افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

محمود محمود d. 1450 AH
70

افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

ژانرونه

ومن الأمثلة الجيدة لهذه القوة المتزنة، والتي تقوم على أساس من الفكر في التفكير الرسمي في العصور الوسطى، ما نجده في بعض المذاهب الدينية، التي أخذت شكلها النهائي في هذه السنين؛ فالعشاء الرباني مثلا وضع بشكل صارم تلك المشكلة المسيحية التي لا تنتهي، مشكلة هذا العالم والعالم الآخر، وذلك في صورة الظاهر والواقع؛ فالعناصر لا يمكن أن تكون خبزا ونبيذا، ولكن لا مناص لها من أن تبدو في شكلها ومذاقها كالخبز والنبيذ. ومخرج الدار الآخرة من ذلك هو إنكار أن العناصر - بعد تقديسها - هي أي شيء بأي حال، سوى جسد المسيح ودمه. أما مخرج هذه الدنيا فهو قبول العناصر كخبز وخمر، والقول بأنها إنما ترمز للمسيح، وتجدد ذكرى المسيح عند من يتناولها. وهذا المخرج الثاني كان يبدو للكاثوليك الأرثوذكس دائما مخرجا خطرا؛ لأنه يستبعد المعجزة ويفتح لطرق العقل والإدراك العام مسالك أخرى. وبالرغم من أن الكنيسة الكاثوليكية كانت دائما تجد للعقل وللإدراك العام مكانا، فإنها كانت تسعى دائما إلى أن تبقيهما في المكان الذي تراه ملائما لهما.

إن مذهب تحول الخبز والنبيذ إلى جسد المسيح ودمه الذي كان من خصائص العصور الوسطى، والذي قبله رسميا مجلس لاتيري الرابع في عام 1215م (وهو أحد المجالس الخمسة العامة في الكنيسة الغربية)، اتخذ - بعد عدة قرون من الجدل بين علماء الدين - وجهة نظر سليمة تنتمي إلى العالم الآخر، ولكنه احتفظ بدقائق الإحساس العام. إن للخبز والنبيذ «مادة»، وهي كيان أساسي أو صفة أساسية، ولهما «أغراض»، وهي الصفات التي نحسها ونراها ونتذوقها، والتي تعاوننا في الظروف العادية على أن نكتسب معرفة تقريبية بمادتهما. وبمعجزة القداس يحول المسيح مادة الخبز والنبيذ إلى مادة جسد المسيح ودمه، ولكنه لا يحدث أي تغيير في الأعراض التي تبقى أعراض الخبز والنبيذ. ونحن لا نذوق إلا الأعراض، ولا نذوق المادة إطلاقا؛ ولذا فنحن بالطبيعة عند التناول إنما نذوق ما نذوقه دائما على مائدة الطعام في المنزل، ولا يحلل الكيموي إلا الأعراض، وهو لا يحلل المادة قط. ومن ثم فإن الكيموي الذي يحلل الخبز والنبيذ المقدس بغير ورع لا يجد تحولا، بيد أن التحول قائم، وهو ذلك التحول المعجز من الخبز والنبيذ إلى الجسد والدم، الذي يتجاوز حواسنا، ولكنه لا يسحقها أبدا.

