افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

محمود محمود d. 1450 AH
72

افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

ژانرونه

وقد يرجع اتساع الفجوة، إلى حد ما، إلى أن الطبقة المثقفة في العصور المظلمة وفي أوائل العصور الوسطى كانت أبعد عن معاملات الحياة اليومية منها في أي مجتمع غربي آخر، وربما مال قادة الفكر في المجتمع النامي الجديد إلى تأكيد أهمية الترتيب، وأهمية النظم الثابتة التي تربط كل فرد بدور معين في المجتمع، ربما مالوا إلى ذلك عندما واجهتهم الفوضى، وانهيار السلطة المركزية، والعودة الجزئية إلى بربرية العصور المظلمة. ومهما يكن من أمر فإنه مما يذهلنا اتجاه المثل الخلقية والسياسية عند أكثر مفكري العصور الوسطى نحو مجتمع مستقر. غير أن مجتمع العصور الوسطى منذ القرن الحادي عشر كان في الواقع مجتمعا متطورا، يزداد في عدد السكان، والثروة، والسيطرة الفنية على الموارد، وهو لذلك يخضع لحكم الظروف وضغطها، وهو ما كانت النظريات الاجتماعية في ذلك العهد تميل إلى إنكار وجوده. ودعنا الآن - دون أن نحاول أن نحشو ميدان البحث بأسماء الكتاب - نختار ناحية واحدة من الميدان ملموسة مما يتميز به، ونحاول أن نجعل المشكلة واقعية.

ومن المفارقات الشائعة بين النظرية الاجتماعية وتطبيقها ذلك الفارق الذي يفصل مجتمعا تتجمد فيه الطبقات ومجتمعا يستطيع الفرد فيه أن يتحرك حركة كاملة من طبقة إلى أخرى. في الطرف الأول يولد المرء في مكان معين من المجتمع - من حيث الوظيفة، والدخل، والدور الاجتماعي، ومجموعة الآراء - يبقى فيه طوال حياته. ويبدو المجتمع المثالي الأفلاطوني لبعض المفسرين قريبا جدا من هذا الطرف، كما أن النمل والنحل بطبيعة الحال تحيا فعلا في مجتمع كهذا، وفي الطرف الآخر مجتمع نجد فيه جميع الأعضاء متحررين بعضهم عن بعض قدر المستطاع، وكل فرد فيه يؤدي ما يبدو له مستحبا في أي وقت من الأوقات، لا يرتبط فيه أحد بوظيفة، أو أسرة، أو وضع اجتماعي، أو بمكانة معينة بإيجاز. ومن الطبيعي أنه لم يوجد مثل هذا المجتمع الأخير في أي عصر من العصور، ولكنا نستطيع أن نقول إن كثيرا من الأمريكان يحسبون أن مجتمعنا يتألف من أفراد أحرار، متساوين، متنقلين. ونستطيع فوق ذلك أن نقول إن مجتمعنا في الواقع - إذا قورن بالمجتمعات البشرية التي ولى عهدها في الماضي - أقرب من أكثرها إلى الطرف الذي يقع فيه إمكان التنقل الاجتماعي للأفراد. ومن الأقوال الشائعة: «ثلاثة أجيال تنقلك من طبقة إلى طبقة.» وهذا القول مثل محسوس لهذا الوضع.

