افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

محمود محمود d. 1450 AH
67

افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

ژانرونه

ولما حل القرن الثالث عشر كان العمل العلمي قد أمسى جزءا معترفا به كل الاعتراف من التنظيم الاجتماعي في العصور الوسطى في المستوى العقلي، فكانت هناك وظيفة الإدارة السياسية، ووظيفة القسيس، ووظيفة العالم، بل لقد كان هناك - بين طلبة الجامعة أنفسهم - شيء يشبه ما نعرفه بالحياة الجامعية. إن التباين المعروف بين «حياة المدينة وحياة العلم» قد بدأ منذ العصور الوسطى؛ فقد كان الطلبة يلعبون، ويشربون، ويغنون، وينظمون الألاعيب والمواقف المضحكة. وكانت هناك مشاغبات الطلبة التي كثيرا ما كانت تسيل فيها الدماء، وقد كان كل هذا أقل تنظيما بدرجة قصوى، وأقل عكسا لعالم الكبار، من ثقافة الشباب الأمريكية كما نعرفها. ولكنا إذا وازنا بين حياة الشباب في اليونان وروما وحياة الطالب في العصور الوسطى ألفينا في الحياة الثانية لونا حديثا جدا.

إن المعجبين بالعصور الوسطى - وبعض منهم في الواقع من طلبة العلم بالعصور الوسطى الممتازين جدا - يصرون على أن الروح الأساسية التي تقوم عليها وظيفة العلم في العصور الوسطى تختلف حقا كل الاختلاف من وظيفة العلم في التعليم العالي الحديث. ومن الفوارق الواضحة اختفاء العلم التجريبي من التربية الرسمية في العصور الوسطى، ووجود إيمان ديني واحد يعترف به في كل مكان. وهذه الفوارق تميز عموما الحياة العقلية كلها في العصور الوسطى، وسوف نعود إليها مرة أخرى. والفارق الذي يلاحظ عادة في حياة الطالب ذاتها هو اختفاء روح المنافسة الحادة الحديثة، والرضا بمركز الإنسان في الحياة في العصور الوسطى. والواقع أن الطلبة المساكين لم يتوقعوا بصورة واضحة أن يستخدموا الجامعة في العصور الوسطى عتبة توصل إلى رياسة البنك أو مجلس الإدارة، وذلك بالرغم من أن علماء العصور الوسطى كانوا في الأمور العقلية البحتة على أشد ما تكون المنافسة، وكانوا يتصفون بكل ما يتصف به العالم من غرور، وجدل، ورغبة في التغلب في النقاش على الخصوم. وربما كان الطالب في العصور الوسطى يتصف بزيادة في تكريس ذاته للعلم من أجل العلم بدرجة لا تتوافر لزميله في العصر الحديث، وبالرغم من ذلك كانت وظيفة العلم في كثير من وجوهها عملا مفتوحا لأصحاب المواهب. وفي هذا المجال - كما في غيره من المجالات في العصور الوسطى - يدهش المرء إذ يجد قدرا كبيرا من المنافسة والمضاربة بالنسبة إلى مجتمع المفروض أن يلزم كل امرئ فيه مكانته.

إن أكثر أصحاب الوظائف العلمية - حتى في أوج العصور الوسطى - كانوا ينتمون إلى نوع من أنواع المنظمات الدينية، وكانوا بمعنى من المعاني جزءا من الكنيسة. حقا إن أكثرهم لم يحصلوا على شفاء الروح؛ أي مسئولية الأبرشية عن الواجب الكهنوتي الذي يحمله راعي القطيع، وكان مفهوما أن الكنيسة كانت أخف في رقابتها على حياتهم الخاصة منها مع قسس الأبرشيات. بيد أن الكنيسة كانت بدرجة لا نكاد نفهمها اليوم - تتدخل في كل لون من ألوان النشاط البشري وتوجهها، وبخاصة النشاط العقلي. وفي أوائل العصور الوسطى كانت القدرة على القراءة وحدها تعتبر دليلا على أن المرء قسيس؛ ومن ثم ظهر ذلك الاصطلاح، الذي لم يندثر تماما حتى الآن، وهو «ميزة الأكليروس»، ومعناه أن الرجل الذي يستطيع أن يثبت قدرته على القراءة، يستطيع من أجل ذلك أن يعتمد - عندما يقع مع السلطات في مشكلة ما - على محاكمته في محكمة دينية لا في محكمة عادية. وكان كل عمل في العصور المظلمة يتطلب المعرفة بالقراءة والكتابة - مثل التسجيل ومسك دفاتر الحسابات وكتابة الرسائل، وتسويد الوثائق - يعهد به إلى القسس؛ لأن القسس وحدهم هم الذين كان يتوافر لهم التعليم اللازم لذلك، وبالرغم من أن هذا الاحتكار قد اختفى في أوج العصور الوسطى، فإن الأكليروس - حتى في هذه الفترة - تحملوا عبئا أضخم من العمل الإداري في الحياة أكثر مما يتحملون اليوم.

