارة المقت أقوى من موقد الفرن. وكم أشعر بالتعاسة وأنا أنظف البيت القديم الكريه، أو وأنا أعد الطعام؛ كيف قضي علي بهذه الحياة؟ كنت جميلة ومثالا في التقوى والأدب. الحظ ... الحظ ... من ذا يدلني على معنى الحظ؟ ولكن الله مع الصابرين، وسوف يقول الحظ كلمته الأخيرة على يدك يا عباس، ولن أنسى زيارتك لنا ليلة مولد سيدي الشعراني، وقولك المفرح للكرب، المفتح لأبواب السماء: أخيرا قبلت مسرحيتي!
لقد انطلقت من صدري ضحكة كاللؤلؤة، لم تترنم فيه منذ الشباب الأول. حتى أبوه تهلل وجهه؛ ما دخله في الأمر ... لا أدري! لقد كرهته كما كرهني! حسن ... ها هو يستوي مؤلفا لا خرافة كما توهمت، طالما عددت مثاليته سفاهة، ولكن الخير ينتصر، ويجرف تياره المتدفق زبد السفلة من أمثالك. •••
لا أحب الخريف، لولا أنه يقربنا من ليلة الافتتاح. من أين تجيء هذه السحب التي تحجب النور؟ ألا تكفيني السحب التي سبح فيها قلبي؟ وجاءني صوت الرجل قائلا: انظري ...
رأيت طارق رمضان مقبلا كحادثة سيئة من حوادث الطريق. تساءلت: للتهنئة أم للشماتة؟
وقف قبالتنا يلقي بسلامه في فراغ. قلت: أول زيارة من أهل الوفاء!
ولم ألق بالا إلى اعتذاراته، حتى سمعته يقول: معي أخبار سيئة!
فقلت بتحد: لا تهمنا الأخبار السيئة. - حتى لو تكون عن الأستاذ عباس يونس؟
هرب دمي، تماسكت ما وسعني التماسك. قلت بزهو: قد قبلت مسرحيته! - ما هي إلا نكتة مبكية؛ ماذا تدرين عن المسرحية؟
وراح يسوق العجائب من خلال تلخيصه، ويختم قائلا: كل شيء ... كل شيء ...
ناپیژندل شوی مخ