إن مثل هذا القول لم يكن ليحمل أي معنى لرجال العصور الوسطى ولكنه في الفترة الأخيرة من هذه العصور لم يكن البتة بعيدا جدا عن الواقع؛ فقد شهد القرن الخامس عشر خاصة كثيرا من النبلاء الإقطاعيين الذين لحقهم الفقر، وكثيرا من التجار الأغنياء المحدثين والمقربين إلى البلاط . المجتمع نظريا عند المدرسيين، بل وعند المفكرين الذين تأثروا بالقانون أكثر مما تأثروا بأصول الدين، كل مرتب، أو كائن عضوي، الأفراد فيه أجزاء أو أعضاء. ولدينا في «بوليكراتيكس» الذي ظهر في القرن العشرين للراهب الإنجليزي جون سولزبري عرض كامل لما أطلق عليه فيما بعد «النظرية العضوية» للمجتمع. والأمير - طبقا لسولزبري - هو الرأس في جسم الأمة، ومجلس الشيوخ (الهيئة التشريعية) قلبها، والقضاة وحكام الأقاليم عيونها، وآذانها، ولسانها، والموظفون والجند أياديها، والموظفون الماليون معدتها وأمعاؤها، والمزارعون «يقابلون الأقدام، التي تلتصق بالأرض دائما». وهذا التشبيه، أو إذا حسبت أنه يستحق اسما أسمى من ذلك فقل هذه النظرية العضوية للدولة أو المجتمع، تلقى استحسانا شديدا عند أولئك الذين يقاومون التغيير؛ لأنه من الواضح أن القدم لا تحاول أن تمسي ذهنا، كما أن اليد لا تغار من العين. والجسم في أحسن حالاته - وأجزاؤه في أحسن حالاتها - حينما يؤدي كل عضو ما أرادت له الطبيعة أن تؤديه.

إن العامل في الحقل، والحداد، والتاجر، والمحامي، والقسيس، والملك نفسه - كل من هؤلاء وكل إليه جزء من عمل الله على الأرض. والفكر الوسيط يصر على كرامة كل حرفة وقيمتها، حتى أقلها شأنا. ويستطيع أقل الناس شأنا فوق هذه الأرض - بطبيعة الحال - أن يأمل في «سعادة كاملة» أبدية كأي ملك من الملوك في العالم الآخر. وإنك لن تجد احتقارا - أو على الأقل لا مبالاة - لطبقة العمال كما تجد عند أفلاطون الذي يسميهم «معدة المجتمع». ولم تكن النظرية السياسية في العصور الوسطى - فوق ذلك - مطلقة بأية حال من الأحوال. وبوسع المرء أن يفترض أنه في مجتمع منظم - كما يبدو في هذه المجموعة من الآراء - لن تكون هناك وسيلة ما لمقاومة ما يقوم به إنسان أعلى. ومن المؤكد أن مفكري العصور الوسطى لم يكونوا ديمقراطيين بمعنى أنهم يعتقدون بأن للناس حق إبعاد حكامهم. ولو نمى إلى هؤلاء المفكرين قول جيفرسون المشهور بأنه ينبغي أن تهب الثورة كل تسعة عشر عاما أو ما يقرب من ذلك لصعق أكثرهم، بل ولما كان هذا القول مفهوما لديهم، ولكنهم لم يعتقدوا - كما كان يحتم عليهم المنطق - بأن الاحتفاظ ب «الحالة كما هي» أمر واجب، ما دام الله قد فرض السلطة والكرامة كما هما الآن في هذه الدنيا.

ولكنهم سرعان ما وجدوا لهم مخرجا من هذه الورطة. قالوا إن الله قد خلق الناس درجات في هذه الدنيا، وجعل العلاقة بين الأعلى والأدنى ركنا من أركان عمله فوق الأرض. ومن المصطلحات التي تميزت بها العصور الوسطى التي تعبر عن هذه العلاقة استعمالهم لفظة «الدومنيوم» أو «السلطان»، وأول من استخدمها بهذا المعنى في أوائل القرن الرابع عشر أجديوس رومانوس، أحد المبررين لسلطة البابا؛ إذا كان وضع المرء فوق غيره فله عليه «سلطان»، وعلى غيره أداء الخدمات. ولكن المرء قد يسيء استخدام «سلطانه»، وقد يعامل غيره كأنه مجرد حيوان وليس نفسا خالدة. وفي هذه الحالة فإن المرء لا يمارس «السلطان»، وإنما مجرد «التملك». «السلطان» هو العلاقة الإنسانية الصحيحة الكريمة، و«التملك» هو العلاقة الإنسانية الخاطئة التي لا تحتمل. وللمرء أن يمتلك شيئا، وليس له أن يمتلك شخصا. وعليك أن تقبل «سلطاني»، ولكن عليك أن ترفض «تملكي» إذا كانت ممارسته تثير حسك الخلقي. ولا ينبغي أن يعامل إنسان إنسانا كشيء أو أداة. ويقول جون سولزبري: إن الأمير نفسه إذا أساء السلطة التي أعطاها إياه الله حق عليه القتل كحاكم ظالم، ولن يكون قاتله إلا أداة الله وليس في الواقع كائنا بشريا مسئولا يرتكب جريمة القتل. ومذهب جون هذا مثال طيب ملموس يوضح كيف كان مفكرو العصور الوسطى يختلفون، ولم تكن بينهم في الواقع تلك الوحدة التي تعتبر أحيانا من صفات العصور الوسطى. ولم يكن مذهبه في قتل الظالم يتفق مع الأرثوذكسية.