ثم إن القسيس - في ألوف الأبرشيات الريفية، بل وفي أبرشيات المدن - كان الحلقة الفعالة التي تصل المرء بالعالم الخارجي؛ عالم الأفكار، وعالم الحروب، والضرائب، والدسائس. وكانت الموعظة هي السبيل إلى نشر المعرفة، وذلك بالرغم من أنها لم تكن قط في مباشرة الكاثوليك لها ذلك الأمر المتسلط كما أمست في بعض المذاهب البروتستانتية. وفي الحق أن المنبر قد أعطى الكنيسة في العصور الوسطى تلك الميزة الكبرى التي كادت تكون احتكارا لوسائل التأثير على الرأي العام. وكانت الكنيسة وحدها هي التي تستطيع نشر الدعاية المؤثرة، لانعدام الصحف، والراديو، أو ما يشبه الأستاذ الكلاسيكي المتجول (أو الخطيب). ولم تكن هناك وسيلة أخرى لنشر الأفكار بين الجماهير سوى الكلمة الرسمية المنطوقة. ولما كانت البابوية في العصور الوسطى هي التي تملك ما كان يعادل نفوذ الصحافة والراديو، فقد كان ذلك بالتأكيد أحد الأسباب التي جعلت بابوات العصور الوسطى يحتفظون بنفوذهم في وجه نفوذ الحكام العلمانيين الآخذ في النمو لفترة طويلة من الزمن.

وأخيرا أقول إننا مدينون للكنيسة باحتفاظنا بالأدب الإغريقي واللاتيني. وبالطبع كان المتطرفون من المسيحيين يرون أن الآداب الوثنية من عمل الشيطان، ويطالبون بإعدامها. غير أن الفاكهة المحرمة التي تتمثل في الأدب الخيالي الوثني كان فيها شيء من الجاذبية حتى بالنسبة إلى رجل الدين الورع العادي. وكان الرهبان كذلك يجمعون وينسخون في الشرق والغرب. وبالرغم من أن الخسارة كانت فادحة، وبخاصة خلال السنوات الطويلة التي انهارت فيها الإمبراطورية الرومانية، فإن ما بقي كان مع ذلك يكفي لأن يعرفنا معرفة جيدة بثقافة الإغريق والرومان. ولم يقتصر عمل النساخين في الأديرة على نقل الآداب الكلاسيكية، بل لقد نسخوا كذلك - أو نشروا بالتعبير الحديث - ما كتبه باللاتينية علماء الدين والفلاسفة المعاصرون في العصور الوسطى، وما كتبه باللغات القومية الشعراء والقصاصون في هذه العصور. ونحن لا ندين لهم بشيشرون وحده، بل كذلك بأكويناس و«أغاني رولان».

وإذن فقد كان الرجال الذين يتلقون تعليمهم في الكنيسة، يكادون يحتكرون الحياة العقلية، فكانت الكنيسة منصة المحاضرة، والصحافة، والنشر، والمكتبة، والمدرسة، والكلية. بيد أنه من الخطأ برغم هذا أن نظن أن العصور الوسطى كانت خاضعة كل الخضوع للقسس. كما أنه من الخطأ قطعا كذلك أن نظن أن كنيسة أساسية بيوريتانية رقيبة كانت صاحبة السيادة عليها، وكذلك كانت هناك أوجه هامة في الحياة العقلية في العصور الوسطى لم تكن حكرا للأكليروس بأية حال من الأحوال. وإذا كانت الطبقات العليا في العصور المظلمة لا تكاد تعدو أن تكون جماعة من المحاربين المحترفين، فقد اكتسبوا في أوج العصور الوسطى اهتمامات أوسع نطاقا - في القانون والإدارة، وفي الشعر والقصص الخيالي، وفي أسلوب الحياة العجيب الذي يعرف بالفروسية، بل وأحيانا في البحث والدراسة. وقد كان أعظم فلاسفة العصور الوسطى، سنت توماس أكويناس من النبلاء الإيطاليين مولدا. وفي الآداب القومية، الإيطالية، والفرنسية، والإنجليزية، وغيرها مما سار شوطا بعيدا في العصور الوسطى، نجد كل ضروب العناصر المستمدة من الحياة الشعبية، التي تشتمل على قدر كبير من العربدة والخشونة لكي تثبت أن الإنسان البدائي لم يفقد صفاته كلها بالتدين، وربما لا يتيسر لنا أن نتبين في العصور الوسطى العلاقة بين مستوى الفكر الرسمي وبين حياة الرجل العادي، كما يتيسر لنا ذلك - على سبيل المثال - في القرن الذي عاش فيه فولتير، وروسو، وجيفرسون، وزملاؤه في عصور النور. غير أن فلسفة العصور الوسطى الشكلية المدرسية لم تكن - برغم هذا - نظاما قائما في فراغ؛ فقد كانت الفلسفة الرسمية في تلك العصور آمن في توجيهها للآمال البشرية العادية منها في عصر كعصرنا، حيث تكون الفلسفة في الوقائع دراسة أكاديمية شديدة العزلة، وذلك قطعا بسبب بناء المجتمع الوسيط، وبسبب المركز الأدبي للأكليروس.