وكانت مبادئ الخلاص الأولى تفتقر إلى العمق المنطقي والعاطفي، بالرغم من أنها لا تمثل من مخاطر الهرطقة الكبرى ما يمثله العشاء الرباني. كان آباء الكنيسة الأولى قد اطمأنوا إلى مذهب الفداء، الذي استرد بمقتضاه المسيح الإنسان من براثن الشيطان بما عانى على الصليب. وكانت هذه العقيدة مقبولة جدا عند عامة الناس، وشاعت إلى درجة كبيرة لعدة قرون. ولكن مثل هذا الفداء بدا للعقول المدققة أشبه بالتبادل التجاري. وذلك فوق أنه وضع الإله في مكانة لا تليق بكرامته وقدرته على كل شيء . وقد أظهر القديس أنسلم في مبدأ التكفير تفسيرا منطقيا أكثر قبولا للطريقة التي أتى بها المسيح بالخلاص، وأنسلم هذا هو أول الواقعيين الكبار في العصور الوسطى، وربما كان أشد المفكرين في ميدان العلوم الدينية ابتكارا في العصر الوسيط. قال إن خطيئة آدم ضد الإله لا يمكن محوها بأي نوع من أنواع المحاسبة التجارية، ولا يمكن قطعا محوها بأي تبادل تجاري مع الشيطان. إن الإنسان مدين لربه بالصلاح، ولكنه في حالة سقوطه لا يستطيع البتة أن يقوم بهذا الصلاح. وإنما يستطيع يسوع كإله أن يخطو الخطوة الأولى نحو سد الدين الذي سده فعلا كإنسان مكابد. كان يسوع بغير إثم، ربا وإنسانا، ومن ثم فقد كان بوسعه أن يكفر في حرية عن خطيئة آدم، أو قل إنه كان بوسعه أن يخفف بشفاعته من غضب الله مع أبنائه، وهو غضب له ما يبرره. وقد حمل يسوع النقص طائعا - وحمل الآلام التي تلازم النقص؛ لأنه كابد الآلام كإنسان - وذلك حتى يستطيع الناس أن يخطوا الخطوة الأولى نحو الكمال الإنساني، وهي الخطوة التي كانت تستحيل عليهم بغير هذا. وهذا مذهب دقيق، وهو عند كثير من أصحاب العقول الحديثة خلو من المعنى. ولكنه محاولة لإرضاء عنصر التفكير عند الإنسان - وهي محاولة خطرة عند أولئك الذين يميلون بحماسة نحو الإيمان بعالم آخر. وأقول مرة أخرى إنه من الأيسر لنا أن نردد ترتوليان ونقول إن يسوع يخلص بطريقة يجب أن تبقى دائما سحيقة لا يسبر غورها الإنسان الذي يربط بين الألفاظ في تفكيره.

غير أن هذه الطريقة لم تكن الطريقة المدرسية، ولم تكن قطعا طريقة أعظم المدرسيين، وأعني به سنت توماس أكويناس، الذي خلف لنا قدرا كبيرا من الكتابة، بالرغم من أنه مات في سن التاسعة والأربعين. وكتابه: «بحث في معارضة الأمميين»، وكتابه الآخر: «بحث في قواعد الدين»، موسوعتان للمعرفة والفلسفة في العصور الوسطى، ولكنهما موسوعتان منظمتان، كل شيء فيهما منسق طبقا لنظرة أساسية واحدة، وليستا مجرد معارف متنوعة، ضم بعضها إلى بعض، كالموسوعة الحديثة، في ترتيب أبجدي . والنظرة الأساسية هي المسيحية الكاثوليكية الأرثوذكسية يعرضها واقعي معتدل (بمعنى هذه الكلمة في العصور الوسطى الذي استخدمناه في هذا الفصل)، منطقي مرتب لا يميل قط إلى المبالغة حتى في المنطق، باحث عظيم اتصلت حلقاته بطريقة ما بعالم الإدراك العام .

كان أكويناس يرى هذا العالم معقولا، وإن لم يكن البتة موقرا، سعيدا، ميسرا. وقد خلق الله هذه الأرض أصلا كمكان ملائم للإنسان الذي خلقه على صورته. ومن الجلي إذن ألا يتناقض مع خلقه أي نشاط بشري هام كالتفكير، ولا يمكن أن يعتبر في الواقع أي نشاط، من الواضح أنه من طبيعة الإنسان، في حد ذاته خطأ - نعم إن هناك احتمالات كثيرة يرتكب فيها الناس الأخطاء، والحياة فوق هذه الأرض نضال مستمر ضد قوى الشر الحقيقية. ولكن هنا يعطينا الله ابنه الأوحد، ويعطينا في الكنيسة التي أسسها هذا الابن فوق هذه الأرض مرشدا لا يخطئ في تنفيذ مشيئته.