وفي هذا المجتمع الطبقي حيث يكون لكل فرد مكانه الذي يستحق ، كان كل امرئ يتناول - نظريا على الأقل - حقه الاقتصادي العادل. وقد أعجب المفكرون المحدثون كثيرا بهذه الآراء الاقتصادية الوسيطة ليعارضوا بها حياة العمل في عصرنا التي يرون فيها منافسة مستنكرة. كان العمل عند أصحاب النظريات في العصور الوسطى شرفا كله، وهو جزء مما قدر الله للإنسان، ولم يكن العمل طريقا يرتقي به العامل في السلم الاجتماعي. وأهم من هذا أن المرء لم يعمل لكي «يكسب المال» بالمعنى الحديث؛ لأن اكتساب المال بهذا المعنى لا يتحقق إلا بخداع شخص آخر، أو بأن يأخذ المرء أكثر من نصيبه العادل. فإن العمل، ولنفرض أنه حذاء من صنع صانع ماهر، لم ينظر إليه كسلعة في السوق الحرة، تطلب ما يدفعه فيها الشاري، وتباع بثمن مرتفع إذا قلت الأحذية وقت المبيع، وبثمن بخس - بل وبالخسارة - إذا كانت هناك وفرة من الأحذية. إنما الحذاء يستحق ثمنا محددا، هو «ثمنه العادل». وهذا الثمن العادل يشتمل على تكاليف المادة الخام، وعلى المبلغ المطلوب للعامل لكي يحفظ أوده على مستوى الحياة التي ألفها، وذلك خلال الفترة التي يقضيها في صنع الحذاء (أعني قيمة العمل)، ويضاف إلى ذلك قدر ضئيل من المال لا يعد ربحا بمقدار ما يعد أجرا للبائع على إدارته.

ولضمان هذه العدالة الاقتصادية وضع المجتمع الوسيط - وبخاصة في القرون المتأخرة - نظاما دقيقا لما نسميه اليوم بالرقابة. وكان التجار والصناع على السواء ينتظمون في روابط مهنية تسمى النقابات. وهذه النقابات هي التي تحدد الأسعار والمستويات وتهيمن على التحاق العمال الجدد وأصحاب الأعمال في كل حرفة من الحرف، ولكنها لم تحدد بالضبط القدر الذي تنتجه كل شركة من شركات الحرفة، ولم «تخطط» الإنتاج بالمعنى الحديث لهذه الكلمة. ومن الواضح أن الشركة (وهي صاحب العمل والعمال) في مجتمع ثابت تؤدي من العمل ذلك القدر الذي كانت تؤديه منذ القدم. وتتحكم العادة في المقدار الذي تنتجه. أما عن التخطيط فذلك قد قام به الله نفسه منذ زمن بعيد. وكذلك كانت العادة تحل محل التخطيط في مجتمع العصور الوسطى. وقد كانت قوانين الحكومات المحلية تعزز هذه الرقابات.