علوم الدين والفلسفة في العصور الوسطى

كانت أصول الدين حقا بالنسبة إلى الفكر في العصر الوسيط «سيدة العلوم». وكان المفكر في العصور الوسطى يستخدم لفظتين منفصلتين، هما «أصول الدين» و«الفلسفة»، ولكنهما في الواقع مختلطتان اختلاطا لا انفصام فيه. وكان هناك دائما مجال للغموض، أو للإيمان، ولكن العالم بأصول الدين - كالفيلسوف - كان مفكرا، وكان رجلا يعلل ما يجري في الكون، وكان يعتقد أن هناك مكانا لله، وإن تعذر على كل الناس الوصول إليه، ويستطيع المفكر البشري بالتعليل أن يتوصل إلى مجموعة من الآراء التي تتعلق بمكان الله، وهي مجموعة نافعة بل وضرورية وإن تكن ناقصة.

وقد بنى المفكرون في العصور الوسطى - بطبيعة الحال - على أساس ما قام به الآباء المسيحيون الأوائل من عمل، وعلى تصرفات الكنيسة ونظراتها التي ذكرناها في الفصل السابق. ولعل أهم ما كتبه الآباء بالنسبة إلى العصور الوسطى، بل وبالنسبة إلى المسيحية التي جاءت بعد ذلك، كتابات سنت أوغسطين، أسقف هيبو ، الذي عاش في أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس. وهو ينتمي إلى سلالة رومانية أفريقية نبيلة، أبوه وثني، وأمه مسيحية (تلقبت بالقديسة مونيكا). وقد مات في عام 430م في أثناء حصار الوندال - إحدى القبائل الجرمانية - لمقره الأسقفي. ولذلك فهو ابن العالم القديم بمعنى، وأحد رجال العالم الوسيط بمعنى آخر. ومن المؤكد أن هذا العالم قد عده فيما بعد أعظم الآباء اللاتينيين.

إن أوغسطين إحدى الشخصيات الكبرى في الفكر الغربي، وهو يقف على قدم المساواة مع أفلاطون وأرسطو. ولا نستطيع في كتاب كهذا أن ننصفه، وإنما يجب أن يقرأ مباشرة، على الأقل في «اعترافاته»، وهو سيرة حياته بقلمه، وهي من السير القلائل التي بقيت من العالم القديم. وبفضل هذا الكتاب، وبفضل بقاء كتاباته الجدلية كلها التي كتبها عرضا، وبفضل كتابه «مدينة الله»، ذلك العمل العظيم المنظم، نستطيع أن نتعرف أوغسطين كشخص أحسن من معرفتنا بأية شخصية أخرى في العالم القديم. وهو كثير التناقض، كثير الالتواء والالتفاف، لأنه كان شخصا عظيم الموهبة، متأثرا بدنيا الثقافة الرومانية المنحلة. وإن المرء ليميل إلى الاعتقاد بأنه اعتنق المسيحية باعتبارها المبدأ الوحيد السليم المتكامل في عالم مضطرب - وبعبارة أخرى يميل المرء إلى الاعتقاد بأن هذا الرجل الذي ينحدر من الرجال المهذبين العمليين المتأثرين بالرومان كان مخلصا للتقاليد الرومانية المتزنة الدنيوية القائمة على الإدراك العام السليم. ولكن أوغسطين - مع ذلك - كان يجري فيه الدم الإغريقي وإن يكن رومانيا. ويستطيع المرء أن يتبين لديه كذلك بنفس الوضوح دافعا عاطفيا، قويا، وتعمقا في الأغوار استمد منه أوغسطين بطريقة ما الهدوء الإلهي المعجز. ومهما يكن من أمر فقد اختبر أوغسطين قبل تحوله إلى المسيحية أكثر الملذات الحسية، وكثيرا من أسباب العزاء الروحاني في دنياه، بما في ذلك مذهب مانيكان والأفلاطونية الجديدة.

ناپیژندل شوی مخ