وإذن فلقد بدأ أكويناس بالعقلية الثابتة في الديانة المنزلة من عند الله، وبدأ بتلك الحقائق التي ننالها مباشرة من الله. وكل تفكيرنا - إذا أديناه صوابا - طبقا لأكويناس، إنما يثبت هذه الحقائق، ويعاوننا في حياتنا اليومية التي نحياها على تطبيقها. وقد وقف المذهب المدرسي وقفة ثابتة في تلك المشكلة - المسيحية الأبدية، مشكلة الإيمان ضد العقل (وأذكر هذه العبارة: إنني أومن لأنه مستحيل). ليست هناك مشكلة؛ إذ ليست هناك معارضة بين الإيمان والعقل مفهومة فهما صحيحا. فإذا ما ضم المرء حجة إلى حجة وانتهى إلى نتيجة تناقض ما كان يعتقد فيه الكاثوليك الأرثوذكس، فهو آثم، وإثمه استخدام منطق خاطئ، ويمكن باستخدام المنطق الصحيح أن نتبين على الفور موطن خطئه. والواقع أن توماس أكويناس - كأكثر المدرسيين المتأخرين - كان يستمتع بالتلاعب بالحجج الموضوعة ضد العقائد المقبولة، ثم يقابل بين هذه الحجج وبين مجموعة أخرى من الحجج أشد براعة تتجاوز قليلا مقتضيات الإيمان البسيطة. ثم يوفق بين هذه وتلك بمهارة عقلية تذكر بقدرة الرياضي المدرب على السيطرة على التوقيت والتنسيق. وليس في هذا التشبيه ما يضلل؛ فالرياضي - كالمفكر المدرسي - يجب أن يتجنب الإفراط والتفريط، والتبكير والتأخير، ويجب أن يوجه القدر الصحيح من طاقته نحو المكان الصحيح.

والمنطق الصحيح عند أكويناس هو طريقة أرسطو بعد إحيائها وفهمها فهما تاما مرة أخرى. وقد بينا أن أرسطو نفسه كان بطبيعته رجلا يقف وسط الطريق؛ فهو لم يستطع أن يقبل العالم الآخر المثالي لأفلاطون، ولم يستطع البتة أن يقبل هذه الدنيا كما هي. وقد اتفقت مشاعر أرسطو نحو الاستهداف في الحياة البشرية اتفاقا تاما مع ميول المسيحية نحو الإصلاح. وكذلك اتفقت طريقة أرسطو في التفكير، التي تبدأ بالحقائق البينة، والتي يتفرع عنها باستمرار نمط من الفروض الواضحة المنسقة، وذلك بطريقة طبيعية للإنسان فيما يبدو، أو للإنسان في الغرب على الأقل - اتفقت هذه الطريقة اتفاقا تاما مع قبول أتباع المذهب المدرسي لحقائق الوحي وعادات التأمل عندهم. وقد عرفتم أن هذه الطريقة في التفكير يشار إليها بالاستنباط، ويكاد يكون من المؤكد أنكم قد انسقتم إلى موازنتها بطريقة أخرى للتفكير، نالت التقدير بانتصار العلم الحديث، وعرفت بالاستقراء، وحكمتم بفضل الطريقة الثانية على الطريقة الأولى. والواقع أن هذه المباينة بالغة التبسيط - إن لم تكن خاطئة - وسوف نعود إليها عندما نتحدث عن شخصية فرانسيس بيكون العظمى.

أما الآن فيكفينا أن نذكر أنك أذا طبقت طريقة الاستنباط هذه من نقطة بداية ثم سرت بضع خطوات في صف واحد دون الرجوع إلى الوقائع (أو التجربة الحسية) فالراجح أنك سوف تصل إلى نتيجة لا تطابق الوقائع. غير أن هذا لا يتحتم بالضرورة أن يكون هداما إلا إذا كنت من ذلك الضرب من الناس الذي نعرفه بالعالم التجريبي، أو إلا إذا كنت تحاول - كالطبيب الباطني أو ميكانيكي السيارات - أن تؤدي عملك على أساس التفكير العام كما يفعل العالم. وقد تريد - مثلا - كما يريد المدرسيون، أن تبحث عن أنماط من السلوك تشجع رغبتك في العيش حياة طيبة. وقد تحب أن تجد شيئا أفضل من الوقائع. وقد تحب أن ترى إلى أين يؤدي بك عقلك كما يفعل الرياضي. وفي كل ذلك وفي أغراض كثيرة أخرى يخدمك الاستنباط خدمة كبرى، وبخاصة إذا رجعت من تفكيرك - كما يفعل المدرسيون - بين الحين والحين على الأقل إلى حقائق السلوك البشري.