وأخيرا أقول إن المجتمع الوسيط لم تكن به من الوجهة النظرية رأسمالية للتمويل، لم يكن به مدد من المال السائل أو الرصيد يستطيع أن يسحب منه المرء إن أراد أن يتوسع في عمله. وكانت نظريات العصور الوسطى - وهنا نجد أكويناس مصدرا واضحا جيدا بصفة خاصة - تعتبر قبول الربح على السلف المالية بمثابة الحصول على شيء نظير لا شيء، وهو استغلال الدائن لحاجات المدين العاجلة؛ فإن أنا أدنتك مبلغا من المال مدة اثني عشر شهرا، ثم استرددته كما هو، فأنا لم أربح ولم أخسره، وإن أنا استرددت أكثر مما أدنت فإنني أحصل على دخل غير مكتسب. نعم إن المدين إذا لم يدفع خلال الفترة المتفق عليها فمن حقي أن أطالب بنوع من التعويض؛ لأن ذلك قد يخل بمشروعاتي. غير أن هذا الإجراء وما يشبهه لا يوازي الاعتراف بمشروعية الربح. والواقع أن ما نسميه الربح في العصور الوسطى كان يعد من الربا. وما كان يرفضه الناس في العصور الوسطى - وهذا الرفض طبيعي جدا في مجتمع مستقر يسوده حكم مطلق - هو أن المال الذي يستدينه صاحب مشروع يمكن أن يستثمر استثمارا منتجا بحيث يوجد في نهاية فترة التسليف مزيد من السلع الاقتصادية يفوق ما كان موجودا في بدايتها. ولكن حتى عندما بدأت مثل هذه السلع الاقتصادية المتزايدة في التدفق، وحتى عندما صار الاقتصاد في أواخر القرون الوسطى ديناميكيا (متحركا)، فإن المفكرين في تلك العصور لم يستطيعوا إدراك هذا التحول، ومن المؤكد أنهم لم يروه. وسوف نعود إلى هذه التفرقة بين الديناميكي والاستاتيكي (أو الثابت والمتحرك)، وهي تفرقة لها أهمية قصوى في فهم نظرة العصور الوسطى التي تباين نظرة العصر الحديث.

وإليكم مثالا أخيرا. وقد بينا من قبل أن الفكرة الحديثة، فكرة سن القوانين، ووضع الدساتير التي تغير من النظم القضائية القائمة، لم تكن موجودة في أكثر المجتمعات القديمة الساذجة. والواقع أن التعبير ب «النظم» الذي استخدمناه الآن بالغريزة ربما كان لا يلائم مثل هذه المجتمعات البتة إذا نحن طبقناه على شيء له ما للقانون من توقير وتقديس. والقانون في ذهن الرجل في العصور الوسطى - بل في ذهن رجال القانون أنفسهم - يوجد ولا يوضع؛ فالقانون بالنسبة إلى الأغراض العامة اليومية هو ما نسميه العرف، وطريقة معرفة العرف هي البحث بين الناس المستقرين في بيئة معينة من أصحاب التجارب، ثم معرفة ما تم عمله في ناحية من النواحي من قديم الزمن. والعادات (أو العرف) قد تتضارب في حالة ما، ولكن البحث الصحيح بين الأفراد المعنيين يعزز الدليل الذي يرجح رأيا دون رأي في هذه الحالة.

وفي الحق كان هناك شيء وراء العرف، وراء القانون بمعنى ما ألف الناس أداءه؛ ذلك أن الفكر الوسيط في أوجه كان يعزز فكرة «قانون الطبيعة» الذي عرفنا أنه صادر من العالم الإغريقي الروماني، وهي فكرة لم تختف كلية حتى في العصور المظلمة. وقانون الطبيعة عند المفكر في العصور الوسطى كان يشبه كلمة الله مترجمة إلى عبارات يمكن للرجل العادي فوق هذه الأرض أن يستخدمها. كان هذا القانون هو المعيار، والمثل الأعلى، وما «ينبغي أن يكون» الذي يمكن لأصحاب الإرادة الذين يصيبون التفكير أن يروه. ولما كان رجال من أمثال أجديوس رومانوس والثائر الإنجليزي المشهور وايكليف يميزون كما بينا بين «السلطان» و«الملكية» فإنهم يضعون وراء السلطان القوة الكاملة لقانون الطبيعة، و«الملكية» إذا كانت تشمل الأشخاص حتى تكون ضد قانون الطبيعة.

ناپیژندل شوی مخ