ومن المؤكد أن أكويناس كان يستند إلى قاعدة لم يبتعد عنها قط كثيرا، حتى في جدله الذي بلغ غاية الدقة و«المدرسية». وتلك القاعدة هي مجموعة حقائق الديانة المسيحية الملهمة، يكملها الإدراك العام والتجربة في كثير من نواحي العلاقات البشرية، ويفسرها عقل معتدل في طبيعته، يميل إلى التوفيق، ويستطيع الوصول الكامل إلى الآباء، وإلى الرجال المدرسيين الأوائل، وأرسطو خاصة، الذي كثيرا ما يشار إليه في «البحث» بمجرد الفيلسوف.

وإليك مثالا من طريقة أكويناس وعقله. وهو جزء من «البحث في أصول الدين» قليل الأهمية نسبيا، ولكن من اليسير لنا أن نتابعه، كما أنه يبين في وضوح أشد مما تبين الأجزاء الأعظم، كالجزء الخاص بحرية الإرادة، كيف كان أكويناس قريبا جدا من الإدراك العام. في هذا الجزء يناقش الشروط الخاصة ل «حالة الإنسان الأولى»، حالة البراءة قبل «السقوط». وهنا يلقي سؤالا - وهو سؤال تقليدي في الأدب، بالرغم من غرابته في نظر المحدثين - وهو: كيف كان الأطفال في حالة البراءة؟ بل نراه يلقي السؤال في صيغة أخص، فيقول: هل ولدوا بقوة بدنية كاملة تمكنهم من استخدام أعضائهم استخداما كاملا عند الميلاد، أم هل كانوا كأطفال اليوم، كائنات متحركة عاجزة عند ميلادها؟ قد يتصور المرء أن أية صورة من صور العجز - في جنات عدن - تحط من قدر الكمال، وما دام الله قد جعل الحياة البشرية شديدة الاختلاف عما صارت إليه فيما بعد، فلماذا لم يخلق الطفل البشري قويا كاملا منذ البداية، بل ولماذا لم يشأ أن يولد الرجال والنساء بالغين؟ والواقع أن فكرة الكمال المطلق في العالم الآخر تميل إلى أن تبعد جنات عدن عن صفات الأرض بقدر المستطاع، ولم يكن كذلك أكويناس؛ فقد كانت حتى عدن عنده «طبيعية» بقدر ما يستطيع تصويرها. «بالإيمان وحده ندرك الحقائق التي تعلو على الطبيعة. وما نعتقد فيه يستند إلى الرواية، ومن ثم فلا بد لنا عند افتراض أمر من الأمور من الاسترشاد بطبيعة الأشياء، إلا فيما يتعلق بتلك الأشياء التي تعلو على الطبيعة، والتي تصل إلى علمنا بالإرادة السماوية، وواضح أنه من الطبيعي ومن الملائم لمبادئ الطبيعة البشرية ألا تكون لدى الأطفال قوة تكفي لاستخدام أعضائهم بعد الميلاد مباشرة؛ وذلك لأن الإنسان بالنسبة إلى الحيوانات الأخرى له بالطبيعة ذهن أكبر. وعلى ذلك فمن الطبيعي بالنسبة إلى ليونة الذهن الشديدة عند الأطفال ألا تكون الأعصاب - وهي أدوات الحركة - معدة لتحريك الأعضاء. ثم إن الكاثوليك - من ناحية أخرى - لا يشك في أن الطفل يمكنه بقوة السماء أن يستخدم أعضاءه بعد الميلاد مباشرة.»

ناپیژندل شوی مخ